من سوريا إلى ليبيا، في الآونة الاخيرة لا يتوقف الحديث عن مرتزقة أجانب استعان بهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر للقتال بصفوف قواته.
في نهاية شهر سبتمبر الماضي، كشفت تقارير إعلامية نقل جثامين مقاتلين مرتزقة روس من ليبيا إلى روسيا، وسط تكتم شديد من قبل السلطات الروسية التي تحاول إخفاء وجود مرتزقة ينفذون أجندة خاصة رسمتها الاستخبارات الروسية في ليبيا.
وبالرغم من محاولة تلك الاستخبارات إخفاء هوية القتلة من المرتزقة، ألا أن تقارير إعلامية أوردت صوراً وأسماء لبعض هؤلاء المرتزقة الذين يصلون تباعاً من ليبيا.
وأكدت تلك التقارير استناداً لتحقيقات استقصائية عدة أن جيشاً من مرتزقة “فاغنر” الروسية ومرتزقة سودانية يقاتلون في صفوف قوات خليفة حفتر وينفذون مهمات استطلاعية وتأميناً لمنشات حيوية.
حفتر الذي يقاتل الحكومة الشرعية طلباً للحكم، ما جعل ليبيا تفقد الاستقرار والتنعم بحكم ديمقراطي بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، حصل على الدعم من أنظمة أخرى، ومنها الأسد، وتزوَّد بمقاتلين مرتزقة، وهو ما أكدته القوات التابعة للحكومة الليبية.
ففي بيان سابقاً لها قالت قوات حكومة الوفاق إنها أسرت 25 مسلحاً من مليشيات حفتر، مشيرة إلى أن بين المسلحين “مرتزقة” وقعوا في الأسر أثناء محاولتهم التسلل باتجاه أحياء العاصمة طرابلس.
وأضاف أن المسلحين استسلموا بكامل أسلحتهم وعتادهم بعد محاصرتهم.
ومنذ 4 أبريل الماضي، تشهد طرابلس، مقر حكومة الوفاق، وكذلك محيطها، معارك مسلحة بعد أن شنت قوات حفتر هجوماً للسيطرة عليها وسط استنفار للقوات الحكومية.
تقارير وفيديوهات وصور
بدورها “الجزيرة نت” نشرت، في 28 ديسمبر الماضي، مقاطع فيديو حصرية تظهر مرتزقة في الخطوط الأمامية للهجوم الذي تشنه قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.
وتظهر التسجيلات التي التقطت حديثاً عدداً من المقاتلين من روسيا وأوكرانيا يتمركزون مع سياراتهم وأسلحتهم في أحد المواقع على جبهات القتال.
وأفادت تقارير صحفية من مصادر عديدة بوجود مرتزقة من شركة “فاغنر” الروسية يقاتلون في صفوف قوات حفتر، ويؤدون أدواراً نوعية في هجمته الأخيرة لاقتحام العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.
صور ومقاطع فيديو انتشرت حديثاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد وجود هؤلاء المرتزقة في بعض المناطق التي تشهد مواجهات جنوب طرابلس، كما أعلنت قوات بركان الغضب قبل أيام استهدافها مقر في منطقة سوق السبت يتواجد فيه عسكريون روس.
حقائق وأرقام وأسماء
وأكدت حكومة الوفاق في وقت سابق أنها وثقت وجود ما بين 600 و800 مقاتل روسي في ليبيا، وقالت إنها تجمع أسماءهم وأدلة أخرى على مشاركتهم في القتال لمواجهة الحكومة الروسية بها، بينما تنفي موسكو وجود أي قوات تابعة لها في ليبيا.
وفي بعض التقارير عن مشاركة أكثر من 100 مرتزق روسي مرتبطين بشركة فاغنر الأمنية الروسية؛ يقاتلون في الصفوف الأمامية لقوات حفتر.
مصدر من مدينة بني وليد أكد أن المرتزقة الروس وصلوا إلى جنوب طرابلس بعد انتقالهم من الجفرة إلى بني وليد ومن ثم إلى ترهونة على ثلاث دفعات، كانت أول دفعة لهم شوهدت في المنطقة فجر الخامس من شهر سبتمبر الحالي ويقدر عددهم بحوالي ستين عنصراً.
ولطالما ادعى حفتر تشكيله جيشاً نظامياً في شرق ليبيا، إلا أن فوضى المرتزقة والشركات الأمنية الأجنبية من كل حدب وصوب، والدعم اللامحدود الذي يتحصل عليه من دول إقليمية، يؤكد وفق مراقبين زيف النموذج الوطني الذي وعد به ساكن الرجمة الليبيين. ووفق صحيفة التليغراف البريطانية، التي نشرت تقريراً في شهر مارس الماضي، يؤكد أن مجموعة فاغنر دعمت حفتر بــ300 شخص في بنغازي وزودته بالقذائف والدبابات والطائرات المسيرة والذخائر، وهو دور تطور مع الوقت بعد أن ثبتت مشاركتهم إلى جانب مسلحي حفتر في جنوب طرابلس.
دوافع أردوغان تجاه ليبيا
وافق البرلمان التركي يوم الخميس 2 يناير 2020، على مذكرة الرئيس رجب طيب أردوغان التي تتيح إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا دعماً لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس التي تتعرض لهجوم من القوات الموالية لخليفة حفتر.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي تستعد حكومته لدعم حكومة الوفاق عسكرياً، إلى دعم المرتزقة الروس لقوات حفتر، وأكد أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات روسيا ومصر والإمارات وفرنسا تمكين حفتر الذي ليست له شرعية سياسية، وتجاهل الحكومة الشرعية التي يقودها فايز السراج.
تركيا تهدف من خلال دعمها العسكري لحكومة الوفاق الوطني إلى إحداث نوع من التوازن على الأراض الليبية، لإيجاد وضعية تسمح لأنقرة بالتفاوض مع روسيا بشأن تدخلها في ليبيا والضغط على الدول الأوروبية والإقليمية لوقف دعمها للحملة التي يشنها حفتر على العاصمة طرابلس.
اعتراف دولي بوجود مرتزقة روس
بدوره فإن موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، قال في مقابلة مع صحيفة “لوموند” الفرنسية، نشرت يوم الاثنين 30 ديسمبر الماضي:
إننا نرى أيضاً مرتزقة من جنسيات عدة -بينهم روس- يصلون لدعم قوات حفتر في طرابلس
مشيراً إلى “وصول عدد من الطائرات من سوريا إلى مطار بنغازي” في الشرق وتتبع لحفتر.
مرتزقة حفتر داخل الليبية
ولم تقتصر استعانة حفتر بالمرتزقة على الروس بل امتدت لعناصر تابعة للمعارضة السودانية والتشادية ومشاركة ضباط وجنود من الإمارات ومصر وفرنسا خلال عملياته العسكرية منذ سنوات.
وأمام الحديث المستمر عن المرتزقة الروس، تبرز تساؤلات عن كيفية وصول هؤلاء المرتزقة إلى القتال مع مسلحي حفتر، مع كثرة الحديث أيضاً عن شركة فاغنر التي تتهم بتوريد المرتزقة إلى ليبيا، فما هي هذه شركة؟
ذهبوا إلى سوريا للدفاع عمَّا يسمونها “روسيا الأم من البرابرة المجانين”، وذلك على غرار إيران التي جندت هي الأخرى مرتزقة من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان للدفاع عمَّا يسمونه “المراقد المقدسة” في سوريا!
لكن وسائل إعلام روسية أشارت إلى الحصيلة أكبر وتفوق 200 قتيل، بحسب موقع “زناك” المحلي، استناداً إلى مصادر داخل الأوساط شبه العسكرية الروسية.
وليس لمجموعة المرتزقة التي أطلق عليها اسم “فاغنر” أي وجود قانوني، كما أن الشركات الأمنية الخاصة محظورة في روسيا، لكن تقارير تقول إن عدد عناصر مجموعة “فاغنر” وصل إلى 1500 في مرحلة من المراحل.
في 7 فبراير 2018، شن الطيران الأمريكي غارات مكثفة على رتل من القوات الموالية للحكومة السورية قرب بلدة خشام في محافظة دير الزور شرقي البلاد، وأدت الغارة الجوية التي شاركت فيها مروحيات أباتشي وطائرات مقاتلة إلى مقتل عدد كبير من أفراد الرتل الذين تضاربت الأنباء حول هويتهم.
لكن الشيء المؤكد هو أن من بين القتلى عدداً من الروس، حيث أشارت تقارير صحفية مختلفة إلى أن العدد يتراوح ما بين 300 قتيل وجريح.
وتعتبر صحيفة “بلومبيرغ” الأمريكية أن المجموعة تمثل جزءاً أساسياً من استراتيجية روسيا الأوسع المتمثلة بالحرب الهجينة؛ فهي مزيج من العدوان الحركي والإعلامي لتعزيز المصالح الروسية، عبر نشر مقاتلين يرتدون أزياء غير الزي الرسمي للجيش الروسي، كما حدث في شبه جزيرة القرم في 2014.
وبالإضافة إلى الأدوار التقليدية لهذه المليشيا فقد سلطت وسائل إعلام متعددة الضوء على دور جديد تقوم به هذه القوات في سوريا يتعلق بحماية المنشآت النفطية.
علاقتها بسوريا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى
وكان لفاغنر دور في سوريا في استعادة تدمر ودير الزور خلال عامي 2016 و2017، فيما تم تسويقها داخل موسكو على أنها مجموعة عسكرية هامة ضمن أدوات السياسة الخارجية التي يمكن استغلالها، إذ نيطت بها مهمة المساعدة في تدعيم حكم الرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا.
ورغم أن السلطات الروسية ظلت تتكتم على وجود صلات لها بالمجموعة التي تقاتل في سوريا وتنفي أي علاقات معها، فإن مصادر إعلامية كشفت أن الجيش الروسي ينسق مع هذه القوات التي تُنقل عبر طائرات عسكرية تابعة له إلى سوريا، وتحصل على امتيازات الجيش ذاتها.
إلى جانب سوريا وليبيا تتحدث المعلومات عن انتشار تلك المجموعات المسلحة في دول أخرى، مثل السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى.
في يناير 2018، كشف سيرجي سوخانكين، الخبير المشارك في المركز الدولي لدراسات السياسة في كييف، أنه تم إرسال مرتزقة فاغنر إلى السودان “في صراع ضد جنوب السودان” لدعم حكومة الرئيس السوداني عمر البشير عسكرياً وتهيئة الظروف المفيدة للشركات الروسية.
وقال “سوخانكين” إن المرتزقة يقومون بحماية مناجم الذهب واليورانيوم والألماس.
وفي يناير أيضاً من 2018، كشف سوخانكين عن إرسال مرتزقة فاغنر إلى جمهورية أفريقيا الوسطى.
وأضاف أن المرتزقة
“لهم نفس المهمة العامة في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهي دعم النظام الحكومي”.
وفي ديسمبر 2017، سمحت الأمم المتحدة لروسيا ببدء بيع الأسلحة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، وهي واحدة من الطرق العديدة التي تحاول موسكو من خلالها التأثير على القارة السمراء، فيما تحاول حكومة أفريقيا الوسطى مكافحة العنف الذي ترتكبه جماعات مسلحة متعددة على أسس عرقية ودينية.
تاريخ تأسيس شركة فاغنر
مرتزقة “فاغنر” تضم في صفوفها جنوداً وضباطاً روساً، تأسست بداية من عام 2014، يصنفها عسكريون على أنها وحدة سرية تتبع وزارة الدفاع الروسية، وتستخدمها الحكومة الروسية في الصراعات عندما تكون هناك حاجة للإنكار، وهي مشابهة لشركة الأمن الأمريكية بلاك ووتر.
الشركة الأمنية الروسية التي تصنف على أنها أداة نفوذ في تحقيق المصالح القومية الروسية دون مشاركة مباشرة من الدولة كان لها سجل من الجرائم والانتهاكات في سوريا، واستولت مقابل قتالها في سوريا على حصة من النفط والأموال الطائلة، وهذا ما يخشاه بعض حلفاء حفتر الطامعين في خيرات ليبيا، كالإمارات التي بات إعلامها هذه الأيام يحذر من الاستعانة بشركة فاغنر في ليبيا، والأهم اعتراف هذا الإعلام لأول مرة باستعانة حفتر بالمرتزقة.
ورغم أن موسكو تنفي باستمرار دعمها لقوات حفتر أو تزويده بالأسلحة مؤكدة دعوتها المستمرة للحوار، إلا أن نشاط مرتزقة فاغنر في ليبيا قد يزيد حدة الصراع بين روسيا والغرب، كما يتخوف بعض المراقبين من أن تكون الحقول والموانئ النفطية في شرق ليبيا رهينة في أيدي الروس.
الطباخ المقرب والمدلل
فاغنر التي ترتبط بشكل مباشر بالمخابرات العسكرية الروسية والتي يملكها ما يعرف بــ”طباخ بوتين”، يدعى “يفغيني بريغوزين” وهو مقرب من الرئيس فلاديمير ومدرج على لائحة العقوبات الأمريكية بسبب صلته بالانفصاليين في شرق أوكرانيا الذي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه بسبب تورطه في التدخل في الانتخابات قبل ثلاثة أعوام.
تضم فاغنر حوالي 2500 رجل روسي، يصل راتب الضابط الواحد منهم إلى 5300 دولار شهرياً، تعمل فاغنر لصالح شركة أمنية خاصة، ولم يتضح إلى الآن عدد قتلاها من الضربة الأمريكية.
قائد المرتزقة الروس في سوريا هو العميد السابق ديمتري أوتكين، وهو من المقاتلين السابقين في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، وكان يعرف بالإسم الحركي “فاغنر”.
وتفيد تقارير إعلامية روسية نقلاً عن مصادر عسكرية أن “أوتكين” خدم في وقت سابق في لواء القوات الخاصة التابعة للمخابرات العسكرية الروسية، وأنه ذهب إلى سوريا مع مجموعة من المقاتلين تجندهم شركة تدعى “سلاف كوربس”، في عام 2013 حيث كانت أولى مشاركاته هناك حسبما نقلت رويترز عن شخصين مقربين منه.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أدرجت في يونيو 2017 مجموعة فاغنر على قائمة الأفراد والكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات بسبب مشاركتها في الصراع الأوكراني، وقالت إن الشركة الأمنية الخاصة التي تعمل لصالحها هذه المجموعة أرسلت جنوداً للقتال إلى جانب الانفصاليين الأوكرانيين في شرق أوكرانيا، وأضافت واشنطن قائد هذه المجموعة “أوتكين” إلى لائحة الخاضعين للعقوبات.
اترك تعليقاً