في لقاء مطول دام ساعة ونصف تم خلال اليومين الماضيين جمعني بمسؤولين اثنين بالمكتب السياسي ببعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تناقشنا في ما آل اليه المشهد السياسي في ظل أحداث الاقتتال الجارية في جنوب طرابلس وما نتج عنها من سقوط أبرياء مدنيين بين قتيل وجريج فضلا عن الأضرار التي لحقت بمباني الأهالي ومصادر رزقهم واستثماراتهم وحالة الرعب التي سادت سكان المنطقة التي شهدت النزاع المسلح وتداعياتها على سكان العاصمة بصورة عامة.
أنحيت باللائمة على البعثة الأممية في أنها ساهمت الى حد كبير في استمرار تدحرج كرة الثلج وتعاظمها طيلة السنوات الماضية بسبب مواقفها الباهتة وعدم استعمال صلاحياتها للحد من تدحرجها .. بل انها ساهمت بشكل مؤثر في عرقلة الحل وفق الاتفاق بين المتنازعين الرئيسيين الذي لاح في الأفق في اجتماعات تونس بين وفدي مجلس الدولة والنواب . حيث عمدت البعثة على اهمال خيارات الحلول التي توصلا اليها وقدمت مقترحا انحازت فيه الى طرف مجلس النواب وأعطته أكثر مما طلب.. ومن ثم أغلقت باب قاعة الاجتماعات وصرفت النظر عن مواصلة الحوار بين المتنازعين واتجهت بقوة لتكريس مقترحات قصر الاليزيه التي لم يوقع عليها الأطراف الليبية التي حضرت لقاء باريس.
قبلها أدار مجلس الأمن ظهره لحكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا عام 2014 بابطال قانون انتخاب مجلس النواب وبذلك خلق مجلس الأمن حالة تمرد على القضاء الليبي وأحكامه ..سابقة دولية خطيرة يتحجج بها الكثيرون لتعطيل أحكام القضاء وهذا تعدي على سلطة قضائية من جهة أممية يفترض أنها تحترم القضاء وتكرسه وتعطيه هيبته مهما كانت أحكامه.
ستة مبعوثين أمميين وسبع سنوات من الأخذ والرد والبعثة الأممية تدور في حلقة مفرغة وتساهم بشكل مباشر ومؤثر في اطالة أمد الصراعات.
كنت واضحا وصريحا في حديثي معهما ولم التجئ الى الخطاب الدبلوماسي وانما وجهت اتهامي لمجلس الأمن والبعثة الأممية مباشرة وبصريح العبارات بأنهما السبب الرئيس في تعقيد المشهد السياسي وما تعانيه ليبيا من مخاطر.
قلت لهما أن مجلس الأمن تحمس لمساعدة انتفاضة فبراير وعن طريق حلف الناتو وبمساعدته تحقق للانتفاضة الانتصار بحجة حماية المدنيين ثم تركت ليبيا لتواجه الفراغ السياسي وفوضى المجهول . اعترف بذلك اوباما وكاميرون وساركوزي وأمين عام الناتو .. قالوا أنهم أخطأوا في أنهم لم يساعدوا الليبيين على لملمة ركام الدولة التي أسقطت ليعاد بناؤها على أسس صحيحة.
الآن على مجلس الأمن أن يصحح الخطأ الذي ارتكبه في حق ليبيا والليبيين ولم نعد في حاجة الى بيانات التنديد والتحذير التي تواصل البعثة الأممية اصدارها كلما حدث حدث جلل سواء أكان اقتتالا أو اعتداء على المنشآت النفطية والمؤسسات المالية أو الاستئثار بعقود العمل والاعتمادات المستندية أو تعطيل قيام مؤسسات الدولة. البيانات لم تردع المعتدين والخارجين على القانون والمبتزين للدولة وانما شجعتهم على ارتكاب المزيد من أعمالهم.
الاتفاق السياسي الذي وقع في الصخيرات كان يمثل طوق النجاة .. أنجزته البعثة الأممية وهي التي عطلته واغتالته.
تعامل البعثة الأممية مع الأجسام الثلاثة التي أنشأها الاتفاق السياسي لم يكن تعاملا متاوزيا وصادقا يساعد على انجاح تطبيقه.
البعثة انحازت للمجلس الرئاسي وجرّت المجتمع الدولي معها في هذا الانحياز وأصبح المجلس الرئاسي هو العراب وهو الأساس وهو الوتد. في حين أن المجلس الرئاسي مكلف من مجلس الدولة ومجلس النواب لتصريف أمور الدولة كجسم تنفيذي تحت اشرافهما وسلطتهما وعليه أن يأتمر بقراراتهما والاستشارة التي يقدمانه له.
المجلس الرئاسي استمرأ الوضع وعجبته الأوضاع وأصبح هو ( الفاطق الناطق ) وهو الذي لا يملك قوة على الأرض يحسم بها الأمور ولا يملك لسانا مفوها ومقنعا ينطق به.
مجلس النواب مرتبك بين الاعتراف بالاتفاق السياسي كمرجعية أحيانا وبين التحجج بأنه لم يضمنه في الاعلان الدستوري أحيانا أخرى. ولم يدرك هذا المجلس أنه تسبب في خلق فراغ تشريعي كبير استغله المجلس الرئاسي ليستأثر بالمشهد ويتصرف في مال الدولة دون رقيب أو حسيب.
مجلس الدولة ألصقت به صفة المجلس الاستشاري الأعلى ولم يتم مراعاة السلطات التشريعية المشتركة بينه وبين مجلس النواب وفق نصوص الاتفاق السياسي.
خلاصة القول أن المؤسسات الثلاث التي أنشأها الاتفاق كان يمكن لو تعاونت فيما بينها أن تصل بالبلد الى بر الأمان. ولكن..
- بعض هذه المؤسسات تدار بعقلية فردية من قبل من يرأسها ويترأس عليها.. وهذه العقلية تُشتّت أي مسعى للأغلبية وتمنع وصولهم الى اتفاق.
ليبيا اليوم تدار من قبل أفراد معدودين على أصابع اليدين .. وهم الحل والربط.. وهم لا يريدون الوصول لحل لأن بقاءهم في استمرار الأزمة وتوالدها الى أزمات. وما لم يتم استبعادهم من المشهد فان الوضع سيستمر في التأزم لأنهم أسباب التأزيم وهم وحدهم من يستفيد.
وبعثة الأمم المتحدة تقوم بزيارات مكوكية لهذه الشخصيات دون أن تنبههم بالعين الحمراء أن ما يفعلونه خطأ وخطر ومن ضمن محضورات مجلس الأمن. بمعنى أن ما يصدر من بيانات وتغريدات عن هذه الاجتماعات توحي بالاتفاق على الوصول لحلول.. ونلتفت يمينا وشمالا فلا نرى الا التأزم في كل الأمور..
- باسم المؤسسة الأمنية والجيش الوطني يتم تأزيم الحالة في ليبيا والتدخل في الشأن السياسي.
- وباسم شرعية مجلس النواب المنتخب من الشعب يتم ايذاء الشعب الذي انتخبهم.
- وباسم المحافظة على وحدة البلاد يتنازل مجلس الدولة ولا يضع سقفا أو أرضية لهذا التنازل.
- وباسم السلطة التنفيذية يمارس الرئاسي سلطات تقديم الخدمات للمواطنين فيعقّد حياتهم ويحيلها الى جحيم.
قلت لهما ليبيا تدار من أفراد وليس مؤسسات ..البعثة الأممية هي التي أفشلت المؤسسات لأنها تمالئ وتجامل الأفراد على حساب مأسسة الدولة.. ولم تسع الى التنبيه الى أن رأي الأغلبية في هذه المؤسسات هو الذي ينبغي أن يسود أينما اجتمعوا وليس تحت قبة برلمان مقره فندق ليس فيه قبة .. ويقف على بابه رجل متخلف يتحكم في انعقاد جلساته من عدمها ولا يوجد شرطي واحد يمنعه من هذيانه.
قلت لهما أن مجلس الأمن وضع ليبيا تحت الفصل السابع وفي الفصل السابع صلاحيات كبيرة وواسعة اذا صدقت نية البعثة في ايجاد حل فهناك عشرات الحلول التي قدمت لها ولكنها تتجاهلها لتدخلنا في سيناريوهات ومبادرات وحلول دول أخرى قد لا تدرك تفاصيل الواقع ولعلها تدركه وترى فيه مناسبة لشراء عملاء لها للهيمنة عليها. لقد أصبحت قضيتنا قضية دول تتصارع فيما بينها.. وغيّب الليبيون الا من ترضى عليهم البعثة الأممية وسعادة السفراء الأجانب الفاعلين الاستماع اليهم.
قلت لهما أن مجلس الأمن الذي اتخذ قرارا عام 2011 لحماية المدنيين.. لم يواصل مهمة حمايتهم حتى 2018 وبذلك فقد تخلى هذا المجلس عن مسؤولياته في حماية المدنيين بل وأضر بهم أشد الضرر وهو مسؤول مسؤولية مباشرة عما يجري في ليبيا ولها لأنه لم يقم بأداء واجبه والمهمة الموكولة اليه على مستوى عال من الصدق والشفافية .. وعليه أن يُصلح الخطأ الكبير الذي ارتكبه في حق ليبيا والا فليرفع يديه ويدعنا وشأننا.. ما فينا .. يكفينا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
خلاصة القول أن المؤسسات الثلاث التي أنشأها الاتفاق كان يمكن لو تعاونت فيما بينها أن تصل بالبلد الى بر الأمان. ولكن……. كيف …. كيف يا شاطر هل قمت بالنظر للمرآه قبل كتابة المقال ؟
ان لم تستحي فقل ما شيت…بس طلعت مش شاطر
يتصور الاخ الكاتب أن البهلوانية التي مارسها المؤتمر في لوي الطريق أمام تسليمه السلطة وقطع الطريق أمام البرلمان وقرار المحكمة التي لو كان قرارها لا غبار عليه لكان من المفروض لزاما الغاء الانتخابات واجراء انتخابات جديدة وذلك لم يقع ، وسلوك طريق الصخيرات بحيث الكل يبقى في وظائفه الغنية يعطي ثقة بافتراض صحة الوضع الذي انتجه الطريق الملتوي. أخي الكاتب وصديقي أنت تتحدث من موقعك في نتائج الطريق الملتوي وتحت تأثيره.