لا يحتاج إجراء الانتخابات كل هذه اللقاءات والحوارات والمقترحات، يكفي أن تتوفر الإرادة الحقيقية لدى الطبقة السياسة في مجلسي النواب والدولة، واقتناعهم بفشلهم في كل الحوارات والمفاوضات السابقة والحالية، والإيمان بضرورة المغادرة عبر الانتخابات، والاستعداد لتسهيل إجرائها والتسليم للمجلس النيابي المنتخب، فالقوانين التي نفذت بها انتخاب المؤتمر الوطني 2012، وانتخاب البرلمان 2014 مع بعض التعديلات البسيطة صالحة لإجراء انتخابات جديدة.
صحيح أن الانتخابات قد تعيد إنتاج نفس المشهد أو صورة مقاربة له، على اعتبار أن الأطراف السياسية نفسها سوف تقتحم الانتخابات، وستحرص علي حضورها في أي مجلس نيابي.
ولكن احتمال فشل هذه الأطراف في حيازة نفس التكتل ونفس القوة وارد أيضا، ومن ثم قد تتغير الخارطة السياسية، وتغلب على البرلمان الجديد روح وطنية تنأى بنفسها عن حالة التمترس الجهوي، وتؤسس لخطاب مختلف يجمع ولا يفرق، وتنطلق في قراراتها من قاعدة وطنية تنبذ المحاصصة، وتعلي من قيم الكفاءة والخبرة والجدارة.
هذا أمل لا يمكن التخلي عنه، مهما طالت التجربة، وتعددت المحاولات، وتكرر الفشل، فالكيانات الحالية الحاكمة بفرض الأمر الواقع ليست قدرا يتعذر الفكاك منه، وليس بالضرورة أن يكون الحل عبرها وبواسطتها.
لا إرادة لإجراء انتخابات إذا. لذلك فإن الفشل هو مصير الحوار الجاري هذه الأسابيع في القاهرة، إذ لاتوجد أرضية مشتركة للتفاوض، أعضاء مجلس الدولة يريدون الاتفاق على قاعدة دستورية مؤقتة وقانون للانتخابات، بينما يسعى أعضاء البرلمان إلى بحث ما يسمونه البنود الخلافية في مسودة الدستور.
تحريك المفاوضات لمصلحة البرلمان دفع معسكر عقيلة وحفتر وباشاغا، إلى محاولة وصول حكومة باشاغا إلى طرابلس، والإقامة في أي ركن بها، فهذه الخطوة ستعزز موقف البرلمان التفاوضي، وتدفع أعضاء مجلس الدولة إلى قبول تغيير أجندة التفاوض، من مسار الدستور والانتخابات إلى موضوع حكومة باشاغا، وطرح إمكانية تعديلها وتقليصها، ومنح بعض حقائبها لخصومها حتى تصبح مقبولة، وبالتالي تلين المواقف الوافضة لها، فضلا فائدتها لعدة أطراف.
فالحصول على موطئ قدم في طرابلس بالنسبة لباشاغا، هو الخطوة الحاسمة لاستمالة بعض المجموعات المسلحة، وكسب تأييدها أو تحييدها على الأقل، حتى يقلص من نفوذ حكومة الوحدة الوطنية، ويجبر رئيسها على التسليم طوعا. أما مصر فهي تنتظر من هذه الخطوة مضاعفة نفوذها في طرابلس والمنطقة الغربية في موازاة النفوذ التركي، المستشارة ستيفاني والسفير الأمريكي لن يرفضا هذه الخطوة، بشرط أن لا تتسبب في اندلاع اشتباكات مسلحة، تهدد حالة السلم الهش. واستثمار زيادة التأزم فيما بعد، بالمزيد من الضغط على كل الأطراف، لحسم نزاع الشرعية وصراع الحكومتين بالانتخابات.
بينما سيكون من دواعي سرور معسكر عقيلة وحفتر اندلاع نزاع مسلح في طرابلس، لأنه سيخفف الكثير من الضغط الواقع عليهما، فالمشكلة لم تعد في مواقفهما المتصلبة، وإنما في الخلافات العميقة بالمنطقة الغربية، لن يتمكن أي طرف من حسم الصراع لمصلحته بسبب حالة التوازن القائمة، ومن ثم سيصبح إنهاء النزاع المسلح هو الهدف، ليبدأ ماراثون حوار سياسي جديد، وتركل كرة الانتخابات بعيدا. وهذا السيناريو تسعى الدول الغربية إلى تجنبه بأي ثمن.
إخفاق دخول حكومة باشاغا إلى العاصمة سينعكس حتما على مفاوضات القاهرة التي تم تعليقها إلى مابعد عيد الفطر من دون أي أمل في تحقيقها لأي نجاح، وإذا لم تتخذ القوى الخارجية الفاعلة إجراءات حازمة بعيدا عن مجلسي النواب والدولة، فلن يقع أي تغيير في مشهد الأزمة المتكرر بشكل دوري.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً