(الإعتراف بالحق فضيلة)
بداية لايسعنى إلا أن أترحم على رجال العهد الملكى الشرفاء برلمانيين فى مجلس الشيوخ ونواب وساسة وحكومات متعاقبة التى كانت تخضع لديمقراطية صادقة نزيهة ودستور صيغت مواده بكل أمانة وصدق إحتضن الليبيين جميعاً بمكوناتهم المتعددة ، فالخزى والعار على كل من تآمر على الوطن وسرق ذلك النظام العادل الديمقراطى بمساعدة (كمشة) من العسكريين الجهلة من أنصاف المتعلمين فى تلك الفترة ، تلك الجريمة التى لا زلنا نتجرع كأس المرارة بسببها وبسبب أفعال أولئك العسكر الشنيعة فى حق الوطن والذين كانوا دعماً لذلك الدكتاتور وإطالة عمره ، ولكن الله تعالى سريع العقاب والحساب فقد إنقلب عليهم وقام يتصفيتهم واحداُ بعد الآخر بعد أن لوّث أعراضهم وتاريخهم حتى جاءت ثورة فبراير إحدى ثورات الربيع العربى وألله يُمهل ولا يُهمل ويجعل لكل شيئاً سببا ولكننى أود القول!!
تحدثت مع أحد المُخضرمين فى التراث الشعبى والتاريخ الليبى القديم والمعاصر وهو رجل شاعر تجاوز العقد الثامن من العمر كان دائماً يحكى عن شبابه الذى عاش فيه (بالطول وبالعرض) حسب قوله فى نظام ديمقراطى برلمانى تسوده الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة والمحبة بين الناس والتراحم فيما بينهم ، وكان يقول يوم أن إستولى القذافى على الحكم فى 1969 وقام بخطف ليبيا من بين أيدى ساسة النظام الملكى نظام الإستقرار والتنمية إعتبرت نفسى فى حال ترقب وإنتظار لمعرفة ما يدبّره ذلك الحاكم العسكرى الجديد الذى إستولى على حكم ديمقراطى برلمانى على رأسه ملك صالح لم يُظلم عنده أحد.
وكنت أقول لابد أن هذا الحاكم سيقدم للشعب الليبى ما هو أفضل من تلك الدولة الملكية الديمقراطية البرلمانية ، ولكن بعد أن كشّر عن أنيابه فى سنة 1977م أيقتنت أن ليبيا راحت فى (داهيه) وإعتبرت نفسى إنتقلت إلى رحمة الله ولم أنهض من قبرى إلا فى 17 فبراير 2011م بعد أن سمعت هتاف الشعب الليبى (الشعب يريد إسقاط النظام) ففرحتى كانت فرحتين ، الأولى إعادة الحياة إلىّ مرة ثانية ، والثانية سقوط النظام الذى كان سبباً فى موتتى الأولى !!. كلام لا يصدر إلا عن حكيم له خبرة فى الحياة وشفافية فى الحديث والصدق مع النفس .
ويضيف .. ولكن بكل أسف وأنا أترقّب وإنتظر وأتابع فى كل صغيرة وكبيرة لم أشعر أبداً أن هؤلاء الحكام الجدد أو السياسين المؤقتين ثوار أو عسكريين أو مدنيين أو خبراء لديهم برنامج عمل وطنى من أجل الوطن فهمهم الأول (المناصب) وهمهم الثانى (المكاسب) وهمهم الثالث (أمنهم وسلامتهم) ولم يهمهم الشعب لا من قريب ولا من بعيد !! فمنهم من يحمل جوار سفر أجنبى فى جيبه ويمكنه أن يهرب عبر الحدود الغربية أو الشرقيه أو حتى بقارب عن طريق البحر مثل أصحاب الهجرة غير الشرعية عندما يشعر أن حياته وحياة أسرته فى خطر إذا كانت تُقيم معه فى ليبيا أصلاً ، أو حسابه المصرفى فى الخارج قد يتأثر من أى مُتغير جديد ،، وهنا قال ذلك الحكيم فى حسرة يبدوا أنه كُتب علىّ أن أموت مرة أخرى ولكن لم يعد فى العمر بقية لكى أسمع هتاف آخر من الشعب الليبى يقول (الشعب يريد إسقاط البلاعيط).
ثم تنهد وقال هناك غناوة علم تقول (خطّم جديد إعلقت فيه .. خطر قديم رديت لاورا) وهو يعنى بذلك أن هناك أمور إستجدت على الوطن وأيقضتنى من نومى العميق فقمت بمسايرتها لعلها تكون فى صالح شعبنا ومستقبله وما أجمل التضحيات فى سبيل الوطن للخلاص من الظلم والإستبداد ولكن للأسف لم تكن كذلك ، فربما إستبدلنا دكتاتوراً بمئات أشد منه وأنهينا ظلماً بظلم أكثر تطوراً ، وديكتاتورية أخرى تخطت كل الدكتاتوريات السابقة وأستبدلنا لصوصاً بشهادات عليا تخصصوا فى نهب المال العام والتزوير فى الأوراق الرسيمه ، ويقسموا عليها أنهم لم يروها وهى فى أيديهم.
مما جعلنى أرجع للخلف لأتذكر الماضى الذى ربما كان أقل نهباً وسرقة فمن كانوا يسرقون فى النظام السابق لا يملكون شهادات الدكتوراه ولذلك سرقاتهم محدودة بالآلاف أو مئات الآلاف، أما اليوم فالسرقات بالملايين والمليارات ، وربما كان النظام السابق أقل ظلماً وإستبداداً فالظلم والإستبداد والقهر والتعذيب فى السجون السرية الذى نشاهده عبر وسائل الإعلام على يد أشباه الثوار وغيرهم أشد وأقسى لأن من يُعذب ويخطف اليوم ناتج عن تصفية حسابات أو أحقاد شخصية دفينه مع العلم أنه يملك مئات الآلاف بل الملايين من خلال ما تحصل عليه من الجبهات من غنائم الحرب .
بينما من كان يُعذب فى ذلك النظام المُستبد مأمور من أجل الحفاظ على أسياده ومرتبه الذى يتقاضاه ، ولا شك أن الظلم والإستبداد والقهر يظل عملية نسبية ، فلم أشاهد فى حياتى التى قضيت عقود منها بعيداً منفرداً إستبداداً وقتلاً وخطفاً وتعذيياً وإعتداءاَ على الحرمات بهذا الشكل ، ونهباً للمال العام بهذه الطريقة وكأننا مُستعمرين لدولة ضعيفة غير دولتنا الحبيبة (ليبيا) أوإستأجرنا أرضاً نريد تفريغها من أهلها وثرواتها فى أقل وقت ممكن .
لقد بلغ السيل الزبا وطفح الكيل من ما نشاهده من الساسة الجدد فى ليبيا وتدنى خبرتهم فى العمل السياسى وإفسادهم فى المال العام وتآمر تكتلاتهم على بعضها البعض وهى التى إبتلانا بها الله ، وعدم قدرتهم على إنجاز أى شئ فيما يتطلع إليه المواطن الليبى فلا حرية ولا كرامة ولا أمن ولا أمان ، وجوه أغلبها وافده كنا نتوقع منها الخير وإذ بها عقدت العزم على النهب والسرقة والتطاول على المواطن وتأخير مدة مهمتهم إلى أبعد ما يكون حتى يضمنوا إنسياباً مستمراً من أموال الشعب الليبى فى جيوبهم وجيوب إيدولوجياتهم المشبوهة ، هذه الأمور أوصلت المواطن الليبى للمقاربة بما كان يحدث فى النظام السابق بالقول (فساد أهون من فساد وهذا يعنى أن فساد القذافى وأتباعه كان أقل بكثير من فساد هؤلاء (الجدد).
وأبناء ليبيا الذين لا يُخفون اليوم مدى إمتعاضهم ممن وصلوا إلى كراسى المؤتمر الوطنى (الذين لم يستحوا على وجوههم مناقشتهم فى أول إجتماع لهم المرتبات التى ستمنح لهم نظير خدمة وطنهم )، وكـأنهم فى بلد أجنبى يريدون تقديم خدمة له بمقابل .. أين الإنتماء الوطنى وأين الخجل ؟؟ !! وحكومة تكنوقراطية همها النسب المئوية والصفقات مع الشركات العالمية والتآمر على مشاريع التنمية.
فهل يرضى ألله سبحانه وتعالى الذى يقول فى كتابه العزيز (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) وقول سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً