صحيح السياسية لا تحكمها مبادئي بقدر ما تحركها مصالح. وما حدث في الآونة الأخيرة في ليبيا مدعاة للانزلاق في متاهات التشكيك بل والاتهام والتخوين. أرتأى الكاتب أن ينتظر قبل قراءة مجريات الأحداث على المسرح الليبي المعقدة، والتي يسهم فيها المتصدرين للمشهد في ليبيا بشكل ثانوي ويلعب فيه المتصارعين الدوليين الدور الأكبر. لا ننسى أن الضبابية التي تعيق المشاهد الليبي لها أسبابها وما يزيد الصورة تشويشاً تصل إلى غياب الصورة الكثير مما يحدث على المسرح الليبي يتحكم فيه الدوليين من خلف الكواليس.
أسباب تشويش الصورة:
كما أسلفنا حركة السياسة على المسرح الليبي لا تخضع لقواعد مهنية في السياسة والتي أساسها سيادة القرار، وهنا يصعب علينا أن نصدق كلام أي مسؤول ليبي بأن قراراته بشأن ما يتعلق باهتمامات المنتظم الدولي، والذي لا يهمه الشعب الليبي، بقدر ما يهمه: الموقع الجيوسياسي لليبيا وما بها من موارد طبيعية وخاصة النفط والغاز، الذي ارتفعت أسعاره نتيجة الحرب الأوكرانية والضغط الروسي. وهنا السؤال من عزل السيد مصطفى صنع الله؟.
قرارات النفط والحرب والمنتظم الدولي:
كما هو ملاحظ أن الأزمة في ليبيا مصطنعة، والإبقاء على الأجسام التشريعية، منتهية الصلاحية والمساهمة في صانعة الأزمة أكبر دليل. وبالرغم من أن الجسمين المنتخبين لما يرتقيا بمسؤوليتهما تجاه الشعب الليبي وانصب اهتمامهما على مصالحهما الشخصية وتمديدها إلى أقصى حد ممكن إلا أن استخدامهما، والمحافظ عليهما، من قبل المجتمع الدولي واضحة للعيان.
الحرب والمنتظم الدولي:
مع أن السبب المباشر في حرب 2011 عنجهية الدكتاتور معمر القذافي إلا أن المنتظم الدولي لعب أدواراً مهمة في تأجيجها، مع الانحياز لأحرار فبراير العُزل في البداية، إلا أنه مع نزوله على الأرض الليبية قام بتنفيذ خطط الحرب تارة بإشعالها وأخرى بإطفائها ولعب الأعلام المظلل في التوجيه إضافة إلى عاطفة المنتفضين ضد الدكتاتورية والمتطلعين للحرية. نعم استلم المجتمع الدولي قيادة التخطيط وتركة أدوات التنفيذ لإدارتها عن بعد أو بالأحرى بشكل غير مباشر مع استدعاء واستغلال وتوظيف التنوع الليبي، عرقياً ولغويا ومذهبياً، وخاصة التوجهات الدينية بما فيها السلفية المدخلية الدخيلة والممولة من السعودية، والأنكى من ذلك تقسيم جائر للشعب الليبي: ثوار وأزلام، أحرار وعبيد مما زاد في الهوة وساعد على اشعال الحروب والمناوشات الحربية من حين لأخر.
وتأتي الحرب الأخيرة في 4/4/2019 عندما تعقدت مصالح المنتظم الدولي وتداخلت وطفحت ما بعد النفعية الأمريكية لدرجة التوافق مع عدوتها روسيا، لوقف التمدد الصيني بأفريقيا، واتفاقها معها على دعم غزو الداعشي حفتر لطرابلس. وعندما صمد أحرار ليبيا وأوقفوا هجوم مجرم الحرب ومرتزقته، وبدعم 7 دول: مصر، والأمارات، والسعودية، والأردن، وفرنسا وروسيا وأمريكا. تبدل تكتيك أمريكا وخاصة بعد تمادي الروس وتوسعه في ليبيا ومالي فكان فتح المجال أمام الضابط التركي الذي وجد مصلحته في الاتفاقية البحرية، المستهدفة قبل 2011، وأمنها بالاتفاقية العسكرية، وعندما وصلت مرتزقة حفتر إلى سرت كان الخط الأحمر المرسوم من دول مجلس الأمن المشاركة في الحرب وليس السيد سيسي كما يدعي.
اليوم وبالرغم من أن الشعب الليبي الحر يرفض قبول أي تهاون مع المشاركين في غزو العاصمة، ولكن هيهات أن يجد أذان لمطالبه، فالقرار الحربي عند دول مجلس الأمن، المصنعة للسلاح والعتاد الحربي. فقرار استقبال السيد محمد الحداد لعبدالرزاق الناظوري لم يرق لأحرار ليبيا لكن لو رجعنا لما طرحناه مع بداية مقالتنا، فالقرار هنا ليس سيادي وإلا كيف يوجد أثنين لمنصب رئاسة الأركان؟!، والتكيف مع هذا أو رفضه، لا يمكن التعبير عنه بشكل يرضي الجميع. وفي هذا المقام يصعب على الكاتب تحديد موفق واضح وربما كما نقول بالليبي: “تلوم وتعذر”.
النفط والمنتظم الدولي:
مع أن منظمة الأوبك المؤسسة في عام 1960 من 5 دول لا تتحدث شعوبها بالإنجليزية إلا أنها اتخذتها كلغة التعامل الرسمي. وتعمل الأوبك على تنظيم حصص الإنتاج للدول المصدرة للبترول، وقد تطور العدد بعد ذلك ليصبح 13 دولة ثم بعد أوبك بلس وصل العدد 23 دولة منها روسيا بعد أن تقرر خفض الإنتاج. صحيح أرست قواعد للانضمام وحصص الإنتاج إلا أن هناك دول متحكمة في سياسات النفط تحركها مصالحها ولو تطلب توظيف البترول في الصراع العالمي. وبدون الخوض في سيادية قرار عزل السيد مصطفى صنع الله من منصبه وتعيين السيد فرحات بن قداره رئيساً للمؤسسة الوطنية للنفط يود الكاتب أن يقول بأن التوافق الدولي هو سيد الموقف وليس كما يشرح لنا السيد الدبيبة، والذي بالتأكيد ناقش الموضوع بالخصوص، إلا أن التفاهمات تحكمها وتنظمها اللقاءات الدولية وما زيارة السيد بايدن للشرق الأوسط إلا للوقوف على تنفيذ ما رسم من خطط في الاجتماعات الرسمية والسرية مستعينين في ذلك بدول منها من تطلب الرضى مثل دول الخليج، المحتاج لتأمين كراسيها، ومصر، المحتاجة للقمح والسُلف، والأخرى التي تخدم مصالحهم، كإسرائيل، تحركها العقيدة الصهيونية المسيحية، أو المتعاونة معها كبريطانيا وتركيا، ومن لها مصالح مشتركة بين كل هذا وذاك ألمانيا، أيران، إيطاليا، ولا ننسى من عندها ندية عدائية كما هو الحال مع فرنسا وروسيا.
من الصعب فك طلاسم المصالح المتداخلة والمتشابكة، وبدون نسيان الصين وطريق الحرير واستقرارها بأفريقيا، وهنا نجد أن ليبيا مفعولً بها وتستطيع فقط ان تلعب دور القبول بضمان مصالح الجميع، وهذه المهمة صعبة ومعقدة، والمتفرج من أبناء وبنات الشعب الليبي يستهل التنظير والكلام واللوم فيقعوا في المحذور جميعا مثقفين وسياسيين ومنحازين لطرف أو أخر.
وغياب صورة ما يحدث في الكواليس السياسية يجعل المساكين من الأمة الليبية جاهزين للعب أدوار ردة الفعل على المسرح الليبي بإغلاق نفط، بأوامر روسيا عن طريق حفتر، أو تسيير رتل مسلح عن طريق مجهول مستغلين في ذلك العداءات الموروثة من مخلفات الكراهية للنظام السابق لتمديد الأزمة، “لهايه.. زلباحه”، لزرع الرعب وتغييب الأمن أو إيجاد مبررات لنقص الخدمات: وقود، كهربا، سيولة وما شابه ذلك.
الكلمة الأخير:
نؤكد على أننا اليوم قد نلوم ونعذر السيد الدبيبة فيما يحصل بمؤسسة النفط ونعلم بأنه هو يحتفظ بحقيبة الدفاع إلا أن قرار الحرب عند المتدخلين في حرب 2019 وعلى الفاعلين في ليبيا أن يدعموا مسارات السلم، بدون التضحية بمدنية الدولة وديمقراطيتها وترسيخ مبدأ الحقوق والمواطنة. لك الله يا ليبيا.. الشدة في الله.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً