أوضاع ليبيا تتأزم ليس سنة بعد أخرى.. وإنما يوما بعد يوم.
- الليبيون مختلفون فيما بينهم رغم كثرة الحلول المتوفرة أمامهم. وما يكادون يصلون الى حل حتى ينبري طرف من أطراف الصراع بالتشويش أولا ثم احباط التفاهم واغتياله معلنا انتصاره للوطن!!
- العرب متفرقون كالعادة ويتعاملون مع المسألة الليبية وفق منهجية خلافاتهم المتأصلة التي لا يبدو أنها ستنتهي. فمنهم من يؤجج الصراعات لحسابات خاصة ومنهم من لا يهمه شيئا لا في العير ولا في النفير.
- الأوربيون منهم من لا يعنيه الأمر الا من حيث التعاطف مع المسألة الليبية من ناحية حقوق الانسان والفاعلون منهم يتصارعون على من له حق الهيمنة عليها.
- المجتمع الدولي المتمثل في مجلس الأمن لا تهمه التفاصيل ويبصم دائما على ما يقدم له من اقتراحات وحلول ممن يفوضه المجلس كمبعوث لمتابعة الشأن الليبي والبحث عن حل لأزمته.
- بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا توالى عليها ستة مبعوثين .. وكل مبعوث يضيف شرخا في الجدار الليبي.
النتيجة أن في خضم هذه الصراعات تبقى الحلول المقدمة متضاربة ومتناقضة وتعمق الأزمة ولا تعمل على تفكيكها ومن ثم حلها.
في تقديري أن هذا الوضع لم يأت من فراغ ولا هو من وحي اللحظة والظروف . وانما هو عمل استخباراتي متميز من صنع عدة أطراف خارجية تتصارع فيما بينها وكل منها يريد أن يزيح الآخر المنافس ليستفرد بهذه الدولة الغنية بمواردها الطبيعية والتي هي الآن في حالة سيولة يمكن توجيه مصباتها في الاتجاه المراد والمبتغى.
محنة سوف تطول اذ ليس من السهل السيطرة على الأوضاع السيئة المتفاقمة الا بوجود حكومة قوية .. قوية جدا ولها رؤية وبرنامج عمل محدد وليس مجرد أشخاص عاديون جاءت بهم الترضيات يشغلون مناصب ويتصرفون كموظفين وليس كسياسيين.
الخطأ الكبير الذي ارتكبناه بعد استقرار الأمور لتيار فبراير أننا مارسنا الاقصاء بشكل بشع وبذلك تم القضاء على الادارة الوسطى التي تسيّر أمور الدولة واحتياجات المواطن. تم استعداؤهم بدون مبرر واضطروا إما الى الانزواء أو اتخاذ موقف من تيار فبراير ومن تسلقه الذين استحوذوا على السلطة دون سابق تجربة أو تراكم خبرة سياسية أو ادارية.
والخطأ الأكبر كان اصدار قانون العزل السياسي الذي وضع جدارا سميكا بين ما يسمى بالثائر وما أطلق عليه “زلم ” قانون أقل ما يوصف به أنه قانون يزرع الفتنة بين شركاء الوطن وقد زرعها. هذا كان موقفي في المؤتمر الوطني العام عند مناقشة القانون.. وهذا كان رأي الكثيرين من زملائي ولكن نتيجة التصويت بالاكراه على القانون لم تنصف الوطن وجرته الى متاهة لها أول وولدت كل يوم اصطفافات جديدة تدافع عن حقها وتشد البلد الى الوراء ان لزم الأمر.
والخطأ الأفدح كان في استغلال الدول المتصارعة على ليبيا للهيمنة عليها بسبب الفراغ السياسي والاختلاف في التوجهات فاشترت عملاء من الليبيين تناصر رأيهم وتدعمهم بالمال والسلاح والاعلام لكي لا يفرطوا في حقوقهم أو باستعمال شماعة محاربة الارهاب !!! كلمة حق يراد بها باطل.
تحدثنا مع كافة مبعوثي وسفراء الدول ورؤساء بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. اشتكينا لهم تدخل دول اقليمية بعينها في الشأن الليبي ومناصرة طرف ضد الآخر وطلبنا كف تدخلهم في شأننا.. ربما كنا سذج .. فقد اتضح أننا كنا نشتكي للضالع في تأزيم المسألة الليبية.
شخصيا وصلت الى قناعة ويشاركني الكثيرون في أن المسألة الليبية لا تحل الا ليبيا. لكن ، وجدنا أنفسنا منقسمين ومختلفين ومتخالفين .. أكثر من اختلاف الغير في مسألتنا.
لدينا ثلاثة أجسام رئيسة موكول لها لم الشمل وتحقيق التفاهم وصناعة السلم الاجتماعي والاستقرار بالبلاد وتوفير مناخ جيد يعيش فيه المواطن في وطنه في أمان.
هذه الأجسام الثلاثة هي: مجالس النواب والدولة والرئاسي ، اثنان منهما فشلا ومجلس الدولة عاجز عن أن يفعل شيئا لأنه لم يجد الشريك الجاد لفعل ذلك بموجب نصوص الاتفاق السياسي ، ولم يتحقق أي انجاز من كل ذلك أو حتى جزء بسيط منه. اذ لا زال لدينا حكومتان.. وجيشان.. ومصرفين مركزيين.. ومؤسسات أخرى منقسمة على بعضها ومتنافسة في ايغار هذا الانقسام وتكريسه.
نعيب زماننا والعيب فينا.. نلوم غيرنا ومنا من يفسح لهم الطريق ويفتح لهم الأبواب لتمكينهم من أن يتدخلوا في الشأن الليبي مقابل منصب أو حفنة من المال الفاسد.
ما كنت أتوقع أن يكون أداء المجلس الرئاسي بهذا السوء.
وما كنت أتوقع أن يتحول مجلس النواب الى مجالس لنخب من النواب .. كل يغني على ليلاه .. وكل مشغول بمبتغاه.. والكل يتمسح بشعار الوطنية ومعاناة الناس ورفع الظلم عنهم.. والسعي لوحدة البلاد والاستقرار بها. والكل فشل ورسب عند أداء الاجابة على اسئلة امتحان استحقاق اصدار قانون للاستفتاء على مشروع الدستور.
- مجلس النواب بعد سنة من المماطلة صاغ مشروع قانون الاستفتاء .. ووجهت الدعوة لأعضائه للحضور لمناقشته ومن بعده وجهت دعوة للتصويت عليه. واستبشر الجميع خيرا.
- مجلس النواب اضطر الى ذلك تحت ضغوط أو الحاح من الخارج .. لكنه سبق هذا الضغط وكان أذكى في الخبث حيث صاغ مشروع قانون مملوء بالأخطاء والمغالطات والفخاخ. بحيث يحدث اللغط بين أعضائه عند مناقشته.. وبحيث تحدث التنازلات بين التوجهات بين أعضائه ليتم في النهاية التصويت عليه بعد أن يشعر كل توجه أنه تنازل من أجل الوطن وقبل تنازل خصمه. وتبقى بعض الفخاخ في النص المجاز لتكون قنابل تنفجر عند الدخول في تطبيق الاستفتاء.. اذ سيجد الكثيرون ضالتهم للطعن فقد وفرها القانون ببذخ شديد.
- مجلس النواب كان بامكانه مناقشة مشروع قانون الاستفتاء الذي أحاله له المجلس الأعلى للدولة وفقا لما نص عليه الاتفاق السياسي.. وهو مشروع قانون بسيط وشفاف ولا يمكن الطعن فيه. لكنه لم يفعل لغرض في نفس يعقوب.. ولم يفعل لأن القصد المبيت والنية الغير صافية كان مرتكز لجنة مجلس النواب التي صاغت مشروع قانون الاستفتاء .
- مجلس النواب أكد للجميع خلال اجتماعيه يومي 30 و31 يوليو 2018 أنه لا يريد أن يصل الى حل وأنه قادر على التعطيل والاطالة والتسويف .. انه قادر على أن يختزل كافة الصراعات التي ذكرتها في مقدمة هذا المقال في نفسه وينوب عنهم في تفكيك الدولة الليبية وانهائها. وعمت خيبة الأمل الجميع.
من أسخف ما سمعت عبر قناة فضائية عشية الجلسة الثانية لمجلس النواب حديث بعض النواب أن الاجراءات التي اتبعتها هيئة صياغة الدستور في احالة مشروع الدستور الى مجلس النواب لم تتبع الاجراءات القانونية السليمة ومنها ارفاق كشف بتوقيعات أعضائها المصوتين بالموافقة على هذا المشروع.. توقعت أن يواصلوا هذا السخف ويطلبوا تزويدهم بالوضع العسكري لكل منهم والحالة الاجتماعية وصورة من بطاقاتهم الشخصية وكتيبات عائلاتهم.. ولعلهم أجلوا هذه المطالبات بتوفير هذه المستندات الى وقت ما بعد الوقت الضائع ليأخذ كل مستند شهرا من اللغط العبثي..
نحن في خضم إعصار أزمة عاتية يصنعها مجلس انتخب ليمثل ارادة الأمة .. فاذا به يشتت الأمة ليقدم ليبيا الجغرافيا لقمة سائغة لدول اقليمية.
عارنا كبير .. وفضيحتنا بالجلاجل..
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
يا شاطر يا بهلواني …. قعدت البلاد مابين مقالب غوار الطوشي وعادل الامام … مَش احسن لو قعدوا علي اسماعيل ياسين … وتفكوا من المقالب متاعك ومتع جماعتك في الغرب والشرق