السفه هو قلة الحيلة وعدم القدرة على تدبر الأمور وحسن تسييرها وإدارتها وبيت القصيد هنا هو كثرة السفهاء في بلادنا وقد يتبادر إلى القارئ أن المقصود هنا فئة معينة من المجتمع ولكن المقصود هنا هو كافة المجتمع حيث يتوزع السفه والسفهاء بمقدار توزع المسئولية وتأثيرها في المجتمع فمن يقود شركة أو مؤسسة غير الذي يتولّى وزارة وما في نحوها فمثلا رئيس المؤسسة السفيه سيصيب سفهه كثير من موظفي تلك المؤسسة كما سيصيب المؤسسة بالكامل ويظهر ذلك في انعدام النظام وقلة الإنتاج وفقد حقوق العاملين فشلا في كل ما يتعلق بالمؤسسة وهذا ما أصابنا ويصيبنا من السفهاء في كل وقت وحين؟.
يشعر الإنسان أن السفه يحيط بنا من كل جانب فلكثرة السفهاء في مجتمعاتنا أصبحنا ضحية لسفه السفهاء من فوقنا وعن أيماننا وشمائلنا وحتى من تحتنا وكأن شرر السفهاء يتطاير مثل الأشعة يحاصرنا أينما توجهت أبصارنا فيالها من مصيبة، ترى شرر السفهاء يطاردنا في جامعاتنا وفي شوارعنا وعند قيادة سياراتنا وفي ومؤسساتنا ومدارسنا في أسواقنا وفي إذاعاتنا المسموعة والمرئية وفي التدافع على الصف الأول في دور عبادتنا فماذا بعد؟!.
يتفنن السفهاء في إضاعة وقتنا وتعطيل أعمالنا وقضاء حوائجنا ولا أبالغ إذا قلت أن أغلبنا صاروا سفهاء من حيث ندري أو لا ندري فقد يتصرف أحدنا بطريقة تظهر ضعف العقل وانعدام وانحطاط الأخلاق وهذا جانب من السفه الذي نواجهه كل يوم في شوارعنا وأعمالنا، وحين يُضيّع السفيه وقتك وجهدك ويحاول استفزازك بسلوكه وكلامه المشين لا تعره اهتماما بل قابله بابتسامة عريضة مفادها أنك تبتسم من جهله لأنه لا يفهم معنى سلوكه الذي يقوم به وأن قدرته العقلية على التفكير السليم محدودة جدا ناهيك عن قدرته الوظيفية التي قد تكون معدومة ويحاول إخفائها وهو لا يدري أنه بجهله يظهرها للآخرين الذين لا يريدون الخوض مع سفيه في حديث لا فائدة منه عملا بقول الإمام الشافعي رحمه الله: يخاطبني السفيهُ بكلِّ عيبٍ *** فأكرهُ أن أكونَ لهُ مُجيبا … يزيدُ سفاهةً فأزيدُ حِلْمًا *** كعودٍ زادَهُ الإحراقُ طيبا!!! فهذا هو الرد المثالي على السفهاء ليعلم هؤلاء أن الإنسان السوي لديه مصنع قادرٌ على تحويل سفاهتهم إلى منتج آخر قوامه الصبر والضحك على سفاهتهم.
لا شك أن الصبر على السفهاء ليس سهلا خاصة أثناء الوقت الذي تحاور فيه نفسك فتقول لك يجب أن تخبر هؤلاء وتحدثهم عن سفاهتهم لأنهم يعتقدون أنك لا تفهم ويكررون السفاهة مع محاولة الاستفزاز فلا تركن لنفسك وتستسلم لسفاهتهم لأنهم يريدونك سفيها مثلهم فالاضطراب في الرأي والفكر والأخلاق والجهل والطيش والفساد هو مذهبهم، وقد أعجبني في وصف السفيه ما قاله الكفويّ وهو أن السفيه: “ظاهر الجهل، عديم العقل، خفيف اللّبّ، ضعيف الرّأي، رديء الفهم، مستخفّ القدر، سريع الذّنب، حقير النّفس، مخدوع الشّيطان، أسير الطّغيان، دائم العصيان، ملازم الكفران، لا يبالي بما كان ، ولا بما هو كائن أو سوف يكون”.
وحين سئل الرسول صلى الله عليه وسلم مَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ؟ وما الذي يحدث في بلادنا إلا حكم السفهاء ففي كل مؤسسات الدولة عدّد منها ما شئت لا أبالغ إذا قلت إن أغلب من يتقلد المناصب الآن هم سفهاء المجتمع وصعاليكه مع استثناءٍ ربما بسيط لفئة قادرة مخلصة وهي مكبلة من قبل هؤلاء السفهاء. ومن الطبيعي أن علاقة السفيه بالعاقل علاقة طرد فالسفيه لا يطيق وجود عاقل في مؤسسة أو وزارة أو دولة يقودها لأن السفيه ضعيف العقل قليل المعرفة، وكبرهان على ذلك أنظر إلى واقع دولنا ومؤسساتنا وكما يقول العرب إن الطيور على أشكالها تقع فالقائد السفيه أو الوزير أو المدير السفيه يبحث ويحب السفهاء والجهلة أمثاله وهؤلاء هم في الغالب من يتصدر مشهدنا السياسي والاجتماعي وهم من أضعف البلاد وأغرقها في الوحل الذي هي فيه.
عادة ما يصل السفيه إلى منصبه بطريقة غير شرعية فهو لا يملك من القدرات ما يؤهله لتقلد أي منصب في الدولة وبالتالي حين يتقلد منصبا يتعامل مع الآخرين كرئيس عصابة وليس كمدير أو وزير أو رئيس دولة فيغيب صوت العقل والحكمة حين يتولى السفهاء القيادة ويحل محله صوت القوة والبطش ويسود الصمت والخوف المشهد كله وعلى المواطن أن يحني رأسه لينال حقه فالقريب منهم هو من أغمض عينه وصم أذنه وغاب عقله ونفّذ ما أُمر به دون تفكّر ولا تدبُّر وهذه هي أوطاننا.
والغريب أن كثيرا منا شرب وتربى على طاعة الصعاليك والسفهاء بحجج واهية يُسوّقون لها مستخدمين جميع الوسائل والسبل مستغلين جهل العامة، أما أنا إذا ضاق بك الحال مع السفهاء أتذكر قول الشافعي رحمه الله: قالوا سكتَّ وقد خوصِمْتَ قلتُ لهم *** إن الجوابَ لبابِ الشرِّ مفتاحُ … والصمتُ عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ *** وفيهِ أيضًا لصونِ العِرضِ إصلاحُ… أما ترى الأُسْدَ تُخشى وهيَ صامتَةٌ *** والكلبُ يخسى لَعَمْري وهو نبَّـــاحُ.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً