كلما أعدت تأمل ما كتب عن القذافي، وما نشر عن حقبته، في ضوء ما أعرف، وما يتحدث به شهود الحقبة السوداء، ينتابني شعور مزدوج يمتزج فيه استقلال، واستصغار، وحماس؛ استقلال (من القِلة) لما عرفه عموم الليبيين عن القذافي وجرائمه في حق الوطن والإنسان، واستصغار ما بذلناه لأجل التخلص من الطغيان، وحماس لتعضيد أي جهد لسد هاتين الفجوتين.
نعم قليل هو ما عرفه الليبيون عن حقبة القذافي السوداء، وعن فسادها الممنهج الذي طال كل شيء. لقد دمر القذافي ونظامه بناء الإنسان الليبي قيميا، بحيث تبدلت شخصيته [1]، في الغالب، إلى صفات خططت لها آلة القمع القذافية بعناية، ورصدت لها ثروات الشعب الليبي.
ونعم أيضا؛ قليل ما بذله الليبيون من دماء غالية وأوقات وأموال للتخلص من هذا المستبد، لم يترك له صاحب، فتنادوا لأسقاطه، سخرهم الله نعمة ونقمة. في النهاية سقط القذافي، أعتقد أن بركة إلهية حلت في كل مراحل إسقاطه، وإلا ما كان لها أن تزيح ما أزاحت، لحد الآن، من هذا الجبروت الناضح بالشر.
لن نعود للقيود
امتدت يد السفاحين قتلا وسفكا وتخريبا وحرقا إلى كل جسد وكل شبر في ليبيا وإلى كل قيمة وشرف، كانوا يتقربون إلى الزعيم الذي حبب إليه الفساد وجعلت قرة عينه في القتل والتشريد، إنك لتصاب بالغثيان وأنت تقرأ ما كتبه العارفون بالقذافي عن شذوذه وفساده الأخلاقي واغتصابه لبنات ليبيا وغيرهن … كان ثمة قوادات وقوادون وشواذ يسبحون بحمد قائدهم ويسارعون لتلبية شهواته ولو من أعراضهم، أما عرض الوطن فقد نهشته أنياب الشذوذ طيلة اثنين وأربعين عاما. أفسدوا الجامعات والمدارس والجيش والشرطة والخارجية وغيرها كثير، لكن الفساد الأكبر كان في إفساد القبيلة والأسرة والفرد. هذا قليل من كثير وغيض من فيض ذكر بالأسماء والشهود ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن كل من يحن إلى الاستبداد عليه أن يقلب صفحات الأيام ويجول بين رفوف الحقب، ليجد تاريخاً أسود لم يقتصر فيه الفساد على القائد، ولكنه امتد ليكون ثقافة وسلوكا ومنظومة أخلاقية سيئة، تنتظم القائد وأشخاصه وثقاته وأبناءه وأبناء أعوانه وعيونه، هم فاسدون مفسدون عاثوا في الأرض فساداً ينهبون المال العام بشكل سافر وفي سبيله سقط الشرف وديس العرض.
لقد كتبت عن تردي الوضع الاقتصادي والحالة الأمنية وضرورة التوصل إلى حل، ولكن لا ينبغي بحال أن يكون ذلك مقرونا بالعودة إلى حكم هؤلاء وبالتالي فقدان الحرية.
نعم تجمعنا المصالحة، لكنها مصالحة لا تعيدهم إلى الحكم ولا ترقيهم إلى مراقي التحكم في رقاب الناس، فيعيدوا الظلم كرة أخرى والبطش سيرته الأولى. ألا إننا لنكره أن يعودوا للحكم كما يكره الإنسان أن يعاد إلى النار بعد أن أنقذه الله منها.
لقد جمعني الله بأخ من دولة عربية تسير بلاده بخطى حثيثة نحو الاستبداد، لقد كان سقف حديثه يكاد ينحط على رأسه، خائفا يحسب لكل كلمة حسابها، يتكلم عن الاستدعاءات وعن تقلص مساحة الحرية في بلاده. قلت له لقد ذكرتني بالأيام الخوالي، أسأل الله ألا يعيدها علينا ولا عليكم ..لقد علمتني درسا لن أنساه ما دمت حياً.
لن نعود للقيود قد تحررنا وحررنا الوطن. أيها الشعب الليبي العظيم على اختلاف توجهه ومشاربه، لقد دفع شبابنا دماءهم الغالي من أجل أن نحيى أحراراً، فلا يجوز أن نستسلم لطاغية أو مغامر.
كلما حاول مستبد أن يعيدنا إلى القيود، كبلناه بها… يجب أن يكون مصير القائد – بغض النظر عن بشاعته، وقد كان يستحقه، في إطار غليان الثورة – نصب أعين كل طاغية مغامر يحاول أن يعيد الشعب إلى قيوده.
تخلصنا من الاستبداد، قطعنا أوصاله، وأدلنا دولته، وجرفنا بدماء الشهداء وأشلائهم قصوره.. لكن هناك محاولة جديدة من سكارى الحقبة القذافية تحاول أن تعيدنا إلى بيت الطاعة.. نجحت حتى الآن في إرجاع جزء من الوطن إلى الأغلال والقيود؛ فما قصة وتفاصيل هذه المحاولة، دعونا نستنطق التاريخ، نسترجع الذكرى، ونعد البصر كرة أو كرتين إلى حقائب التاريخ القريب.
فقد بدأت ليبيا تترسم طريقها الجديد، بعد إسقاط الاستبداد، وتشق سبل الأمل بين ركام عمره 42 سنة من الدمار والنهب وكتم أنفاس الحرية، وثمانية أشهر من اللهيب والدماء.
حصاد الأربعة عقود المر ألقى بظلاله على العقد الخامس من خلال الأجيال والعقول التي تربت في ظله. حكم فاسد بكل المقاييس، لكن الأمل يحدونا في غد أفضل.
في حقائب التاريخ
في حقائب التاريخ ورفوف الأيام عن ليبيا لمعات عاطرة ولمحات مشرقة، وأيام خوالد، قادها أجدادنا في الماضي وأبناؤهم في الحاضر. لعل من أبرز هذه الأيام المعاصرة، يوم 17 فبراير/2011م المجيد، الذي انطلق فيه شعاع ثورة ليبيا المجيدة. لم يكن الوصول إلى إسقاط هذا النظام مفروشا بالورود بل كان طريقا أشواكه الجماجم والرفات، ومهاده الدماء الزاكية التي سالت شلالاتها في كل حدب وصوب، قبل أن تقتلع القذافي في يوم 20/10/2011م. هذه الأيام ستكون ناقوس خطر غير قابل للنسيان لكل من يريد أن يعيد كرة الاستبداد. هذا الشعب عرف طريقه ولن يعود، بإذن الله إلى الاستبداد، وإن أعيد فسيسحق الطاغية كما فعل أول مرة.
في حقائب التاريخ أيضا إسناد أمر القيادة إلى المجلس الوطني الانتقالي المؤقت الذي سار بخطوات ضعيفة بين ذلك الركام المشتعل واستطاع تحقيق إنجازات مهمة، أصدر الإعلان الدستوري واستكمل التحرير، وأجرى العملية الانتخابية في آجالها ووفق آلياتها، وسلم السلطة.
انتقلت قيادة الشأن الليبي إلى المؤتمر الوطني العام في 8/8/2012م، كأعلى سلطة منتخبة بعد الثورة، لتسيير الفترة الانتقالية التي كان من المقرر أن يتم في عهدها كتابة الدستور الدائم للبلاد وانتخاب هيئات دائمة وإرساء النظام السياسي والإداري العام في ليبيا، لكن سهاما كثيرة وإرادات متعددة كانت للمؤتمر بالمرصاد، وبدأت طبول الثورة المضادة تدق نواقيس الحرب على أعلى وأهم هيئة منتخبة في ليبيا، كانت البداية من داخل المؤتمر بشل حركته وتشتيت قواه إلى تكتلات متوازنة، مدعومة من كتائب مسلحة وجيوش منتظمة، مدعومة ببقايا كتائب القذافي الذي تم إعادتهم للخدمة، حيث أنضوا تحت كتائب: الصواعق، القعقاع، المدني. وهنا التقت رغبة التأزيم الداخلية مع رغبة إقليمية دفعت بعض القوى الدولية إلى مد هذه الثورة المضادة بالمال والدعم العسكري والسياسي والإعلامي.
سرعان ما اشتد النزاع والتصارع داخل المؤتمر الوطني بعد إقرار قانون العزل السياسي فصارت الحرب علانية بين قوى الثورة والثورة المضادة وأخذت الدولة العميقة تنهش الوطن وتسحق بأنياب الفساد جسد المال العام وتعمل على إفساد الحياة السياسية وإعادة الأخلاق القذافية، إقصاء وفسادا ونهبا لخضراء الوطن إلى الواجهة ولقد كانت حكومة ( علي زيدان ) المدعومة بالكتائب سالفة الذكر أبرز مثال للإدارة الجائرة والسلطة الفاسدة، وكانت كل جهودها منصبة على إعادة ترسيخ النظام الاستبدادي وإخراجه للناس بثوب آخر، يدعمها في ذلك بعض الذين أثروا على حساب المواطن الليبي، وكانت منظومة الفساد والإفساد هذه تحلق بجناحي الإعلام الذي تموله قوى دولية، وأثرياء من الذين امتصوا عرق الشعب الليبي طيلة عقود[ 2].
ولم يكن ينقص هذه اللوحة القاتمة إلا أن تنطلق في المنطقة الشرقية (الهلال النفطي) مجموعات خارجة عن القانون بقيادة “إبراهيم الجضران” [3] فتعيث في الأرض فسادا وإرهابا وتتخذ من النفط الليبي تجارة خارج إدارة الدولة، وأرهق الخزينة العامة وأضاع على البلاد دخولا مهمة في وقت عصيب، ووصل الأمر إلى أن حمل قوات الجضران عصا الابتزاز على الدولة بعد أن شق عليها عصا الطاعة، ووضع يده على أموال هائلة [4] من عائدات النفط الذي يدعي أنها باعته بثمن بخس للراغبين.
ولم يكن النفط وحده هو ما بيع وما سرق في ليبيا، فقد بيعت من قبله كرامات وأقلام وضمائر وسرقت أحلام أمة وطموحات شعب وثورة وجهاد شعب وتضحية شهداء.
انقلاب 7/7
لا يعلم كثير من الليبيين تفاصيل الانقلاب الذي كان مخططا له يوم 7/7/2013م. كنا نسميها حرب الأيام الخمسة، كانت الأجواء مشحونة في تيار الثورة وكانت الثورة المضادة منتشية بما يحدث في مصر بعد مسرحية 30 يونيو، التي انتهت بإسقاط العسكر في مصر للرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي يوم الأربعاء 3 يوليو 2013م.. وفي يوم الخميس 4 يوليو علق تحالف القوى الوطنية مشاركته في المؤتمر [5] كخطوة أولى نحو انقلاب 7/7.
شكل حزب العدالة والبناء غرفة لمتابعة الأحداث المتسارعة في مكان بعيد عن مقاره مخافة أن يتم الهجوم عليها وهذا ما حصل لاحقاً [6]. رد حزب العدالة والبناء على خطوة التحالف بمناورة سياسية من العيار الثقيل يوم الجمعة 5 يوليو فأصدر بيانه الذي جمد فيه نشاطه في المؤتمر الوطني العام والحكومة ككيان سياسي ومنح الحرية لنوابه في المؤتمر العمل بكل إستقلالية كمستقلين [7].
خرجت سيول من البشر في مصر يوم الجمعة 5 يوليو، رافضة للانقلاب في مصر مما ألقى الوهن في الثورة المضادة في ليبيا مخافة أن يفشل انقلاب العسكر، مما جعل مؤتمر القبائل في الزنتان يولد ميتاً يوم السبت 6 يوليو 2013م.
جاء يوم الأحد 7/7، موعد الانقلاب، وقد أصاب الوهن المتآمرين من شبح فشل الانقلاب في مصر الذي كانت تخطط له نفس غرفة العمليات في الدول الإقليمية التي عكفت على القضاء على أمل الشعوب في نيل حريتها.
خرجت المظاهرات في طرابلس وبنغازي مؤيدة لشرعية المؤتمر الوطني العام بدلاً من خطط الانقلاب عليها وأصيبت الثورة المضادة بأولى انتكاساتها. كانت هناك قوائم معدة للقبض والاعتقال وكان خط الزمن داميا مروعا لو لم يدب الوهن في قلوب الذين تآمروا على وطن تتناهشه ذئاب الداخل والخارج.
كانت غرفة العمليات التي أقامتها دول المؤامرات تحتوي على نوع من البشر احترفوا التآمر ولم يكن ليفت في عضدهم فشل محاولة أو عشرات المحاولات، أو أن تزهق نفس أو نفوس، هدفهم معلوم ومحدد، وله رصدت الطاقات والإمكانيات والمليارات.
لا للتمديد المشبوه
نشط حراك ( لا للتمديد ) المدعوم من قبل غرفة العمليات الإقليمية وكتائب الصواعق والقعقاع، فقام الحراك (لا للتمديد) [8] بالضغط على المؤتمر الوطني العام لإنهاء مهامه قبل يوم7 فبراير 2014م بالمخالفة للإعلان الدستوري وبالمخالفة لرأي المكتب القانوني لمنظمة لأمم المتحدة.
وبرفض المؤتمر خلع ثوب الشرعية التي ألبسه الشعب، بدأ ليل الإرهاب والإنقلاب، يضم جناحيه على صدر بلاد الشهداء، وهنا أيضا بدأت تباشير فجر ليبيا تخرج من بين تلافيف الظلام.
استجابة المؤتمر للحراك
في ظل هذه الظروف استجاب المؤتمر بضغط من الأحزاب ومن بينها حزب العدالة والبناء من أجل استيعاب هذا الحراك. فصدر مقترح لجنة فبراير بتاريخ : 11 مارس 2014م ضمن التعديل الدستوري السابع حيث تم تقديمه كمشروع لتعديل دستوري يتضمن انتخابات رئاسية وبرلمانية، على أساس أن ينتخب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة، وهو ما واجه معارضة داخل المؤتمر الوطني، وأجل التصويت عليه وأدى إلى ترك ذلك لمجلس النواب القادم، وبذلك أصدر المؤتمر التعديل السابع والذي تنص الفقرة (11) منه على أنه:
“يعمل بمقـترح فبراير على أن يقوم مجلس النواب المنتخب بحسم مسألة انتخاب الرئيس المؤقت بنظام انتخاب مباشر أو غير مباشر خلال مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوما من عقد أول جلسة له” [9].
كانت هذه الفقرة قد عرضت للتصويت بجلسة 11 مارس 2014م ضمن بنود أخرى، وتم التصويت عليها وبهذا التصويت اعتمد مقترح لجنة فبراير بأجمعه، مما فتح الباب أمام طعن دستوري أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا لاحقاً.
بهذا التعديل أصبح مقترح فبراير جزءا من الإعلان الدستوري، وهو يمثل المرحلة الانتقالية الثالثة في ليبيا ولتنفيذ هذا المقترح أصدر المؤتمر الوطني العام القانون رقم 10 بشأن انتخابات مجلس النواب بتاريخ 30 مارس 2014م وحدد يوم 25 يونيو 2014م موعدا لإجراء هذه الانتخابات، وهو ما وقع بالفعل في صيف 2014م. [10]
خروج حفتر
لم تكتف غرفة العمليات بانتظار إجراء الانتخابات والإشراف على تزويرها بالمال الفاسد، ولكنها سعت إلى العمل العسكري المسلح.
لقد اتضح أن الثورة المضادة كانت تعمل على أكثر من صعيد، ففي هذه الأجواء، أعلن اللواء المتقاعد خليفة بلقاسم حفتر انقلابه على السلطة الدستورية في ليبيا متمردا على السلطة والإعلان الدستوري متخذا من المنطقة الشرقية منصة لإطلاق نيرانه على الدولة والشعب.
قام بانقلابه التلفزيوني في عيد الحب في 14 فبراير 2014م، على الشاشة الراعية لكبت الشعوب وخنق الحريات، ورد الجماهير إلى بيت الطاعة في القيود والأغلال.
أعلن حفتر عملية الكرامة وجعل من أعضاء المؤتمر الوطني العام أهدافا مشروعة. في شهر مايو من نفس السنة بدأت في المنطقة الغربية كتائب الصواعق والقعقاع والمدني، بإعلان بيان المشهور ببيان الخمس ساعات، وبدأت هذه الكتائب بإثارة الفوضى ونشر الرعب وقطع الطريق، ومهاجمة المقار والمؤسسات العمومية بما فيها المؤتمر الوطني وقيادة الأركان، إضافة إلى استغلال مطار طرابلس الدولي ومرفقاته في جلب السلاح وبقايا كتائب القذافي الذين هربوا وأعادوهم للخدمة، بل بلغ الوضع حدا لا يطاق ولم يعد في قوس الصبر منزع.
عملية الكرامة التي قادها اللواء المتقاعد خليفة بلقاسم حفتر، وما يسانده من إرهاب قامت به كتائب بقايا القذافي كانت وجها من أبشع أوجه الثورة المضادة وسعي القوى المرتبطة بالنظام البائد وبعض القوى الدولية إلى إعادة إنتاج نظام ديكتاتوري يعتمد الأخلاق القذافية معيارا للحكم وحاكما للتوجه.
فجر ليبيا
هنا بدأت الثورة تعيد تشكيل نفسها لمواجهة هذا الخطر، وبدأ التنسيق بين رئاسة المؤتمر الوطني ورئاسة الأركان العامة وكتائب الثوار المنضوية تحتها، لإطلاق عملية عسكرية واسعة باسم “فجر ليبيا” لردع الكتائب المارقة، وقد نالت هذه العملية مباركة وإقرار قطاعات واسعة في المنطقة الغربية، لمواجهة تحالف إجرامي شبيه بتحالف الحوثي وعلى عبد الله صالح في اليمن.
لقد كانت عملية فجر ليبيا عملية عسكرية تبناها المؤتمر الوطني العام تشريعا وتنفيذا، وكانت تحت المظلة القانونية والإدارية لقيادة الأركان التي تتبع قانونا للمؤتمر الوطني الذي يعد الجسم الشرعي الوحيد استناداً لحكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.
مجلس النواب
تم انتخاب مجلس النواب في 4 أغسطس 2014 وعقدت جلسته الافتتاحية بالمخالفة، ولم تتم عملية الاستلام والتسليم بالشكل المتعارف عليه. تقدم عضو منتخب من مجلس النواب وآخر من المؤتمر الوطني العام بطعنين إلى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، الأول بالمطالبة ببطلان الجلسة الأولى لمجلس النواب والجلسات التي تليها تحت رقم (16/61ق)، والثاني ببطلاب الفقرة (11) من التعديل السابع تحت رقم (17/61ق).
حجزت المحكمة يوم 6 نوفمبر 2014م للحكم وقضت في القضية الثانية رقم (17/61ق) ببطلان الفقرة (11) من التعديل السابع وكل الآثار المترتبة عليها، وقضت في الأول رقم (16/61ق) بانتهاء الخصومة استناداً على ما حكمت به في القضية رقم (17/61ق) وبالتالي بطلان الجلسة الأولى وما تلاها.
أصبح مجلس النواب من الناحية القانونية منعدما، ولكن هوى المجتمع الدولي ومصالحه التقت مع مجلس النواب فأصبح الجسم المعترف به دولياً ومكنوه من الجلوس على مقاعد ليبيا في المحافل الدولية ومكنوا السفراء الذين رشحهم.
لكن من يزرع الشوك يجني الجراح فقد صدم مجلس النواب المجتمع الدولي بأدائه المخزي ولم يكن المؤتمر ببعيد عن نفس الأداء؛ فلم يستخدم حكم المحكمة كجسر للحل بل صار كل حزب بما لديهم فرحون، وانقسمت البلاد على المستوى التشريعي والتنفيذي ولم يسلم من هذا الانقسام إلا القضاء ووسائل الاتصال والكهرباء ومصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط وبعض المؤسسات الأخرى.
لم يحاول المنعدم ولا المنتهية ولايته كما يحلو لكل فريق أن يسمي الآخر في البحث عن حلول للأزمة بل عمد كل فريق إلى تسعيرها وصب زيوت كثيرة على نيران الخلاف المتفاقم.
الحوار
في البداية حاول رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الدكتور طارق متري وأفشل [11] مسعاه ثم حاول الإسباني المراوغ برنادينو ليون الذي كشفت صحيفة الجارديان [12] محاولاته لمناصرة غرفة العمليات وما تريد. نجح أعضاء المؤتمر في تحقيق نجاحات باهرة في فتح المسودة مرات عديدة وإدخال تعديلات عليها وساعد في ذلك مرونة امحمد شعيب، رئيس وفد مجلس النواب، ولكن سياسة الغياب التي انتهجها المؤتمر الوطني العام أضاعت العديد من الفرص الثمينة.
وفي نهاية المطاف نجح الليبيون [13] في توقيع الاتفاق السياسي في الصخيرات المغربية، بعد حوالي 14 شهرا يوم 17 ديسمبر 2015، وما زال تطبيقه يتأرجح بين دوافع أطرافه ورعاته، ورغباتهم في إنجاحه.
الحوار لا يجوز أن يعني العودة إلى القيود ولكن مقتضاه أن: نجلس.. نتفاهم باللسان لا بالسنان وأن تكون الأيدي على أقلام الحوار لا على الزناد… الثوار عليهم تسليم سلاحهم ولكن لأنفسهم وهم قد أصبحوا جزءً لا يتجزأ من المؤسسات العسكرية والأمنية.
لا يجوز بحال أن يعود الاستبداد ويجب أن نضع أرواحنا على أكفنا، من أجل ألا يعود الاستبداد مرة أخرى، وأن على هذا الشعب الذي ضحى وما زال، أن يكون على استعداد على الدوام للتضحية من أجل أن يعيش حراً. تلك هي حصيلة الخمس الشداد المليئة بالتضحيات، كان حصادها عسلا مرا، ولكن كلي أمل أن يغاث الناس هذا العام.
ولأن كلي أمل في ذلك، فكلي أيضا ثقة في أن هدف الشعب في حريته وكرامته ووحدة أراضيه قريب ميسور، تدفعني إلى ذلك سجلات التاريخ المكتنزة بقصص النجاح للشعوب التي آمنت بقدرتها على التغيير وبناء غد كريم وأحسنت قراءة ماضيها ومنعت أوباش الديكتاتورية من أن يتسلقوا جدران حكمها وشأنها العام.
——————————————————————————————
[1] حاول أستاذ علم الاجتماعي بجامعة منوبة التونسية رصد آثار نظام القذافي على الشخصية الليبية في دراسته الصغيرة نسبيا: الشخصية الليبية.. ثالوث القبيلة والغنيمة والغلبة، الذي صدر عن الدار المتوسطية للكتاب سنة 2104، ورغم الجهد الذي بذله الكاتب لم تخل دراسته من نواقص. أسأل الله أن يعين على إنجاز بحث علمي عن الشخصية الليبية.
[2] إعلام الفوضى وتحكم المسلحين
[3] كان إبراهيم جضران المنحدر من مدينة اجدابيا بالشرق الليبي آمرا لكتيبة انضمت إلى حرس المنشآت النفطية بعد الثورة.
[4] http://www.alwasat.ly/ar/news/libya/2349/
[5] http://www.alaan.tv/news/world-news/17386/national-forces-partially-suspend-participation-libya-national-congress
[6] http://arabic.news.cn/arabic/2013-07/29/c_132584131.htm
[7] http://bit.ly/1LUyk5h
[8] لا للتمديد بليبيا وجدل المراحل الانتقالية والرئاسة ..الجزيرة نت
[9] عادل عبد الحفيظ كندير: تعليق على الطعن الدستوري رقم 17… والنتائج المترتبة عليه http://www.libya-al-mostakbal.org/news/clicked/58677
[10] المصدر السابق
[11] تحدث متري، وهو الدبلوماسي الليبي الذي قاد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا سنتين، عن محاولاته باستفاضة في كتابه: مسالك وعرة.. سنتان في ليبيا ومن أجلها، دار رياض الريس، بيروت 2015.
[12] راجع نشرت الصحيفة البريطانية ذائعة الصيت مراسلات ليون مع حكام الإمارات على دفعتين، وقبل أن يتنحى عن رئاسة البعثة الأممية أعلن عن توليه رئاسة الأكاديمية الدبلوماسية الإماراتية.
[13] وقع الاتفاق أعضاء من المؤتمر الوطني العام يقودهم نائب رئيسه صالح المخزوم، وأعضاء من البرلمان يقودهم النائب محمد شعيب، دون أن توافق رئاستا الهيأتين على الاتفاق، والتوقيع. وسيجد القارئ في ثنايا هذا الكتاب تفاصيل كثيرة عن الاتفاق، وعقبات تنفيذه، وفرص نجاحه.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
العنوان غلط لذلك لم اقراه المكتوب يبان من عنوانه الشدائد التى حددتها فى 5 مرحلتها لم تبدا بعد وقد تستمر لاربعون سنه قادمه يا ولد القحبه
والدليل على ما قلت مئات الملايين التي سرقت منا نحن الليبيين بعد فبراير ..
المال يتكلم ويكتب ويكذب …
حسابك عسير امام احكم الحاكمين ..
لا تنه عن خلق وتأتي مثله بل اضعافه … عار عليك كما فعلت .. فهو عظيم ..
“كلما حاول مستبد أن يعيدنا إلى القيود، كبلناه بها… يجب أن يكون مصير القائد – بغض النظر عن بشاعته، وقد كان يستحقه، في إطار غليان الثورة – نصب أعين كل طاغية مغامر يحاول أن يعيد الشعب إلى قيوده.”
هل تعلم بأنّ أكثر من ثلاثة ارباع الشعب الليبي يعتبرونكم طغاة ولو أنها بنكهة جديدة ,وأن اغلب الليبيين لن تنطلي عليهم هذه الخدع فقد عاصروا ثلاثة انظمة , لا يرونكم سوى طغاة في بداية التكوين ,وأنت الان بحكم المسؤولية ولو جزئياً ,عن كل ما يقترف في حق الشعب الليبي من تدهور للحالة الاقتصادية والصحية والسياسية والاجتماعية والسيادية .
فهل استعبرت انت من هذا المصير قبل أنْ تجعله عبرة لغيرك مع أنَّ الان لاوجود لطواغيت غيركم يا سيادة المنظّر.
وعليك أنْ تضع في اعتبارك ماذا فعل القذافي وماذا فعلتم أنتم بليبيا وكيف سيكون القصاص وعلى درجة مقياس مصير القائد الطاغية.