قبل 72 عاما، وبعد عقود من النضال، نال الليبيون استقلالهم، بصك دولي صادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة، تحقق الاستقلال بالمعنى القانوني، وكان أحفاد عمر المختار جديرين بالفعل بالحصول على حريتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، كانوا جديرين بالفعل لأنهم قبلوا بكل وطنية وإيمان وشرف أن يدفعوا ثمن الاستقلال، دماء ودموعا ومواردا وعملا ثوريا كان مثالا يحتذى ونبراسا تهتدي به الأجيال القادمة.
معلومة قد لا يعرفها الكثيرون من الليبيون، بأن جدهم “سبتيموس سيفريوس” ذلك الشاب الليبي الملهم والموهوب، كان يوما ما امبراطورا لـ”روما” وورث أبناءه حكم تلك الامبراطورية طيلة عقد من الزمن تقريبا، هل يعرف الليبيون أنهم حكموا روما يوما، لكنهم لم يحتلوها، بل وصل سيبتموس إلى الحكم بجدارته وخبرته كقائد كبير في جيش الشرق الروماني الذي كان معظمه من أبناء بلاد الشام وشمال افريقيا.
معلومة قد تلهم أبناء ليبيا اليوم، وهم يقفون أمام علم بلادهم ليؤدوا له تحية الولاء، بينما تمر البلاد بمحنة سياسية تكاد تذهب بها إلى التقسيم، فعندما نحيي الاستقلال فإننا نحيي قيمه، نحيي تضحيات أجدادنا الذين ما كانوا أبدا منقسمين بين شرق وغرب، وما كانوا يفكرون بمن سيحكم بعد زوال الاحتلال، المهم أن يحكم ليبيا الليبيون، وأن يقرر مصيرها أبناء برقة وزان وطرابلس وسبها وسرت وبنغازي، كانوا بالفعل رجالا وطنيين، يحرصون على صون كرامتهم الوطنية، والحفاظ على وطنهم أمانة لأبنائهم (نحن).
وصلتنا الأمانة كاملة غير منقوصة، وصلتنا ليبيا من بحرها إلى صحرائها، من مصر إلى الجزائر، فهل حافظنا على هذه الأمانة لنوصلها لأبنائنا كما أوصلها لنا أجدادنا.
ليبيا اليوم تحتفل بالاستقلال، لكن انظروا كم احتفال لدينا، وكم سلطة لدينا، ولولا لطف الله لما كان لنا علم واحد، كلنا نحتفل باستقلال بلدنا، لكن أين هي البلد لتحتفل معنا، هل يستطيع المواطن الليبي أن يجول على تراب بلده المستقل بحرية وأمان، هل يستطيع العامل الليبي أن يتنقل بين مناطق بلده المستقل، هل يستطيع الجندي الليبي أن يخدم في مدن بلده المستقل، ربما تكون ليبيا مستقلة، فلا احتلال على أرضنا، لكن هل نحن مستقلون.
البلد المستقل، يكون مستقلا بشعبه، وحكومته، ومؤسساته الدستورية، يكون مستقلا بقوانينه التي تحميه وتحمي موارده، يكون مستقلا بسلطته القضائية العادلة التي تتمتع بحصانة دستورية لا يمسها أحد، يكون مستقلا بتعليمه وصحته وتجارته وصناعته.
ليبيا مستقلة، وهي عضو في جمعية الأمم، ولديها ممثل، لدينا علم و نشيد وطني، لكن هل لدينا دستور، وهل نكون مستقلين بلا دستور وهيئة حكم منتخبة شعبيا ومؤسسات تشكل مرجعية لنا جميعا، يبدو أننا أمام مرحلة نحتاج فيها لنؤكد استقلالنا.
هل تذكرون جدنا عمر المختار، عرض عليه المحتل سلطة ومالا وجاها مقابل أن يوقف ثورته ضد المحتل، فما كان جوابه، هذه بلادنا ونحن أدرى بحكمها، ولن تعطونا شرعية الحكم الذي نحن ولى به، لم يقبل المختار سلطة عرجاء، ولا مالا ملوث بمعاناة الشعب، ولا جاها مبنيا على نقص الكرامة الوطنية، لذلك عندما حصلنا على الاستقلال كنا نعرف أن الرجال الوطنيين الذين رفضوا المساومة ولم يقبلوا الرشى السياسية هم من أهدونا استقلالنا.
اليوم تحتاج ليبيا، دستورا وقانون انتخابات، وقضاء مستقلا، ينتج عن ذلك سلطة وطنية مستقلة، تخدم الشعب بدل أن تحكمه، تحميه بدل أن تخيفه، تلهمه بدل أن تقمعه، تغنيه بدل أن تفقره، نحتاج كلنا اليوم للاستقلال من مصالحنا الشخصية ومكاسبنا المادية وأهوائنا السلطوية، وعندها ستكون ليبيا كلها مستقلة، شعبا وأرضا وجيشا ومؤسسات وأحزابا ونفطا ونخيلا ورمالا.
كل الأماني لك يا ليبيا بالخروج من هذا المأزق، والرهان على الوطنيين الصادقين، الذين يعرفون أن بلدا مستقلا يعني بلدا قويا وعادلا وغنيا وفيه الكرامة للجميع والخير للجميع.. لتبقى لنا راية الاستقلال عالية.. علينا أن نكون جميعا مستقلين بقرارنا و خيارنا.
اترك تعليقاً