المتفائلون تتراقص أحلامهم بين أعينهم ناظرة للاستقرار الموعود، الذي لم يساهموا حتى بوقفة احتجاجية مشرفة من أجل هكذا حلم حيوي ونبيل، الأحلام بنيت على شفا جرف هار؛ مفادها أن المغتصبون للسلطة قد تزاوجت مصالحهم بتبريكات مصرية وتركية للوصول إلى طبخة جديدة قد ينتج عنها تغيير للحكومات، وبعد سنوات قد تؤول إلى انتخابات، وبين هذا وذاك؛ ينسي الحالمون أحلامهم أو تنتهي أعمار المغتصبين.
أما الحالمون الأكثر شطارة فيقولون أن زيارة وليام جوزيف بيرنز مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية فهي الأكبر والأكثر أهمية، وهي التي ستقلب الموازين، نعم هذا الرجل محنك، دبلوماسي لأكثر من ثلاثة وثلاثين سنة، يجيد اللغة الروسية والعربية والفرنسية، وسفير سابق في عدة دول منها روسيا، والأكثر أهمية أنه يعرف العرب أكثر من أنفسهم كمدير لمؤسسة كارنيغي للسلام، رغم ذلك للوكالة محدداتها.
الإدارة المصرية لا تريد حلاً للمشكلة الليبية خارج نطاق مصالحها، وهو إعادة لسيناريو مصر عام 1948م حين طالبت بالوصاية على ليبيا ولا تريد استقلالها، والهدف المعلن استحواذ مصر على ترسية مشروعات الأعمار على الشركات المصرية إضافة إلى تشغيل أكثر من مليوني عاطل بعد أن أصبحت دولة عاجزة عن توفير رغيف الخبز لسكانها.
أما تركيا فهمها الشاغل الإبقاء على الاتفاقية البحرية بينها وبين ليبيا، والذي أخرجها من عزلة مجموعة مصدري الغاز بشرق المتوسط، وفتح لها باب من الموارد النفطية في المنطقة الاقتصادية المقابلة لأراضيها، إضافة إلى استمرار عقود المشروعات وتقاسم النفوذ، واسترجاع الديون على الحكومة الليبية في العهد السابق.
أمريكا منذ سنوات لم تتدخل في الشأن الليبي، وجعلت الأوروبيين هم من يتولى أمرها، رغم تواجد الأفريكوم على حدود الدولة واستشعار الخطر الروسي والتوغل الصيني في القارة السمراء وعلى القرب من القواعد الأمريكية جنوب أوروبا.
زيارة وليام بيرنز بديلا عن وزير الخارجية الأمريكية تعطي دلالة أن الأمر أمني على أعلى مستوى وأن الحوار أوامر تسمع فتطاع وليست قابلة للنقاش، للأسف لم يتم تسريب أي تصريح أو تلميح من واشنطن بالخصوص، وبقيت تغريدة الدبيبة المصدر الرسمي للقاء، والتي لم تتحدث سوى عن التعاون الأمني والاقتصادي.
ما يمكن الإشارة إليه أن سياسة وكالة الاستخبارات الأمريكية ثابتة ولا تتغير بتغيير الحكومات وهي التي تضع المحافظة على مصالح أمريكا في المقدمة، وعلاقة الوكالة بليبيا لا تعدو أن تكون رسالة إلى الدبيبة بأن يتم تسليم بقية قوائم المطلوبين من النظام السابق والمتهمين بتفجير الطائرة بان أمريكا 103 فوق لوكربي عام 1988م واللذين أفصح عنهم أبوعجيلة المريمي خلال محاكمته، وأن على الدبيبة التعاون مع مندوب أمريكا لدى ليبيا بخصوص الوضع السياسي، (للعلم في مقابلة للدبيبة مع إذاعة تونسية أفاد الدبيبة والمذيع أن أبوعجيلة تونسي الأصل، وهو ما يكرس فكرة تجنيد العائدين من المهجر للمهام القذرة في العهد السابق).
أما الاجتماع الأكثر أهمية والذي لم يتجاوز خمسة عشرة دقيقة فقد كان مع قائد الجيش خليفة حفتر، فهو ابن الوكالة وحامل لجواز أمريكي، والأمر المبلغ عنه أن لا يفكر في قفل أي حقول نفطية، وأن يقوم بتسريح المرتزقة الأفارقة وأن يعيد النظر في علاقاته مع الفاغنر الروسية، وأخيرا عدم الذهاب إلى أي حلول فردية بإعلان حكومة عسكرية في الشرق أو الانفصال مهما كانت الظروف.
خلاصة القول لا يمكن التعويل على مصر أو تركيا أو أمريكا للوصول إلى الاستقرار رغم الاستفادة من تقاطع المصالح، وأن المستقبل لا تصنعه سوى الشعوب الحية بقيادة نخبوية راشدة، للأسف أصاب النخبة ما أصاب السياسيين؛ فتفرقهم عن علم أن الغنائم الموعودة لا تتسع لهكذا تشرذم، أما النواب وأعضاء الحكومات بأنواعها فيجرها تعاظم النهم والاستحواذ الذي يجعلها متمسكة بالكراسي حتى لحظة دخولهم اللحود.
الوضع الحالي يتحتم استخدام المؤسسات الأقل شرا وضررا واستقطابا للتخلص من بعبع المتطفلين والمترممين والمتاجرين بالأكفان منذ أمد طويل، لا شك أن الرئاسي هو المرشح لخوض غمار تصفية المؤسسات فاقدة الشرعية والمشروعية، رغم ضعفه وانعدام الرؤية لديه، ولكنه بمساعدة القوى الحية يمكن أن يحدث فارقاً، فهو القارب الذي يعبر بالليبيين إلى الضفة الأخرى من النهر، وعندها ينتهي تجبر التماسيح، حيث يكون هناك انتخابات وتجديد للشرعية، وفي الأثر أن الاسكندر المقدوني مات من لسعة البعوض.
قوة الرئاسي ومعه القوى الحية، تأتي من نُبل الهدف الذي قد لا يتحقق إلا بإصدار مراسيم رئاسية تُنهي مجلس النواب (وهو المشتت جغرافيا وعقليا) ومجلس الدولة الذي لا يمانع الكثير من الخيرين فيه بالاستقالة، ومن لا يحترم نفسه أقيل بمراسيم تعطيليه، أما الحكومات فإزالتها تحصيل لحاصل، فهي من أثار العدوان الغاشم من مجلسي النواب والدولة.
بقي الدور المهم للجموع التي يجب أن تنزل للشوارع لقول كلمتها، وليس أن تنتظر جلادين وفاسدين وتجار حروب يتناوبون على حكمها ليسلبوا خيراتها ويتلذذوا بعذابات الفقراء والمحتاجين والأيتام والمرضى والذين فقدوا فلذات أكبادهم في سبيل هذا الوطن على مر العصور، مصداقا لقول العلي العظيم: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً