صحيح كلنا على قناعة تامة بأنه إذا عرف السبب بطل العجب! إلا أننا اليوم وبعد الاشتباكات الأخيرة بطرابلس، مع منتصف شهر أغسطس الحالي، يتأكد لنا بأن مقود القيادة الكاملة في ليبيا لم تستلمه الحكومة الليبية بعد! ففي محاولة من الكاتب لمراجعة سريعة لما يحصل في ليبيا اليوم، يجد نفسه أمام عدة سيناريوهات بعد قراءة ضرورية لما حصل بالأمس البعيد القريب من 2011 إلى تاريخ اليوم، وربما هذا ما سيقودنا إلى مراجعة السؤال المهم جدا وهو: هل انتفاضة فبراير 2011 قرار ليبي؟ وهذا ما قد يعيننا على فهم ما يحصل اليوم! وستكون البداية بالسؤال المحير للبعض والملح لكثر: هل قرار نهاية القذافي أصدره الشعب الليبي أم بعض الشخصيات من القيادات الليبية التي شاركت في الانتفاضة؟ ليتنسى لنا معرفة من قرر الاشتباكات الأخيرة في طرابلس؟.
قرار انتفاضة فبراير 2011؟
بكل بساطة وصراحة الشعب الليبي لم ينتخب أو ينصب معمر القذافي قائداً للدولة الليبية، ولذلك بالتأكيد لا يملك أحد من أفراد الشعب الليبي قرار انتهاء صلاحيته بدورة انتخابية جديدة! أو إصدار التعليمات له بالتنحي والنزول من سدة الحكم؟ ولا حتى قرار اقتلاعه من جذور السلطة التي تغلغلت على أرض ليبيا! والواضح أن قرار اقتلاعه من جذوره كان لدول الحلفاء الأطلسي، وهذا لا ينفي أن انفجار الشعب الليبي، بعد الظلم والقهر والمعاناة لأربعة عقود، كان عاملاً مساعداً ومهماً في تصيد الفرصة وتنفيذ قرار الحلف الأطلسي. فانتفاضة الشعب الليبي فتحت الأبواب على مصرعيها لجميع مدافن أسرار القذافي، وأسرار ليبيا، ومخازن أسلحتها وأموالها بالداخل والخارج. بل مكنت لجميع أجهزت الاستخبارات العالمية من سبر أغوار نفوس الشعب الليبي المتعطشة لحرية التعبير من خلال استبياناتها وأنشطتها الاستقرائية وبواجهة مدنية “مجتمع مدني”! بل سمحت أيضاً الفوضى بالتعرف، وعن قرب، على جميع التشكيلات المسلحة التي أُسقطت الكتائب الأمنية، بمساعدة النيتو، التي صنعها القذافي، بعد تدمير الجيش الليبي، لحمايته الشخصية وضمان عدم قيام أي انقلاب عسكري عليه، واستمراريته في قمع وقهر الشعب الليبي.
الصراع الدولي وتقليص المجموعات المسلحة!
بالرغم من تدافع الدولة المتدخلة في ليبيا، مباشر أو من خلال فتح قنوات تواصل مع بعض المجموعات بدعمها بالأموال والأسلحة، وكذلك الشرعية، والتي منحها السيد/ د.مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي للجميع، والذي كان ضرورياً لمواجهة الكتائب الأمنية للقذافي. إلا أنه بالتأكيد لن ترضى أي دولة يهمها الشأن الليبي استمرار وجود تشكيلات مسلحة مختلفة، لذلك كان التوافق بين تلك الدول على تقليص عدد المجموعات المسلحة، وقد نجحت حكومة السراج في ذلك إلى حد معقول. مما ساعد على التآمر على الشعب الليبي ومنح الضوء الأخضر لقوات حفتر تساعده المرتزقة من مختلف الدول في الهجوم على طرابلس 4 أبريل 2019م. واستمر تقارب المصالح الدولية وتباعدها يدفع ثمنه المساكين من شباب ليبيا المنخرطين في تلك المجموعات المسلحة، التي دفعت لهم مرتبات مغرية، بعد إشعال وصناعة الحروب بينها. ولا يستغرب الكاتب هنا صناعة وخلق كراهية بعد استغلال الخلافات القديمة التي صنعها القذافي أو التي صنعها الاحتلال الإيطالي بين مجموعات الأمة الليبية، وكذلك دعم النقيض المتطرف: إسلامي وعلماني، وطني وحدوي وإقليمي فدرالي، مدني وبدوي، وعامي وأكاديمي، ومتوسط الحال وصحاب رأس مال، إضافة إلى تحويل اختلاف الانتساب للمناطق الجغرافية الشاسعة في ليبيا إلى دافع للصدام الحربي.
المستخلص من الحرب:
بالتأكيد قرار الحرب لم يكن عبثياً! فقرار الحرب كان لأحد مستفيد منه! وربما مستفيد من زعزعة الاستقرار وحركة البناء والعمران التي تشهدها طرابلس! وهنا لو سألنا أنفسنا هل يوجد مستفيد من أحد الطرفين المتقاتلين؟ فسنجد الإجابة بالتأكيد لا! ولذلك سيحاول الكاتب التكهن بمن هو المستفيد من الحرب؟ وهذه التكهنات قراءات، غير مؤكدة وظنية، تعتمد على خبرة الكاتب في متابعة الشأن الليبي بكتابة عديد المقالات، وعلى النحو التالي:
- لا يمكن أن يكون قرار الحرب من أحد الطرفين المتقاتلين وهما على قناعة تامة بأن الخاسر في ساحة الحرب والمتضرر منها: هم أهاليهم، وأصدقائهم، وجيرانهم. بل وقد يصل الموت وخراب البيوت لأقرب الأقارب لديهم.
- بالتأكيد إنهاء المجموعات المسلحة المتمكنة والتي لها نفوذ خارج سلطة الحكومة-الدولة ستكون أحد الأسباب الرئيسية للحرب، ونتمنى أن تعي هذه المجموعات بأن حتفها لن يكون بعيداً عن أحداث اليوم، ما لم تندمج بالكامل وبدون شروط داخل المؤسسة العسكرية أو الشرطية والانصياع والانطباط التام وفقاً للتراتبية المتعارف عليها.
- الانتخابات قد تكون مزعجة لبعض الأطراف الدولية، وترى فيها بعض الدول مغامرة قد تخسرها، وتفقد بخسارتها عملائها في الانتخابات ومصالحها، فعرقلة الانتخابات قد تمثل لها مكسب مضمون إلى حد ما.
- هناك انقلاب في النيجر وخسارة لفرنسا كبيرة بالدرجة الأولى في أفريقيا، فربما كانت الحرب لتبعد الانتباه والتركيز عما يحدث في النجير أو ما يخطط لتنفيذه في النيجر!
- شهر أغسطس ترصد فيه الميزانية في ليبيا وربما الدول المصنعة للأسلحة تريد أن تقضم قطعة كبيرة من مخصصات الميزانية فعوضاً أن تخصص للبناء والتنمية، تصرف على شراء الذخيرة، وآليات عسكرية جديدة، إضافة إلى الصرف على تنظيف مخلفات الحرب وعلى إعادة الإعمار وصحة الإنسان!
- من مخططات التقسيم التي تسعى لها بعض الدول العظمى لترضية بعضها البعض على حساب وحدة تراب ليبيا وثرواتها، فهل هذا يصب في مخططات الترضية ومحاولة تمكين لأطراف تخدم في هذا الاتجاه؟
كلمة أخيرة:
من وجهة نظر الكاتب بأن أزمة ليبيا تتطلب الوقوف عند جملتين مهمتين إلا وهما:
- سيناريو الخطف وقرار الحرب ليس ليبياً، وإن صدرت تعليماته داخلياً ونفذت بأيادي ليبية،
- نحتاج للوعي بواقع السياسة الدولية والعمل على تأمين مصالحها بدون أن تتعارض مع مصلحة ليبيا موحدة، وهنا لا ندري هل سيتقن الفاعلون الليبيون الدرس أم سيتم تقسيم ليبيا لكيانات قزمية بتبعية كاملة لدول خارجية؟
هناك مدبر حكيم أكبر من الجميع سبحانه وتعالى، نسأله ربي أن يبعد شبح الحرب والكرب، والتقسيم عن ليبيا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً