مؤسسة الفساد ودورها في الفساد المالي وارتفاع الأسعار

مؤسسة الفساد ودورها في الفساد المالي وارتفاع الأسعار

اطلعت على مقال للشيخ الدكتور الصادق عبدالرحمن الغرياني – حفظه الله، بعنوان “الفساد المالي وارتفاع الأسعار” بتاريخ 6 نوفمبر 2015م نشر على موقع دار الإفتاء.

تناول فيه العلاقة الفاسدة والمعقدة بين المسؤولين في المصارف المتورطين في الفساد، وآكلي الحرام والسُّحت من بعض رجال الأعمال والجمارك، كما وصفهم الشيخ الصادق.

ومن باب التوضيح سأحاول هنا فك الاشتباك بين مسؤوليات السلطات المختلفة، التي وردت في المقال المشار إليه أعلاه، حتى توزع المسؤولية تبعاً لذلك، وحتى يتبين دور ومسؤولية المجتمع ودور السلطات الرقابية والتنفيذية والقضائية في مواجهة مؤسسة الفساد التي تحولت بالفعل إلى مراكز قوة خطيرة تستلزم قيام المجتمع كله بدوره.

مناهضة الفساد مسؤولية مجتمعية:

الفساد مؤسسة قائمة وثقافة سائدة للأسف، وستظل كذلك ما لم يتحمل المجتمع بأسره مسؤولية تقليله والسيطرة عليه على أقل تقدير، أي بمعنى العمل على أن يقع الفاسد والمفسد في يد العدالة ولو بعد حين.

لابد إذن أن يبادر المجتمع ويتقدم على الدولة، لابد من اكتشاف العلل في المجتمع ومعالجتها، لابد من إحداث إصلاح على كل المستويات؛ الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام وكذلك على مستوى الفكر والثقافة ليحقق المجتمع انتصاراً على الفساد.

قيام المساجد بدورها من خلال خطط وبرامج زمنية محددة وأهداف يمكن قياسها، ونشر المدارس لقيم الانتماء الصادق، والوفاء والإخلاص للوطن، وقيام وسائل الإعلام، بالإضافة إلى دورها في كشف الفساد، بنشر هذه القيم لتتوفر للأسرة المعلومة والثقافة اللازمة لتنشئة أبنائها على نبذ الفساد واعتباره فعلا محرما شرعاً ومجرما قانوناً.

التصدي لهذه الفئة المفسدة، يكمن بالدرجة الأولى في تجريم الفساد وجعله من الأخلاق الدنيئة وكشف زيف هذه الفئة. ثم يقع العبء الرئيسي بعد ذلك على كاهل السلطة التشريعية والأجهزة الرقابية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وعليهم، كما تفضل الشيخ الصادق،  في البداية بالبدء ببيتهم الداخلي وإجراء إصلاح جذري داخلي للتصدي للفاسدين والمفسدين من الداخل قبل الخارج.

السلطة التشريعية تصدر التشريعات التي تنص على العقوبات الرادعة والزاجرة، والسلطة الرقابية تكشف، والسلطة التنفيذية تطارد الفسدة وتُوقفهم أمام العدالة، لتقوم السلطة القضائية بدورها في إيقاع  العقوبة المنصوص عليها في القانون عن إفسادهم واستغلاله. هي إذن دورة كاملة يتحمل كل مسؤول مسؤوليته.

مقال الشيخ الصادق في حقيقة الأمر حمّل الجميع المسؤولية، بالرغم من أن القاري قد يستخلص أن مصرف ليبيا المركزي، هو المسؤول عن كل ما ذكره الشيخ، ولكن في الحقيقة مسؤولية مصرف ليبيا المركزي مسؤولية رقابية بالإضافة إلى مسؤوليته عن السياسات النقدية.

في هذا المقال سأركز على دور الأجهزة الرقابية وتحديداً مصرف ليبيا المركزي، الذي تناوله الدكتور الغرياني بشيء من التفصيل.

مصرف ليبيا المركزي:

مصرف ليبيا المركزي هو جزء من منظومة الدولة وليس له صفة مأمور الضبط القضائي، فهو يعمل وفقاً للصلاحيات الممنوحة له في القانون (رقم 1 لسنة 2005 وتعديلاته)، ولا علاقة له بمطاردة المفسدين. المصرف المركزي يقوم بدوره الرقابي، ولا يحق له التحقيق ولا إيقاف أي موظف خارج المصرف المركزي. دوره ينتهي بإحالة المخالف، للتشريعات النافدة، إلى النائب العام، أو إلى ديوان المحاسبة، أو إلى الرقابة الإدارية.

وقد قام مصرف ليبيا المركزي بجملة من الخطوات الجرئية لمواجهة العجز الناتج عن الوضع الأمني والسياسي ومواجهة التشتت في القرار الاقتصادي والإنفاق على جسمين تشريعيين وحكومتين بالإضافة إلى غول الفساد الذي استشرى في الجانبين.

فقد أحال مصرف ليبيا المركزي إلى مكتب النائب العام ملفات فساد بقيمة تتجاوز 4 مليار دينار، من المرجح أن تفضي هذه التحقيقات إلى كشف منظومة الفساد، سواء كانت داخل المصرف المركزي أو المصارف التجارية أو غيرها.

كما أوقف المصرف منذ عام 2011م أذونات صرف للحكومات المتعاقبة، بعضها متعلقة بإجراءات سابقة وبعضها بمؤسسات قد تم حلها، بمليارات الدينارات.

كما واجه المصرف العجز في الميزانية بجملة من الإجراءات منها؛ تقليص عجز الميزانية بمبلغ 9.3 مليار دينار للتسعة أشهر لسنة 2015م في بنود الإنفاق الأربعة، وتقليص إجمالي الإنفاق ب 11 مليار دينار للتسعة أشهر لسنة 2015م.

المصرف قلص استعمالات النقد الأجنبي بقيمة 16 مليار دولار للتسعة أشهر الأولى من سنة 2015م، كما أشترط مصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة إلزامية استخدام الرقم الوطني في المعاملات المالية، وهذا إنجاز كبير في محاربة الفساد المرتبط بإزدواجية المرتبات.

تدهور الدينار الليبي:

طالب فضيلة المفتي المسؤولين في مصرف ليبيا المركزي والمصارف التجارية، بالتعاون مع الحكومة، لوضع حد لهذا الفساد المدمِّر للاقتصاد، وذكر من ذلك تدهور الدينار الليبي؛ الذي فقد أكثر من مائة وخمسين بالمائة من قيمته وفي وقت قصير، وتساءل الشيخ؛ أليس هذا من صميم اختصاصات مصرف ليبيا المركزي؟

من المعلوم أن قيمة الدينار متعلقة بدخل ليبيا من النقد الأجنبي، ومستوى هذا الدخل مرتبط بإنتاج وتصدير النفط، وتصدير النفط متعلق بالأمن والاستقرار في البلاد، هي سلسلة مرتبطة ببعضها.

يعتمد 95% من دخل ليبيا من النقد لأجنبي على تصدير النفط، بينما استهلاك ليبيا اليومي من السلع والخدمات، يعتمد على استيراد أكثر من 70% من خارج ليبيا؟!! فكيف يحافظ الدينار على قوته في ظل إيقاف تصدير النفط وتدني مستويات إنتاجه وتدني حاد للاحتياطي من النقد الأجنبي، يد مصرف ليبيا المركزي لا شك أنها مغلولة بتصرفات خارجه.

إجمالي الدخل إلى خزينة الدولة إنهار بشكل حاد. فعلى سبيل المثال دخل ليبيا من تصدير النفط في التسعة أشهر الأولى لسنة 2015م، بلغ حوالي 6 مليار دولار فقط، بينما كان من المفترض أن يصل إلى 19 مليار دولار، على أساس سعر 45 دولار للبرميل. ناهيك عن تدني دخل الجمارك إلى 25 مليون دينار في نفس الفترة (تسعة أشهر)، بينما كان من المفترض أن يصل إلى 450 مليون دينار. ولا يختلف الأمر عن دخل الدولة من الضرائب الذي تدهور أيضاً نتيجة تعطل عجلة الاقتصاد.

الدعم وارتفاع الأسعار والفساد:

لا علاقة لمصرف ليبيا بتحديد ما يتم تصديره أو استيرادها، فهذه مسؤولية الحكومة، تحديداً وزارة الاقتصاد، فهي الجهة التي تحدد الصادرات والواردات ويقتصر دور مصرف المركزي في فتح الإعتمادات، وله الحق فى الحد من استهلاك السلع غير الضرورية والمخالفة للتشريعات النافدة. في ظل الإنقسام وغياب حكومة واحدة فعالة.

الحكومة والسلطات الأمنية والجمركية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن الكشف على المجرمين الذين يقومون بتهريب الوقود وسرقة الأدوية من مخازنها، وهي المسؤولة عن إيقاف الأشخاص الذين يوردون الحاويات الفارغة أو التي لا تتطابق مع مستندات توريدها.

لربما يؤخذ على مصرف ليبيا المركزي عدم رفعه لسعر الدولار، وفي المقابل يتعذر المركزي بأن المواطن هو من سيدفع الثمن، ويؤكد على أن الأمر متعلق بمؤسسة الفساد التي تنهك حياة المواطن.

على سبيل المثال في التسعة أشهر الأولى من هذه السنة، تم بالسعر الرسمي فتح اعتمادات استيراد دقيق بقيمة 860 مليون دولار، في حين أن الحاجة لا يجب أن تزيد عن 650 دولارا؛ فكيف يرتفع سعر الخبز إذن؟ لا شك أن مسؤولية متابعة الأسعار تقع على وزارة الاقتصاد التي يجب أن تعمل على ضبط المخالفين عن طريق الحرس البلدي إلى حين إتمام إجراءات استبدال الدعم بالبديل النقدي.

على مصرف ليبيا المركزي المسارعة برفع الدعم وصرفه نقدياً، طالما أن الإجراءات الفنية جاهزة من أجل القضاء على الفساد المتعلق بالدعم، وذلك بمجرد صدور تعليمات صحيحة من الحكومة، وتحديداً وزارة المالية، تبين الآليات اللازمة وتقر خطة تتركز على توعية المواطن بجدوى رفع الدعم، وتحدد دور السلطات المختلفة في هذا الإجراء.

منظومة الفساد هي المستفيد الأول من النقد الأجنبي، وصفحاتها المشبوهة على شبكات التواصل الاجتماعي، نشطت في الآونة الأخيرة نتيجة الإجراءات المتعلقة بترشيد استعمالات النقد الأجنبي، وخفضه بنسبة 50% مما كان عليه في نفس الفترة من سنة 2014م. في حين هذه الصفحات لم تكن بهذا النشاط حين كان حجم استخدام النقد الأجنبي يتجاوز ال 30 مليار دولار.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 4

  • شاةثي

    من تكون ايها الفاسد ومعك الاعور الدجال وشقيقك مصدق صهر البغدادي وجماعة الاخوان المفسدين وانت احد صبيانهم يا فاسد

  • فتحى عقيله

    يااستاد عبد الرزاق المواطن لم يعد يهمه شئ سوى رغيف خبزه وامنه الشخصى انظر اين وصل بنا الحال هل كنا نتوقع ان نصل لمتل ما وصلنا اليه انا شخصيا كنت اعتقد انه بمجرد سقوط هبل سيحضن كل ليبي اخاه الليبي ونجعل من وطننا جنات عدن فادا بنا نتحسر على ماضينا التعس

  • محمد

    مزيداً من هذه المقالات وبتفصيل أكثر لتنوير المواطن .
    وحرب شعواء على الفساد بنشر أسماء الفاسدين والمفسدين وأعمالهم الفاسدة في وسائل الإعلام لحصارهم اجتماعياً وفضحهم .
    على كل من يمتلك مستندات ووثائق تفضح الفساد وأربابه أن ينشرها للناس .

  • ضياء العكاري

    السيد لا يعرف شيء او يكدب ………… فيه فرق بين فتح اعتماد لاستراد سلعة الدقيق ، و دعم الدقيق
    فيه شركات في ليبيا تستورد الدقيق مثل اي سلعة ثانية و تقوم بتكيسه و من تم بيعه لصندوق موازنة الاسعار الي يوزع فيه عبر منافده ( الجمعيات ) مدعوم للمواطنين … الدقيق ايها العبقري موجود في السوق و لكن صندوق موازنة الاسعار لم يعد يتشري الدقيق من الموردين ، و يوزع فيه علي المخابز فالمخابر تشتري فيه غير مدعوم من شركات الدقيق و حيكون سعره بالسعر الموجود حاليا غير مدعوم

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً