مؤتمر برلين.. حصاد الشوك أم بارقة أمل - عين ليبيا
من إعداد: د. عيسى بغني
مؤتمر برلين بتناقضاته وجدلية بيانه، يؤسس لعملية عسكرية وسياسية طويلة المدى، تستنزف مقدرات الدولة الليبية، وتعمل على إدامة حالة اللاسلم والحرب القائمة.
لم يكن الرئاسي رغم شرعيته وعدالة قضيته وبسالة قواته قادراً على جلب النصر السياسي، ولا حفتر بجبروته ودعم القوى الإقليمية له قادرا على دفع الهزيمة، واتفاق من هذا النوع هو الأسوأ “lose lose situation” للطرفين وهو طبيعي عندما يكون المخطط مفصلا من طرف ثالث لا يعنيه إلا مصالحة.
اتفاق برلين دخله الرئاسي أعرجاً بلا أصدقاء ولا داعمين سوى تركيا التي أصبحت القضية الليبية قضيتها المركزية حتى أمام الأحزاب المعارضة لها، فدعوة تونس كان متأخرةٌ ووجود الجزائر لا يغير كثيراً بحكم دعوى الحياد، والمغرب لم يقدم له دعوة حضور، أما حفتر فله كل النمور والثعالب مثل فرنسا والإمارات ومصر وروسيا وحتى الكونغو وغيرها.
الجميع يعلم أن حفتر سقط المتاع وأنه المعتدي وأسير وعميل سابق وصاحب مليشيات قبلية ومؤدلجة وأنه الخاسر ولا أمل له في حكم ليبيا، إلا أن ذلك لا يمنع دول أن تحاول إيجاد طريقة لرد استثماراتها في حفتر وترسانته العسكرية والإعلامية التي جاوزت 15 مليار دولار.
مؤتمر برلين ضحك منه حفتر وداعميه الإقليميين عندما أنهى أزلام حفتر غلق معظم الموانئ والحقول النفطية، آخرها حقل الشرارة الذي يتجاوز إنتاجه 325 ألف برميل في اليوم، وغادر برلين ولم يوقع على ورقة إيقاف الحرب، رغم ذلك لم يتعرض هذا المؤتمر لقضية النفط التي تمس كل الليبيين، واستمر في سرد سلال مثقوبة مفخخة تحتاج إلى سنوات لفك أحجيتها.
وهذا طبيعي لأن السراج ومن معه رفضوا مواجهة حفتر وحضور الاجتماع فمنعوا من المشاركة وتم تفصيل الثوب من الداعمين؛ إحدى عشرة دولة مقابل دولة واحدة.
تصرف عدم مواجهة الخصم أضاع على الرئاسي فرصة رفع صوته وتبيان موقفه وتوضيح حجته، وتعامل بأسلوب “عراك المرابيع ” وليس من يحمل هم شعب ودولة، غاندي ذهب إلى الإنجليز على ظهر سفينة ليعرض عليهم استقلال الهند ولم يبالي رغم العسف الذي تعرض له مناصروه.
بيان مؤتمر برلين كان مقتضبا رغم أنه يتضمن قرابة 50 مادة لم يتم تلاوتها في المؤتمر الصحفي، وهناك ملحق لم يتم التعرض له للعامة، ولكن ما تم تداوله أن هناك تسعة بنود رئيسية وهي:
من الواضح أن النقاط السابقة معظمها ملغمة عند محاولة وضع تفاصيل وخطط عمل لتنفيذها، وليس من السهل الوصول إلى غاياتها، خاصة وأن الرئاسي الذي راهن على عطف وحنان ووطنية حفتر وداعميه حتى تغاضي عن تدمير بنغازي ودرنة وغض الطرف عن إكتساح الجنوب ببضعة سيارات طاوية، ولم يبالي أن يصدر أمر قبض ومحاكمة لحفتر ومجموعاته المتمردة لا من القضاء المدني ولا العسكري، ولم يعين وزير للدفاع حتى الآن، ثم ترك الأمر لتركيا لتقوم مقامه أما غطرسة دول الإستبداد.
ونحن كقوى حية نثمن عمل الأصدقاء ولكن لا يغني ذلك عن حكومة وطنية فاعلة.
اجتماعات جنيف يجب أن لا تكون مفاوضات بين السراج وحفتر بل يكون للقوى المدنية المؤمنة بالتغير في شتى ربوع ليبيا رأي، لتعيين مجلس رئاسي جديد خارج عن الوصاية الإقليمية لدول الإستبداد العربية، أو التعجيل بتجهيز الدستور والإستفتاء عليه ثم الذهاب إلى الوضع المستقر الدائم.
أما الوضع الداخلي فيجب عدم التعويل كثيراً عن برلين وجنيف بل الذهاب إلى تعيين حكومة جديدة فاعلة تسطيع القيام بعملها الوطني والإقليمي والدولي خارج عن تردد وتلكؤ وتهافت سياسات الرئاسي.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا