هبّت وسائل إعلام غربية للتنديد بإغلاق حكومتي أبو ظبي ودبي مكاتب منظّمات “غير حكومية”، لكنها مموّلة أميركيا وألمانيا، وتعمل في مجال “الترويج للديمقراطية” في الإمارات العربية المتحدة التي احتلت المركز الأول عربياً في أول مسح تقوم به الأمم المتحدة لمؤشرات السعادة والرفاه للمواطنين.
وتسابقت “السى ان ان” و”فورين بوليسي” و”نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”كريستيان ساينس مونيتور” و”يوروب اونلاين” و”دير شبيغل” وغيرها من وسائل الإعلام، علاوة على وكالات الأنباء الغربية على التنديد بما أسمته منظمة هيومان رايتس ووتش “حملة ضد من يطالبون بتغيير ديمقراطي في الإمارات”.
انتقادات من حلفاء الإمارات الغربيين
وكانت الإمارات قد اتخذت قرارا بإغلاق مكتب “المعهد الديمقراطي الوطني” الأمريكي في دبي في 28 مارس/آذار، وبإغلاق مكتب منظمة “كونراد أديناور” الألمانية، في أبو ظبي اليوم التالي. كما أغلقت مؤسسة “جالوب” لاستطلاعات الرأي، التي مقرها في واشنطن، مكتبها في أبو ظبي.
ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية عن مساعد وزير الخارجية الإماراتي للشؤون القانونية، عبد الرحيم العوضي، قوله إن بعض المؤسسات الأجنبية التي كانت تعمل في الإمارات “خالفت شروط ترخيصها، مما اضطر الجهات القانونية إلى إصدار قرار وقف عمل هذه المؤسسات في الإمارات العربية المتحدة”.
وسببت هذه القرارات انتقادات واسعة النطاق من قبل الحلفاء الغربيين لدولة الإمارات. وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إن الغربيين “يأسفون” لإغلاق هذه المؤسسات.
وأضاف كلينتون “إننا نعتقد أن المنظمات غير الحكومية تلعب دوراً مهماً وشرعياً في التنمية السياسية والاقتصادية في بلد ما. يجب أن تكون قادرة على العمل وفقا للقوانين والمعايير المعمول بها وبدون قيود”.
وبدورها أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن أسفها إزاء الخطوة الإماراتية، وأكدت أن حكومتها ستحاول مواصلة “التعاون الوثيق” مع الإمارات.
وطالب وزير الخارجية الألمانى جيدو فيسترفيله دولة الإمارات بالعدول عن قرار إغلاق مؤسسة “أديناور”، وقال “إن المؤسسات السياسية الألمانية تؤدى عملاً دولياً رائعاً”. وقالت الخارجية الألمانية في بيان أن فيسترفيله اتصل بنظيره الإماراتى، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، بهذا الشأن.
الإمارات لم تتأثر بـ”الربيع” العربي…
في تقرير مطول نشر السبت في “السى ان ان”، يورد محمد جمجوم تصريحات لسامر مسقطي، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش، يشير فيها ـ وكأنه آسف ـ إلى أن الإمارات “لم تتأثر بالاحتجاجات التي ألهمهما الربيع العربي، خلافا للعديد من الدول الأخرى في المنطقة. ومع ذلك، سارعت الحكومة إلى متابعة الناشطين الذين يدعون إلى الإصلاح”.
ويضيف مسقطي “يبدو أن الحكومة ما زالت تخاف من الأحداث التي يشهدها الشرق الأوسط وتحاول أن تبذل كل ما في وسعها لمنع الربيع العربي من الوصول إلى شواطئها، رغم أن هناك احتمالا ضئيلا بأن يحدث ذلك”.
وينقل محمد جمجوم عن “المعهد الديمقراطي الوطني” أنه “يملك ترخيصاً قانونياً في مجال الاستشارات التدريبية ويتم تجديد الترخيص والتأشيرات كل سنة” وأنه “لا يتوفر على أية أنشطة أو برامج من أي نوع في الإمارات، ولم يسبق أن كانت له” وأنه “لم يتم توجيه اتهامات إجرامية أو أي اتهامات أخرى” حتى ذلك التاريخ.
كما ينقل الكاتب عن “منظمة كونراد أديناور” القول بـأنه لم تُقدم لها “أية أسباب معقولة” عن الإغلاق، مضيفة أنه “مؤشر خطير إذا كانت المنظمات غير الحكومية والمؤسسات السياسية غير مرغوب فيها في العالم العربي”.
خطوة الإمارات أحذق من خطوة مصر
يقول المدير الإقليمي للمعهد الديمقراطي الوطني، ليس كامبيل، في تصريح لـ”السى ان ان” أن “الإمارات نفذت هذه الخطوة بشكل أكثر حذقاً من مصر حيث داهم رجال شرطة مدججين بالسلاح مقار المنظمتين ومنظمات أخرى وتم إصدار مذكرات اعتقال، مما أدى إلى مواجهة بين الحكومة الأمريكية ومصر حول أكثر من مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية التي ترسلها واشنطن إلى القاهرة”.
وتراجعت مصر في آخر المطاف، بالسماح لعدد من العاملين في المنظمة الأمريكية الذين لجأوا إلى سفارتهم بمغادرة البلاد.
نظرية كـيـبلنج
يقول بوريس فولخونسكي، الباحث البارز بالمعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، في مقال باللغة الإنجليزية بـ”صوت روسيا”، تحت عنوان “ما هو العمل الحقيقي للمنظمات غير الحكومية الأميركية؟”، “الأمر المهم في قضية إغلاق مكتب المعهد الوطني الديمقراطي في الإمارات هو انه في هذه الحالة كانت واحدة من أقوى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي الإمارات العربية المتحدة، هي التي أمرت بإغلاق مكاتب منظمة أمريكية غير حكومية. وهذا يظهر حقيقة أن العمل الحقيقي للمنظمات غير الحكومية الأميركية يبدأ فهمه في الدول الحليفة للولايات المتحدة أيضا”.
ويضيف الباحث “وبالمناسبة، لماذا نصفها بأنها منظمات غير حكومية بينما هي تحصل على تمويل من دافعي الضرائب الأمريكيين وتعمل في ظل توجيهات وضعتها وزارة الخارجية ووكالات أميركية أخرى أكثر سرية؟”.
ويخلص الباحث إلى القول بأنه “عندما يتعلق الأمر بما تسميه واشنطن ‘تعزيز الديمقراطية’ (وهي ليست أكثر من صياغة صحيحة من الناحية السياسية لمقولة كيبلنغ حول ‘الاضطلاع بعبء الرجل الأبيض’)، تشعر الولايات المتحدة أنها غير ملتزمة بالمرة بأي قيود”.
وبشأن مقولة الكاتب والشاعر البريطاني روديارد كيبلنغ، يقول أ.د. محمد جبر الألفي، أحد أبرز الفقهاء والدعاة المعاصرين، أن “الغرب بجميع أطيافه يكن للمسلمين أحقاداً تاريخية نتيجة للحروب الدينية التي مكنت المسلمين من السيطرة على شرق أوروبا وغربها وحولت البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة إسلامية، وانعكست هذه الأحقاد على مناهج الدراسة والموروث الشعبي في الثقافة والفنون والآداب، و”عبر عنها كيبلنغ بقوله ‘الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبداً’، وأكدها هنتنغتون حديثا في كتابه ‘صدام الحضارات وإعادة رسم النظام العالمي’”.
ويضيف الألفي، الذي كان مفتيا لمسلمي فرنسا وعضو اللجنة العلمية للموسوعة الفقهية الكويتية، “واليوم يواجه المسلمون تحدياً خطيراً يتمثل في النظام العالمي الجديد، الذي يهدف إلى تعميم النموذج الغربي سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً وفرض سيطرته وهيمنته على الشعوب المستضعفة، ولا سيما الشعوب الإسلامية المغلوبة على أمرها، (…) يسعى لفرض تصوراته الخاصة عن السلام والأمن وحقوق الإنسان”.
اسقاط الأنظمة الخليجية
تزامنت الإنتقادات الموجهة للإمارات مع الحديث عن “ملتقى النهضة”، وهو “غطاء لـ ‘أكاديمية التغيير’ التي تهدف إلى تغيير وإسقاط الأنظمة في دول الخليج، كما حدث في بعض الدول مثل مصر واليمن وتونس”، بحسب ما أكده الكاتب والمحلل السياسي مشعل النامي على إحدى الفضائيات.
يذكر أن أكاديمية التغيير، التي نقلت من لندن الى قطر، يرأسها صهر الشيخ يوسف القرضاوي، ملهم الثورات العربية، التي بدأت تتحولت إلى فوضى عارمة، مما يضع علامات استفهام كبيرة.
وأشار النامي إلى أن استضافة اشخاص مثل الشيخ سلمان العودة ووليد الثاليث وهاله الدوسري “أمر يثير الريبة ويبعث على الشك، بالنظر إلى موقف العودة من حزب الله وتاييده للثورة الخمينية واعتبار أنها النموذج الأمثل للديمقراطية، وكذلك مهاجمة الثاليث للنظام السعودي وتاييده لأحداث القطيف، ووقوفه إلى جانب الحوثيين في اليمن”.
ما بني على باطل فهو باطل
تقول مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنيّة بالإتجار بالبشر، جوي نغوزي إيزيلو، أنها تعتزم القيام قريبا بأول زيارة لدولة الإمارات لـ”التواصل مع طائفة واسعة من أصحاب المصلحة والأشخاص أنفسهم الذين تعرضوا للاتجار في البشر حتى تسمع أصواتهم”.
وكانت “هيومان رايتس ووتش” قد قالت الشهر الماضي أن “دولة الإمارات أحرزت تقدما في معالجة مسألة استغلال العمال الآسيويين الأجانب، ولكن يتعين فرض مزيد من وسائل الحماية”.
ويتزامن الإعلان عن هذه الزيارة مع إعلان الأمم المتحدة عن نتيجة أول مسح تقوم به المنظمة الدولية لمؤشرات الرضا بين الشعوب وتحقيق سعادة ورفاه المواطنين.
وتحتل الإمارات المركز الأول عربياً والمركز الـ17 على مستوى شعوب العالم، أي، بعبارة أخرى، أن الشعب الإماراتي هو أسعد الشعوب العربية ومن أسعد الشعوب في العالم، بحسب هذا المسح العالمي المحايد، كما وصفه نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في رسالة إلى رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
اترك تعليقاً