لا تختلف الحركة الأدبية في ليبيا عن غيرها في الوطن العربي، إلا في بعض الخصوصيات التي تعود أصلاً لتكوينها، أي نمط الحياة فيها وكيفية التعامل معها، وكذلك الواقع السياسي الذي غالباً ما يرتبط به الواقع الأدبي في كل دول العالم، ولكن يظل الأمر الأكثر خصوصية في الأدب الليبي هو انغلاقه علي ذاته
وظهوره الخجل علي ساحة الأدب العربي، لذلك ربما يصبح معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ44، الذي سوف تحل ليبيا بثقافتها كضيف شرف عليه، ربما يصبح فرصة طيبة لنتعرف عن قرب علي الحياة الأدبية والحركة الثقافية الليبية.
وقد بدأ الأدب الليبي الحديث، في الفترة المواكبة للنهضة العربية الحديثة، التي جاءت بعد انتهاء حكم الأسرة القرمانلية لليبيا، وهي الفترة التي اتفق علي أن تكون ما بين سنة 1835 و1911.
وقد نشأت الحياة الأدبية في ليبيا في أطر محدودة، اقتصرت علي المجالس الخاصة لجماعة المثقفين, وهو شكل أقرب للصالون الأدبي, وهو المنتدي الذي يأتيه مريدوه في قدمون من خلاله النتاج الأدبي الخاص بهم وتطرح وتناقش المواضيع المختلفة، وكثيراً ما كانت تجري في هذه المجالس المناظرات والمساجلات.
وحسبما يؤكد الكاتب الليبي رامز رمضان النويصري، أن الشاعر مصطفي بن زكري، هو أول من أصدر ديوان شعر ليبي مطبوعاً في العام 1892، ثم تلاه ديوان الشاعر عبدالله الباروني، وقد طبعت هذه الدواوين في المطبعة العثمانية بالقاهرة إذ إن حركة الطباعة للكتب لم تكن كبيرة في ليبيا في ذلك الوقت.
ويمثل الغزو الإيطالي لليبيا البداية الحقيقية لرحلة الأدب الليبي الحديث، حيث إن الهجوم المباشر الذي تم علي مدينتي طرابلس وبنغازي، كان محركاً قوياً لظهور الشعر الشعبي الليبي وملاحمه الجهادية الكبري، التي أرخت لمعارك الجهاد الليبي ضد الغزو الإيطالي، ومن أهم الرموز الجهادية في ذلك الوقت الفضيل عمر المختار، والأخوين رمضان وسعدون السويحلي، ومن أشهر هذه الملاحم قصيدة (ما بيمرض) للشاعر رجب بوحويش، التي يصف فيها حالة المعتقلين الليبيين بمعتقلات الإيطاليين، خاصة معتقل العقيلة.
ويظل الشعر في ليبيا هوالشكل الأدبي الأكثر حضوراً حتي فترة الثلاثينيات والأربعينيات، وكان في هذه الفترة يمثل دعماً مهماً للحركة الوطنية، ومن أشهر الشعراء في هذه الفترة كان شيخ الشعراء في ليبيا، القاضي والشاعر أحمد الشارف، شاعر مخضرم، وحسبما يؤكد النوصيري فليس في ليبيا من لا يحفظ قولته:
رضينا بحتف النفوس رضينا
ولم نرض أن يعرف الضيم فـينا
ولم نرض بالعيش إلا عزيزاً
ولا نـتـقي الشر بـل يتـقـينا
فما الحر إلا الذي ما تحراً
ولم يرض بالعـيـش إلا أميـنا
حتي إذا ما وصلنا إلي فترة الخمسينيات، وجدنا أن ليبيا كانت علي موعد مع إرهاصات القصة والرواية، وهي نقطة تحول مهمة في مسيرة الأدب الليبي، وقد قدمت القصة نفسها علي أنها أدب العصر في هذه الفترة، لأنها المعبر عن الأزمنة في معانيها الواسعة الشاملة، ذلك لأنها لون أدبي يحتضن جميع الألوان الأدبية بما في ذلك الشعر، وهكذا بدأت رحلة القصة في ليبيا وتعاقبت أسماء الروائيين، ومنهم: عبدالقادر أبوهروس، ويوسف القويري، وعبدالله القويري, وكامل المقهور، وبشير الهاشمي، وخليفة التكبالي.. ومع الستينيات، تبلور المتن الحقيقي للرواية الليبية من خلال رواية (اعترافات إنسان) لمحمد فريد سيالة، الصادرة عام 1961.
ومع بزوغ نجم الرواية في ليبيا بدأ الحضور الأدبي للمرأة الليبية، وهناك العديد ممن استهوتهن الكتابة، فكانت القاصة شريفة القيادي، ومن بعدها الكاتبة مرضية النعاس.
وفي السبعينيات عاد الحضور الشعري مرة أخري ليطغي علي الساحة لما حقن هذه الفترة من تغيرات سياسية ومجتمعية، وتميز في هذا الشاعر محمد الشلطامي، وأيضاً الكاتب الصادق النيهوم، وتكون جيل جديد من الشباب في ذلك الوقت، آمنوا بالتحديث والتجديد، فكانت الثمانينيات فترة التجريب في الأدب الليبي.
وفي الفترة الأخيرة هناك أكثر من اسم ليبي قدم نفسه علي الخارطة العربية والعالمية منهم: الكاتب الروائي إبراهيم الكوني، والكاتب أحمد إبراهيم الفقيه، والشاعر علي صدقي عبدالقادر، والشاعر علي الفزاني.
كما اهتم بعض الكتاب والأدباء الليبيين والمثقفين بنشر العديد من الكتب التي عالجت أوضاعاً تاريخية وفكرية وسياسية واجتماعية مختلفة، وعالجت وقائع وقضايا عديدة مرت بها ليبيا خلال العقود الثلاثة الماضية، فأصبحت هذه الكتب وثائق تاريخية مهمة، يمكن من خلال محتوياتها، تتبع مسيرة النظام وتطوره من مرحلة إلي أخري، وتتبع طبيعة الصراع بين النظام والقوي المضادة له. بل ويمكن من خلال مضمونها أيضاً دراسة أهم الوقائع والأحداث والقضايا الرئيسية التي أثرت في الشارع الليبي عبر العقود الثلاثة الماضية.
وقد احتل كتاب «الشعوبية الجديدة.. فصول في التاريخ والسياسة» للشهيد «محمد مصطفي رمضان» أهمية قصوي في تاريخ الشعب الليبي – حسبما يشير الدكتور فتحي الفاضلي – حيث تضمن الكتاب نقداً شديداً للقومية العربية، مما جعل مضمونه مضاداً لمضمون خطاب النظام في الفترة التي صدر فيها الكتاب، والتي امتطي فيها النظام، صهوة القومية، لذلك اعتبر هذا الكتاب هو الكتاب المناسب للوقت المناسب.
وعندما هاجم النظام السنة النبوية، وانكر مكانتها في التشريع الإسلامي، احتل كتاب «إلغاء السنة النبوية في ليبيا.. رد وبيان» وكتاب «تجربة القذافي في إطار الموازين الإسلامية» ومذكرة «حزب التحرير» أهمية خاصة جداً، حيث بينت هذه الإصدارات تفاصيل ودقائق وطبيعة الهجمة التي شنها النظام علي السنة النبوية الشريفة، فتكون هذه الإصدارات قد عالجت مرحلة حساسة، وسدت ثغرة مهمة جداً في التجربة السياسية الليبية المعاصرة، كما غطت حلقة رئيسية من حلقات الصراع العقائدي في ليبيا.
ثم لعبت كتب أخري، ككتاب «ليبيا المنكوبة تحت سياط القذافي» لسعد بن خليفة (1979)، و«حقوق الإنسان والحريات الأساسية في جماهيرية القذافي» للمرحوم محمود نافع، دوراً رائداً في وصف الأحوال العامة التي مرت بها البلاد في الفترة المبكرة للانقلاب، فهي كتب قيمة لمن أراد أن يطلع علي أحوال البلاد في تلك الفترة، أو أراد أن يكتسب خلفية تاريخية خاصة عنها.
كما صدر كتاب «ملامح من تاريخ الحركة الطلابية الليبية» وقد نشر باسم «الطلاب الليبيين الديمقراطيين»، وقد تحدث هذا الكتاب عن التاريخ المعاصر للحركة الطلابية الليبية، خاصة منذ الانقلاب إلي عام 1977، وبتفاصيل دقيقة رائعة غطت وقائع مهمة، سرد أغلبها شهود عيان من الحركة الطلابية، عاصروا أحداث أعوام ما بين 1973 إلي 1977.
ونشرت بجانب ذلك كتباً أخري، وصفت الفوضي الأمنية التي مرت بها البلاد، خاصة ممارسات اللجان الثورية، وأجهزة المخابرات وصفاً دقيقاً، كما وصفت أجواء الرعب والإرهاب التي تعرض لها المواطن في ليبيا، خاصة في الفترة من أوائل الثمانينيات إلي أواخرها، ويأتي في هذا الصدد كتاب «نماذج من جرائم القذافي» الذي أصدرته «الحركة الوطنية الليبية»، الذي نشر في أوائل عام 1984، علي رأس الكتب التي تحدثت عن هذه الأمور.
ثم صدر كتاب «بذور الديمقراطية في ليبيا» للأستاذ محمود الناكوع (1989)، الذي ألقي الضوء علي أهم التفاعلات الثقافية والسياسية قبيل الانقلاب العسكري، وبعده بقليل، كما سلط الكتاب الضوء علي تجارب الديمقراطية في ليبيا.
وصدر كتاب «تأملات علي هامش العمل الوطني»، لـ «يحيي عبدالله»، وهو محاولة مبكرة جادة لتقييم وتوجيه مسيرة القوي السياسية الرافضة للنظام الحالي. كما وفقني الله سبحانه وتعالي إلي نشر كتابي «جذور الصراع في ليبيا» في 1992، الذي دار مضمونه، حول الإسلام والمسلمين في ليبيا، من قبيل الفتح الإسلامي حتي هذا العهد، بصورة مختصرة، حيث ضمنته جولات الصراع التي مر بها الإسلام والمسلمون، علي أرض ليبيا منذ الفتح الإسلامي إلي عام 1992.
اترك تعليقاً