الواضح أن فشل محاولات المتقاعد حفتر في الاستيلاء على العاصمة طرابلس ليبيا بعد تصدي شباب ليبيا له في 4 أبريل 2019، وصمودهم أمام سبع دول مناصرة له بالمال والسلاح والمرتزقة، بل ودحره بمساعدة الدولة الصديقة تركيا بعد توقيع الاتفاقية العسكرية معها. نعم وصل المجتمع الدولي المتصارع على أرض ليبيا، وللأسف بخسارة شباب ليبيا وبفاتورة ليبية، لقناعة تامة بأنه لا حل للصراع على أرض ليبيا إلا بالجلوس على طاولة التفاوض، والوصول إلى صيغة تفاهم تضمن مشاركة مصالح المتصارعين مع ليبيا. وهذا يتطلب أولاً ضمان وقف إطلاق النار وإخراج المرتزقة، ودعم خطوات اللجنة 5+5 العسكرية وتوحيد الجيش، وتحريك عجلة الاقتصاد بتقاسم المشاريع التنموية: غاز، نفط، إعادة الإعمار، وتصحيح البنية التحية، وتسليح الجيش وتدريبه! أملاً في الوصول للانتخابات وتحقيق الاستقرار السياسي.
ليبيا طرابلس!
يستذكر الكاتب اليوم كلام زميله بكلية الهندسة-سرت الأستاذ أمحمد الدليو عندما كان يتساءل مستهجناً عمل الكاتب بجامعة سرت بعيداً عن طرابلس قائلاً: “شن جيبك لسرت وتخلي طرابلس..طرابلس هي ليبيا” نعم صدق زميلي العزيز فطرابلس هي ليبيا وقد رأينا كيف استمات الأسير مجرم الحرب حفتر، المُغيب عن المؤتمر بطرابلس، والمستثمرين فيه محاولاتهم اقتحام طرابلس والسيطرة عليها. لكن بفضل الله أولاً وشباب ليبيا أمازيغ وعرب وتبو من شرقها وغربها وجنوبها الذين هبوا للدفاع عنها بعد أن شاركوا في تحريرها من براثن الدكتاتور معمر القذافي في 2011. واليوم الخميس الموافق 21 أكتوبر، يلي يوم نهاية رأس الدكتاتورية بعد أربعين عاماً، يفتح العالم صفحة جديدة في تاريخ ليبيا الجديدة بعد نهاية الدكتاتورية وفشل محاولات الرجوع للدكتاتورية من خلال مجرم الحرب الأسير حفتر وداعميه.
على سكة الاستقرار!
بالتأكيد للدول الحاضرة للعاصمة أدواراً ستلعبها إلا أن دافع الاستقرار هو تحقيق المصالح وخاصة بالدرجة الأولى للدول الفاعلة. نعم الموقع الجيوسياسي لليبيا يفرض على دول مثل ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا، واليونان، وقبرص ومعهم بريطانيا العمل دعم الاستقرار في ليبيا لضمان وقف تدفق الهجرة غير القانونية وعدم خلق بيئة مناسبة لتهريب المخدرات، والسلاح ومقاتلين لأيديولوجيات مختلفة وتسربهم لأوروبا. كما وأن الاستقرار في ليبيا يحقق مصالح مشتركة بين تركيا وروسيا وأمريكا. بالتأكيد سيكون لأمريكا نصيب الأوفر وذلك بتسليح الجيش الليبي لأنه مُكلف وباهظ الثمن. بل إن التدخل الروسي سيكون مزعجاً لو لم تتحقق مصالح بالشراكة مع أمريكا في ظل الاستقرار. لأن الصراع الحربي قد يربط بين التواجد الصيني في أفريقيا وروسيا وعندها ستخسر أمريكا أكثر فالتحدي الذي تواجهه من تسرب الصين داخل القارة الأفريقية يقلقها وربما يدفعها لقبول الشراكة مع روسيا في تحقيق مصالح على أرض ليبيا، ومنح تركيا أيضاُ فرصة للعب بعض الأدوار المهمة في منطقة شمال أفريقيا. لا ننسى أيضاً ما يحققه الاستقرار من إيجابيات لدول الجوار وما سيدره عليها من فوائد كفرص عمل للعمالة العاطلة عندها، وكذلك سيساعد على تشجيع حركة الناس والبضائع مع ليبيا.
ما هي الأدوار المطلوبة من الدول الحاضرة؟
تتفاوت وتتباين الأدوار التي ستقوم بها الدول الحاضرة للمؤتمر بالعاصمة اليوم. فمثلا الدول الأعضاء في مجلس الأمن وعلى رأسها أمريكا وروسيا ستكون لها حصة الأسد في الاستثمار في ليبيا. بينما سنجد دول أخرى قد تلعب أحد الأدوار التي تخدم أمريكا بشكل من الأشكال وهذه قد تكون جارة أو تقع في المحيط الإقليمي. وربما حتى تكون الرؤية أوضح للوصول إلى استقرار سياسي بانتخابات رئاسية وبرلمانية في ليبيا، فإن ذلك يتطلب معالجة الملفات الرئيسية الثلاثة: الأمنية، والعسكرية، والاقتصادية. ومن هنا سنجد أن بعض الدول ستكف عن إذكاء الحرب بين الفرقاء الليبيين مثل: السعودية، والأمارات، والأردن، والبحرين، ومصر إضافة إلى استفادة جميع دول الجوار من الأمن والاستقرار في ليبيا وذلك بضمان عدم تسرب أي أسلحة أو مقاتلين مُؤدلجين، أو لعب دور في الارتقاء بمستوى الأمن في ليبيا مثل تركيا ومعها إيطاليا وبريطانيا، وهناك دول ستستفيد من بناء قدرات الجيش الموحد وتسليحه وهنا ترشح أمريكا. بينما سنجد أن هناك مشاركة واسعة في الملف الاقتصادي فستشترك وتشارك فيه قاعدة عريضة من الدول المشاركة بالمال، أو بالبناء وإعادة الإعمار، أو في التنقيب واستخراج النفط والغاز، أو في التبادل التجاري.
أين دور الشعب الليبي؟
قد يتساءل البعض أين مصلحة الشعب الليبي من كل هذه المصالح التي تعود في الأصل لمعظم دول أوروبا وتركيا وروسيا وأمريكا، ودول الجوار وكذلك الدول الواقعة في محيطنا الإقليمي. نعم دور الشعب الليبي مهم وقد يتلخص في الآتي:
- مساعدة المجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة الوطنية، في تطبيق خارطة الطريق والوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر 2021م.
- الانخراط في العملية الانتخابية بالتسجيل أولاً، ثم بالمشاركة في الاجتماعات الهادفة لاختيار مرشحين والتفكير في المعايير المطلوبة للمترشح وبرنامجه الذي يتطلع به لخدمة ليبيا والشعب الليبي.
- التحرر من القبلية والمناطقية، مع ضرورة رفضها، والتي تعتبر أكبر عائق على طريق بناء الدولة المدنية الديمقراطية.
- الحرص على تحسين الأداء في العمل على مستوى القطاع العام أو الخاص، والتحول من توزيع الثروة إلى تنميتها وتشغيلها.
- التدافع فطرة إنسانية لكن علينا أن ننتهج الطريق السلمي، وننبذ العنف والتعنيف في التنافس وعند تدافعنا نحو الأفضل.
- المصالحة الوطنية يجب أن تكون نتيجة بعد كشف الحقيقة، وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات العدلية.
- المصالحة مع الذات ضرورية بحيث نجعل من اختلافنا فكرياً وعرقياً وسياسياً ولغوياً ومذهبياً، قيمة مضافة، تعزز قدراتنا في بناء ليبيا ورفض أن يتحول اختلافنا إلى خلاف بيننا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً