لماذا المبادرة؟
لعل من أهم أسباب تقديم هذه المبادرة الآتي:
أولا: الشفافية
السبب الأول لتقديم هذه المبادرة هو غياب الشفافية والتعتيم شبه الكامل على كيفية صدور هذا المشروع! وكيف تم التصويت عليه في آخر جلسة (رقم 74)، وكيف تم تمريره بأساليب غير شفافة، فبالرغم من أن اللائحة الداخلية (الأصلية) اشترطت ضرورة مناقشة الهيئة مجتمعة مواد المشروع “مادة مادة”، إلا أن مجموعة من الأعضاء اقترحوا تعديل هذا الشرط! وبعد نقاش طويل استطاعوا إضافة مادة جديدة تحت رقم 60 (مكرر) تنص على “أن يكون التداول والتصويت على مشروع الدستور بابا بابا”، ولكن الغريب أكثر أن هؤلاء الأعضاء عندما شعروا بعدم مقدرتهم على تمرير المشروع وفقاً للتعديل الجديد، حاولوا (مرة أخرى)، تعديله بحيث يصبح التصويت على المشروع “حزمة واحدة” ليس “باب باب”، إلا أن محاولتهم – هذه المرة – تم رفضها ولم يتحصلوا على أغلبية (الثلثين + 1)، وبذلك بقي شرط التصويت والتداول على أساس “بابا بابا”، بالرغم من كل ذلك أصروا على عقد الجلسة رقم 74، بعد الظهر يوم 29 يوليو 2017، دون جدول أعمال! ولا إبلاغ كل الأعضاء! ولم تستمر إلا حوالي 40 دقيقة! صوتوا فيها على المشروع “حزمة واحدة”، خلافا للائحة الداخلية ودون قراءته كاملاً! وأعلنوا بذلك النصر واعتمدوا مشروعهم! وعليه لابد من إعادة النظر في هذا المشروع المُعيب لمناقشة القضايا الخلافية فيه، ولابد أن يكون ذلك في شفافية كاملة لمعرفة مُحتوياته وعيوبه قبل الاستفتاء عليه.
ثانيا: الاستفتاء
أما السبب الثاني لتقديم هذه المبادرة هو ضرورة الالتزام بكل المتطلبات الأساسية والضرورية لعملية الاستفتاء على المشروع، بمعنى لابد أن يعي الجميع أن عملية طرح المشروع للاستفتاء ليست مجرد أن تحدد يوما وتطلب من المشاركين أن يقولوا “نعم” أو “لا” حول مشروع لم يساهموا في أفكارة، ولم يشاركوا في كتابته، وبعضهم لم تتح له الفرصة حتى لقراءته، فهل يُعقل أن يُطلب من مواطن بسيط أن يصوت بـ”نعم” على مشروع دون أن يقرأه ولا يعرف مُحتواه.
ثالثا: الاستغلال
أما السبب الثالث لتقديم هذه المبادرة هو عدم السماح للسياسيين أو الحزبيين أو أي قوى أخرى في المجتمع استغلال مُعاناة الشعب – أي استغلال الصعوبات الاقتصادية والمالية والصحية التي يعيشها شعبنا هذه الأيام – من أجل تمرير مشروع مَعيب أو تحقيق أجندات شخصية أو حزبية أو جهوية أو عرقية، فعلى الجميع أن يعي أن الوثيقة الدستورية – في حد ذاتها – لا ولن تحل أزمات المواطن المعيشية التي يعيشها، ولا ولن تُخلصه من الفساد والمفسدين، ولا ولن تحميه من عسكرة الدولة.
رابعا: التسيس
أما السبب الرابع والآخير، لتقديم هذه المبادرة هو التزام الجميع بعدم الزج بالقضية الدستورية في المعترك السياسي، مهما كانت الظروف أو الأسباب، وعلى الجميع أن يعي أن استغلال أي قوى سياسية للعملية الدستورية والعمل على تسيسها، لن يقود إلا لتشويهها وإفشالها وربما – لا سامح الله – إلى إجهاض عملية بناء الدولة الحديثة التي يحلم بها الجميع.
ما هو الحل؟
الحل يكمن في ثلاث خطوات متتالية، يمكن إنجازها في مدة لا تتجاوز ستين (60) يوما من تاريخ انعقاد الاجتماع الأول للجنة، وفي اعتقادي المتواضع، أن الالتزام بهذه الخطوات سيؤدي حتماً إلى التوافق حول مشروع الدستور، وتحقيق نتائج يقبل بها الجميع، وهذه الخطوات هي:
الخطوة الأولى: الإحالة
بمعنى إحالة الإشكاليات إلى لجنة تحكيم وطنية ومُحايدة.
أ. تشكيل لجنة من شخصيات وطنية مستقلة وغير جدلية.
ب. تتكون اللجنة من خمسة عشر (15) عضوا، يختار كل إقليم من الأقاليم التاريخية الثلاث خمسة أعضاء كممثلين له.
جـ. يحق لكل إقليم أن يعترض على (ما لا يزيد عن) عضوين من ممثلي الأقاليم الأخرى.
د. يتم اختيار أعضاء اللجنة – أما عن طريق ممثلي الأقاليم الثلاث في الهيئة التأسيسية، أو عن طريق المجالس البلدية ومجالس الحكماء والأعيان في كل إقليم.
هـ. عمل اللجنة ينحصرا في الآتي:
1. حصر المواد الخلافية التي يعترض عليها أعضاء الهيئة المعارضين للمشروع، في مدة لا تزيد عن سبعة (7) أيام من تاريخ اختيار اللجنة.
2. اعتبار المواد التي لم يعترض عليها أحد، مواد توافقية يتم تضمينها للمشروع الذي سيُعرض على الشعب للاستفتاء عليه.
3. الاستماع لكل الأطراف – المؤيدين والمعارضين – في جلسات مفتوحة ومنقولة على الهواء.
4. يحدد وقت للنقاش، على أن تُخصص ساعة لنقاش كل إشكالية، ويُقسم الوقت بالتساوي بين الطرفين.
5. يكون النقاش علني ويتم نقله على محطات الراديو والقنوات الفضائية، ليعرف المواطن البسيط القضايا الخلافية في المشروع والحلول المطروحة لحلها.
6. بعد الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، تقوم اللجنة بالفصل في هذه المواد الخلافية، ويجب أن تتخد قراراتها بالتوافق، وفي حالة عدم التوافق، يتم اتخاد القرار بأغلبية الثلتين زائد واحد (أي بأغلبية 10 + 1) من مجموع أعضاء اللجنة.
7. يعتبر حكم اللجنة نهائيا ومُلزما لجميع الأطراف، ويعتبر حلاً توافقياً للإشكاليات، وتتم إضافة المواد التي اتفق عليها الأعضاء إلى بقية المواد المتوافق عليها في المشروع.
الخطوة الثانية: الرجوع
بمعنى الرجوع فيما يتعلق بالإشكاليات المُتبقية لما نص عليه دستور 1951م بعد الانتهاء من الخطوة الأولى، يتم الرجوع، فيما يتعلق بالإشكاليات المُتبقية، إلى ما نص عليه دستور1951م، واعتبار ما ورد فيه الحل التوافقي والنهائي لهذه الإشكاليات وتتم إضافة المواد المتوافق عليها إلى مشروع الدستور.
الخطوة الثالثة: الترحيل
بمعنى يترك الأمر للشعب لاختيار الأنسب من المقترحات المتبقية في حالة عدم مقدرة أعضاء اللجنة على الوصول إلى توافق حول ما تبقي من إشكاليات، وعدم وجود حلول توفيقية لها في دستور1951، يتم أخذها إلى الشعب للاستفتاء عليها، واختيار الأصلح من بين الحلول المعروضة خلال عملية الاستفتاء، أو أن يتم التوافق على ترحيل ما تبقى من إشكاليات لمرحلة مستقبلية قادمة بعد الاستفتاء على المشروع.
الخلاصـة
أنا على يقين، بأن هذه الخطوات الثلاث ستمكن الشعب من حل الإشكاليات الجوهرية العالقة في مشروع الدستور، في مدة لا تتجاوز ستين (60) يوما من تاريخ انعقاد الاجتماع الأول للجنة، وسيتم إنجاز دستور توافقي في أسرع وقت ممكن.
وعليه، أطلب من كل المواطنين الشرفاء، والنخب الوطنية، مناقشة هذا المقترح لإنقاذ شعبنا الحبيب من هذا الوضع المُزري الذي يعيشه هذه الأيام، لأن عدم القيام بذلك سيقود إلى المزيد من تقسيم المقسم، وخلط المخلوط، وتكريس الجهوية والقبلية والعرقية والمحاصصة المقيتة، وسيكون المعول، لا سامح الله، الذي سيقضي على حُلم الشعب في أن يكون له دولة حديثة ومتقدمة ويعيش في أمن وأمان.. ادعو الله أن يتحقق ذلك في أسرع وقت.
والله المستعان.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً