المتتبع للأحداث الجارية في ليبيا يلحظ تدخل المجتمع الدولي في الشأن الداخلي الليبي بعد ان تحصل على تفويضا عربيا، الحجة كانت حقوق الانسان، رمى الغرب بكل ثقله، أسقط النظام، أصبحت البلاد مقرا وممرا للتكفيريين وشذاذ الافاق، من كافة اصقاع العالم، رفع الغرب أيديهم عن البلاد، فقد تركوا فيها من قاموا بإعدادهم على مدى عقود من الزمن، أصبح هؤلاء لا يحتاجون الى توصية بل ينفذون ما يدور في خلد اسيادهم وأكثر.
لم ينعم الشعب بالديمقراطية التي وعد بها الغرب،بل أصبحت البلاد تحتل المركز الأول دونما منازع في مجال الجريمة المنظمة وغير المنظمة, قتل وخطف كل من تسول له نفسه الحديث عما يجري بالبلد, تم افراغ الخزينة العامة مما بها من أموال نقدية وعينية، من قبل من تولوا السلطة للصرف على ميليشياتهم التي يحتمون بها, والإقامة في الفنادق الفاخرة في عديد الدول التي قاموا بزيارتها ,ما لبث ان تحول توافقهم الى انقسام أدى الى تدمير ما لم يقم الناتو بتدميره من ممتلكات عامة وخاصة، مزيدا من القتلى والجرحى والمشردين والنازحين، الغرب لم يحرك ساكنا لأنه كان منشغلا بموضوع سوريا.
طفى على السطح تنظيم داعش الإرهابي وكشف عما يمتلكه من عتاد وبشر، وقد كانت الميليشيات التي تحكم السيطرة على طرابلس تنكر وجوده، انهما (الدواعش، فجر ليبيا) وجهان لعملة واحدة، انسحب الثاني من سرت ليحكم عليها الأول قبضته، ينكل بسكانها، نزح منها من له القدرة على ذلك اما من تبقى منهم، فانهم يعانون سوء العذاب، ليكون مصير “سرت” كـ “تاورغاء” التي أصبحت اثرا بعد عين، لم يتحرك الغرب الا بعد ان أيقن ان من قدموا البلاد بعد تدخله الميمون، قد أصبحوا يشكلون خطرا عليه, فقام ببعض الضربات التحذيرية ضد تنظيم الدولة ليقوم بإعادة تمركزه.
لقد أصبحت البلاد بسبب تخلي الغرب عنها والتغاضي عمن نزح اليها من تكفيريين، مأوى للإرهابيين الذين اخذوا ينتشرون في دول الجوار ما حدا بالرئيس التونسي، اتهام ليبيا بانها تصدر الإرهاب الى بلده، وهو يدرك باننا نعلم جيدا ما قدمته تونس ابان توليه السلطة عقب سقوط نظام بن علي، لقد قال السيد الرئيس في حديث تلفزي بانه ساعد الثوار في ليبيا على الإطاحة بالحكم القائم بشتى أنواع الدعم بما فيها الدعم العسكري من الشقيقة قطر وغيرها! “ما يعد تدخلا في الشؤون الداخلية لبلد مستقل”، ناهيك عن تدفق الاف الشباب من تونس على ليبيا ابان حكم الترويكا للتدريب ومن ثم الانتقال عبر الشقيقة تركيا الى سوريا، فما كان من تركيا الا ان قدمت 500 مليون دولار لتونس مكافأة لها على تصدير ابنائها العاطلين عن العمل ليقوموا بشتى انواع الجرائم في بلاد الشام.
ان تونس تستقبل قادة الميليشيات المسلحة التي تستولي على طرابلس وتفرش لهم البسط الحمر ابتهاجا بمقدمهم ويقيمون بأفخم الفنادق ويحظون بالحراسة المشددة نظير ما يقدمونه من اموال الشعب الليبي لعديد رجالات الدولة التونسية, ويتناسى السيد الرئيس ان من قاموا بالأعمال الاجرامية في عدة مناطق تونسية، انما هم تونسيون اصيلون وقد عادوا الى بلدهم عندما ضاقت عليهم الارض بما رحبت، خاصة بعد التدخل الروسي في سوريا وهجمات امريكا على تنظيم الدولة في صبراتة القريبة جدا من الحدود التونسية, قول لا تلقوا باللائمة على ليبيا التي سعيتم عن قصد او بدونه في تفكيكها وايصالها الى هذا الوضع, بل لوموا انفسكم وحاولوا ان تجدوا فرص عمل للشباب والتعامل مع الشرعية الشعبية وليست “شرعية” الامر الواقع, لقد ذكر اكثر من تقرير صادر عن الامم المتحدة بان الارهاب في ليبيا يغذى من عدة اطراف اهمها, قطر, تركيا, تونس ,السودان, فما عساكم سيادة الرئيس قائلون؟ دول الجوار لا ترغب في التدخل العسكري الغربي في ليبيا، لأنها تخشى من دخول الارهابيون الى اراضيها ومن ثم سقوط عروشهم كما سقط اخرون.
أعلن الغرب اعترافه بمجلس النواب، لكن عينه كانت على مؤتمر الريكسوس الذي يقبع به المعاقون فكريا, وأصحاب الأيديولوجيات التكفيرية التي لا تؤمن بالراي الاخر، انقسم البلد سياسيا الى شطرين، ما لبث ان رعى “حوارا وطنيا” بين مجلس النواب وأطراف أخرى ليس لها تمثيل شعبي او ثقل جهوي، ليعيد بل ليكافئ (الغرب) من اسقطتهم صناديق الاقتراع الى السلطة من باب المجلس الرئاسي ومجلس الدولة, وبالتالي يتحصلون على الحصانة التي تمنع او تحول دون مساءلتهم عما اقترفوه بحق الشعب، الغريب في الامر ان الغرب يقول بانه مجرد راع للحوار، لكنه يضغط على مجلس النواب وبشدة لأجل تمرير “حكومة التوافق الدولي” التي تم تعيينها من قبل البعثة الأممية, ان الأمم المتحدة تلوح “تهدد” بمعاقبة كل من لم يمرر الحكومة واعتباره معوقا للحياة الديمقراطية؟ فهل يعقل ان يعاقب النائب المنتخب شعبيا، وقد يصل الامر بمعاقبة رئيس البرلمان، بينما لم يعاقب أي من المجرمين على مدى الخمس أعوام السابقة، بل وصل الامر بالمجلس الرئاسي الذي يستقوي بالأمم المتحدة الى اعتبار الحكومة التي شكلها دستورية ولا حاجة لإضفاء الشرعية عليها من قبل البرلمان، فأي نوع من الديمقراطية يريدون اقامتها في ليبيا؟، فإما ان يمارس النواب حقهم واما ان تعلن الأمم المتحدة صراحة حل البرلمان وتشكيل حكومة وصاية، وليفعل بالليبيين ما يشاؤون، فالبلد يشهد ترد اقتصادي وفساد مالي ونقص في كافة الخدمات وارتفاع فاحش في أسعار السلع الضرورية, ونقص في السيولة بالمصارف التي أصبحت شبه مقفلة ,حقا البلد تحت الفصل السابع.
لقد تصرف الغرب خارج إطار القرار الصادر عن مجلس الامن الداعي لحماية المدنيين، اوباما يلقي باللائمة على كل من بريطانيا وفرنسا بشأن اسقاط النظام لمصالح شخصية، لا يهم، عالمنا العربي منتهك السيادة بواسطة الذين مكنهم الغرب من التسلط علينا من بني جلدتنا،فما يسمى بالجامعة العربية هي من استدعت الغرب للتدخل في انتهاك صارخ لميثاقها الداعي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة, انها الشرعية الدولية او ما اسموها (الفوضى الخلاقة) فهل كانت الفوضى الا تدمير كل شيء ليعيدوننا الى العصور الوسطى، كأني بهم قد استكثروا علينا ما حققناه من تقدم وبناء (على الاقل بمقياسنا المتواضع) بعد ان رحلوا (أُجلوا عن ديارنا) عنا.
حتما سيبزغ فجرا بعد الليل مهما طال، وسينهض الشرفاء من ابناء الامة ليعيدوا لها اعتبارها وعلى البغاة ستدور الدوائر.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً