أول من طرح خيار الحكومة الثالثة للخروج من مأزق الحكومتين، هو رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، خلال حوار معه علي شاشة ليبيا الأحرار، بعد ذلك تبنى عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي هذا الخيار، وبدأ في التسويق له، ومناقشته مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح. طرح السيد اللافي نفسه كرئيس للحكومة الثالثة، على أن يتشكل مجلس رئاسي جديد يترأسه عقيلة صالح، حسب ما تناقلت بعض وسائل الإعلام، ثم تراجع اللافي عن تقديم نفسه لرئاسة الحكومة، وقدم شخصية أخرى وشرع في التسويق لها.
عقب زيارة عقيلة صالح وعبدالله اللافي لتركيا الأسبوع الماضي، ولقائهما بالرئيس التركي أردوغان، دون اللافي على صفحته بفيس بوك: “تناولنا العلاقات بين البلدين، والتطورات السياسية في ليبيا، وجهات النظر اتفقت على الحفاظ على وحدة التراب الليبي، والإسراع في إجراء العملية الانتخابية عبر التشريعات اللازمة والمتفق عليها عبر حكومة واحدة قوية”. ولا نعرف من أين ستستمد هذه الحكومة القوة التي أشار إليها اللافي في بيانه. فالقوة تملكها الأطراف المسلحة القوية، وهذه لن تمنح الحكومة أي مباركة أو تأييد إلا إذا حازت نصيبا فيها، ولن يوافق عليها مجلس الدولة، ولن يمنحها مجلس النواب الثقة إلا إذا ضمنوا فيها حصتهم، أو قرعتهم بمفهوم النائب عن بنغازي الدرسي، ومن ثم فلن تختلف هذه الحكومة عما سبقها، ولن تقدم شيئا جديدا ومختلفا. فالحبل يدور على نفس الجرار.
بعد أقل من ساعة في اللقاء الذي جمعهما مع الرئيس التركي، طلب عقيلة صالح من اللافي المغادرة، لأنه يرغب في مناقشة بعض القضايا مع الرئيس على انفراد! وكانت هذه رغبة الرئيس التركي أيضا، واستجاب اللافي وغادر، رغم أنه عضو مجلس رئاسي وهو المخول بروتوكوليا بلقاء نظرائه من الرؤساء ونوابهم، أما نظراء صالح هم رؤساء المجالس النيابية، ومن في حكمهم، ومن ثم لا يستقيم طلبه من عضو المجلس الرئاسي المغادرة، لكننا لا نستغرق في الاستغراب، لأننا في مرحلة مضطربة تقودها شخصيات لم تتبوأها بفضل جدارتها وقدراتها وإمكانياتها، وإنما بسبب المحاصصة والتسويات السياسية، أو بالمصادفة.
من المنطقي أن يعرض عقيلة صالح على الرئيس التركي في اللقاء الخاص بينهما، مصادقة مجلس النواب على مذكرتي التفاهم المبرمة مع حكومة الوفاق السابقة، مقابل دعم تركيا لحكومة باشاغا، ليحصل مجلس النواب على داعم دولي مهم، يعزز من مكانته داخل المعادلة السياسية الليبية، ويفرض الحكومة التي شكلها رغم ما صاحب تشكيلها من جدل سياسي وقانوني، وسيكون العرض محل اهتمام من الجانب التركي، لأن اتفاقية الحدود البحرية مع ليبيا، هي الحجة الرئيسية لتركيا في المنطقة الاقتصادية بشرق المتوسط. غير أن سياق الأحداث التالية يشير إلى تريث تركي في قبول العرض، والشروع في العمل على وضعه موضع التنفيذ، فموافقة مصر شرط أساسي قبل أن يصادق عقيلة ونوابه على مذكرتي التفاهم، وترقيتها إلى مستوى الاتفاقية، ولهذا تحول عقيلة إلى مصر عقب عودته من تركيا مؤملا إقناعهم، لضمان حصول دعم تركيا لحكومة باشاغا، وبالنظر إلى الوتيرة البطيئة والمتعسرة التي يسير بها الحوار التركي المصري، وتحالف مصر المبكر مع اليونان وقبرص، وتقديمهم لخريطة مختلفة للحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية، لا يرجح قبول مصر بمقترح عقيلة صالح، ومن ثم لن يحدث تغيرا في الموقف التركي تجاه الصراع على السلطة التنفيذية في ليبيا.
وبما أن هذه الحراك حول الحكومة الثالثة يقوده ويروج له عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي فالسؤال المهم هنا. ماهو موقف المجلس الرئاسي مجتمعا من هذا الحراك؟ هل هو موافق ضمنا على هذا الحراك وينتظر نتائجه، فإذا جاءت وفق المأمول سيباركه وإن كانت مختلفة سيتنصل منها؟.
طرح هذه السؤال مشروع لسببين. الأول هو أن المجلس الرئاسي جاء مع حكومة الوحدة الوطنية في عقد واحد، في ملتقى تونس/ جنيف، وبالتالي لا تغيير إلا برحيلهما معا، وتأسيس البديل عبر الانتخابات أو ملتقى سياسي جديد، والآخر هو أن انخراط المجلس الرئاسي في جدل تغيير الحكومات، مخالف لرغبة غالبية الشعب، الذي يطالب بالتغيير عبر الانتخابات لإنهاء المراحل الانتقالية، وينتظر أن ينحاز المجلس الرئاسي لمطالب الشعب وينهض بهذه المهمة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً