كثير من الليبيين لا يزال يفضل التشبث بالوهم الديمقراطي وشعارات الثورة المجيدة والخارقة والمنقطعة النظير، والتي ألهمت وأبهرت العالم ولا يزالوا يكدسون أكواماً من الأحلام الوردية على أكتافهم وسط جحيم حقيقي يغضون عنه أبصارهم ويكتمون صرخات الألم من لسع نيرانه، ربما، خشية تحطم تلك الأوهام أوخشية شماتة الأعداء.
بكل بساطة ودون أي تردد يعلن السيد محمد المقريف رئيس البرلمان المستقيل بعد أن جرفه طوفان العزل، أن برلمانه الذي كان يرأسه كان يمارس طقوساً ديمقراطية وهمية، وأنه ونوابه كانوا يحتضنون جنيناً ميتاً اسمه “ديمقراطية”. ويصدرون قرارتهم تحت فوهات البنادق والمدافع وارهاب المليشيات القبلية والدينية.
ويدرك المقريف جيداً بأن تصريحه هذا يضع كل القرارت التي اتخذها هذا “البرلمان” موضع الشك والتساؤل حول مدى شرعيتها وقانونيتها. والذي جاء بعد مقال لنائبه “جمعة عتيقة” والذي أشار فيه بأن أي محامي صغير يمكنه الطعن بمشروعية تلك القرارات التي اتخذت تحت تهديد السلاح والتلويح بالقوة.
وأيضاً تصريحات النائب المستقيل حسن الأمين، والذي قال صراحة بأن ليبيا تحت سيطرة المليشيات المتطرفة والعصابات المسلحة وانها هي من تتحكم بصناعة القرار. والذي واجه موجة انتقادات عنيفة قبل أن يلحق به الآخرون مؤكدين ماجاء بتلك التصريحات وهذا اضافة الى توسلات وزير العدل المتتالية للمليشيات المسلحة بعدم الاعتداء والتطاول على السلطات القضائية المنتهكة من قبل المليشيات ولعل آخرها بعد حصار طويل لوزارته، اعتقال أحد رجال القضاء من قبل احدى المليشيات ورفضهم لدعوات السلطات القضائية ومناشدات وزير العدل بإطلاق سراحه…!
وأخير تأتي تصريحات المقريف لتكون المسمار الأخير في نعش “الديمقراطية المأمولة”. بعد تشكيكه بكل قرارات المؤتمر الوطني العام -الذي كان يرأسه- دون تخصيص ومن بينها بالطبع “قانون العزل” الذي اطاح بكل أحلامه التاريخية بالتربع على العرش الليبي.
والواضح من التوقيت المتأخر جداً لمثل هذه التصريحات انها أبدا لم تكن من أجل ليبيا، بل كانت رد فعل عنيف لصفعة العزل التي تلقاها، وقد قرر احراق الأخضر واليابس من بعده، انها مقامرة علنية بمصير الوطن، وليس هذا بغريب في ليبيا اليوم… فأغلب الساسة شعارهم أنا ومن بعدي الطوفان. وكما صرّح أحد زملائه من قبله فلتذهب ليبيا للجحيم أو – للهاوية حسب تعبيره – .
يبدو أن الجميع يحمل بذرة الاستبداد الذي لا يستسلم للزوال حتى يدمر كل شيء من بعده. وأن لا يغادر إلا بطلاً … في مشهد “هوليودي” يخرج فيه مختالاً، مزهواً بقوته من كومة الدخان والنار التي تلتهم كل شيء من خلفه … هكذا قرر المقريف بعد رحلة طويلة يصفها بـ “النضالية” ليعود الى دياره الأمريكية آمناً مطمئناً .. على أمل عودة قريبة. أو مكتفياً بجرعة السلطة لبضع اشهر بعد مسيرة انتظار طويل.
وليترك لليبيين تشييع جثمان “ديمقراطيتهم” الوليدة… وأن تبقى ليبيا جثه هامدة تنهشها العصابات والمليشيات بكل أنواعها مستلقية قرب اخواتها ممن تعاطين ذات الجرعة من وصفة “الدمقرطة” لتجاور العراق وافغانستان والصومال، وسوريا قريباً …
لا أفق لحل قريب في ليبيا … ولا جديد إلا تدفق سيل الاستقالات والفرار من “جحيم الثورة” والسلاح المنفلت ومن لم يجرفه طوفان العزل السياسي سيجرفه طوفان العزل القبلي والعرقي أو العزل الديني والمذهبي. ومن سلِم من هذا أو ذاك فلن يأمن الخطف أو قذيفة عمياء تنثر أشلاء جسده ليغادر الحياة معزولاً إلى الأبد.
وشكر الله سعي الجميع
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً