يقبل لبنان في الأسابيع المقبلة على فراغ كبير في مناصب عدة، فيما يبقى شغور رئاسة الجمهورية، وإمساك حكومة تصريف الأعمال بممارسة غير دستورية، هو الحدث الأبرز الذي يدل على عقم الطبقة السياسية، وعدم أداء المؤسسات واجبها وفقا لما هو منصوص عليه في الدستور، وبالتالي فإن المخاطر تزداد حيال تفكك المؤسسات، وإن الخلل يكبر في ما يتعلق بتوزيع وظائف الفئة الأولى على الطوائف، وهذا بحد ذاته يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الفوضى، وربما مواجهات مسلحة.
صحيح أن بعد “اتفاق الطائف” كثر الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية، والحكومة، ومرد ذلك إلى عدم ملاحظة أن ضرورة التوزان في المؤسسات قبل انتخاب مجلس نيابي لا طائفي، وهو العائق الذي تستثمره القوى السياسية المختلفة، وأصحاب النفوذ في إطالة المحاصصة الطائفية لأنه الاستثمار الأمثل لهم، خصوصا في ظل عدم وجود مشروع دولة، والحكم بردات فعل محكومة بالكيدية.
فبعد شغور منصب قائد الأمن العام، شغر منصب رئيس الأركان في قيادة الجيش، ولاحقا ستكون مؤسسة قوى الداخلي بلا قائد، بسبب قرب تقاعد قائدها، وآخر الشهر الجاري سيكون مصرف لبنان المركزي من دون حاكم، وبعدها قيادة الجيش بلا قائد، فيما لا تلوح في الأفق أي تسوية تأتي برئيس للجمهورية ينهي الفراغ الكبير في المؤسسات.
المشكلة الأساسية اليوم، هي أن مجلس الوزراء يمارس صلاحيات غير دستورية، فيما هو يصرف الأعمال العاجلة فقط، بينما مجلس النواب يشرع أيضا في مشهد غرائبي، أقل ما يقال فيه إن البلد يبدو أنه غير محكوم من أحد، وهذا في حد ذاته يشير إلى الاستهانة بالمؤسسات كافة، ما يفاقم الأزمة المعيشية والاقتصادية في ظل غياب أي خطة إنعاش.
هذا الفلتان يترجم على الأرض زيادة في الجرائم، وكذلك الافلات من العقاب، وتفشي ظاهرة الابتزاز واللصوصية، وعدم التزام القانون، وبالتالي فإن كل هذا يرسخ شريعة الغاب، بينما لا تستطيع الأجهزة الأمنية ممارسة دورها بسبب عدم وجود موزانة تكفيها، ومن الغرائب أن المحكمة العسكرية عاقبت جنديا بسبب البحث عن بقايا طعام في حاوية نفايات، لأن راتبه لا يكفيه هو وأسرته.
ما ينتظره اللبنانيون اليوم معجزة، وليس حلا لأزمة يبدو أنها طويلة، في ظل توزان قوة الأطراف السياسية في مجلس النواب، فيما تراهن هي على تدخل من الخارج، أو بمعنى آخر وصاية تُحافظ على مصالحها ومصالح الطبقة السياسية والمالية والاقتصادية المتحكمة بالبلد، وهذا يبدو بعيد المنال لأن الدول الفاعلة منشغلة بهمومها ومشكلاتها، ولبنان مجرد تفصيل ثانوي في اللعبة الإستراتيجية، ما يعني أن على اللبنانيين تحمل مسؤولية أنفسهم والبحث عن مخرج لأزمتهم.
هذا الأمر من الصعب حدوثه في بلد يرى فيه كل مسؤول أنه الحاكم بأمره، وكل قوة سياسية احتكرت مؤسسة ما، وفي زمن لم تعد هناك معجزات فإن المزيد من الفراغ والفوضى سيشهدهما لبنان المبتلي بطبقة سياسية مراهقة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً