تمر علينا ذكرى يوم العمال 1 مايو، أو يوم العمل كما يفضل أن يسميها البعض، لنتذكر أن للعمال حقوق يجب إلا نتهاون فيها. إلا أننا في ليبيا يغيب عنا مصطلح العمل لنمعن في البعد عن العمل ونحن ما أحوجنا في الظروف الراهنة للعمل ولخدمة ليبيا. نحتفي بذكرى العمال بعد أن مُسح من قاموس حياتنا العمل والعمال بفضل ثورة “الفاتح” التي حولتنا من عمال نكدح ونعمل في مزارعنا، وورشنا، ومصانعنا الخاصة والعامة قبل 1969م حيث كانت نسبة مساهمة العمال الليبيين/ات في القطاع الخاص تقدر بحوالي 80% بينما لا يتجاوز في القطاع الحكومي 20%. بالفعل تحول غالبية الشعب الليبي بعد سبتمبر 1969م إلى شركاء في نسبة ضئيلة من مدخولنا الريعي النفط الذي أمتلكه معمر وعائلته. لقد تحول المجتمع الليبي، وإلى اليوم، إلى متسول عند أبواب حكومة الجماهير الشعبية الذين يتقاضون أجورهم من دولة الجماهيرية “دولة الحقراء” ولو أدعى البعض منهم أنهم رجال أعمال وأصحاب تجارة ومصانع!
التاريخ الدموي لعيد العمال
كان مؤتمر برلين في 1884 والذي دعت له ألمانيا والبرتغال وعمل على تنظيمه السيد/ أتون فون مستشار ألمانيا والذي قُسمت فيه أفريقيا بين الدول الأوروبية الغربية، بعد حوالي سنة، حيث اعتبرت أفريقيا مصدراً للثروات الطبيعية واليد العاملة الرخيصة “عبيد”، وكان على الطرف الأخر من المحيط الأطلسي غرباً رفض لاستغلال اليد العاملة في هايماركت بشيكاغو في 4 مايو 1886 فقد تحولت مطالبات العمال بحقوقهم إلى شغب وعنف وموت لبعض أفراد الشرطة الذين حاولوا وقف غضب العمال وتجاوزوا حدود السيطرة ليمارسوا القمع. بل اتُهم بعض قادة العمال النقابيين بقتل الشرطة مما سبب في إعدام أربعة منهم.
عيد عمال بدون عمل
من بعد تحول المجتمع الليبي إلى شركاء في مصدر الثروة، والكذبة الكبرى الشعب يحكم نفسه بنفسه إلى اليوم، والنفاق الأكبر الشعب يملك السلطة والثروة والسلاح وصدقت مقولة “القائد الملهم” بعد موته شر ميتات! فلم يعد هناك دافع للعمل من تاريخ الجماهيرية إلى اليوم. فنحن نعيش العطلة من يوم ملكنا الثروة وصار دوامنا الرسمي ليس للعمل أو الإنتاج بل لانتهاز الفرصة لكسب إضافي أو التسجيل في لجنة أو صرف فواتير وعقود مزورة! والبركة في الأجانب من ربوع أفريقيا والعالم شيالين هم الخدمة على رؤوسهم! الليبي وبنسبة الأغلبية هو السيد حيث يتفاخر بأنه لا يعمل والليبية السيدة لا تتحمل أدنى المسؤوليات في العمل والأمومة، فالكثير منهن يتعففن حتى من مسؤولية تربية أطفالهن فتوكل المرأة الليبية، نقصد البعض منهن، بتفاخر تربية أطفالها لأجنبية تحمل عنها طفلها وترعاه لتجد وقت للفيسبوك، والانستغرام وأخر المسلسلات الأجنبية!!!
في ليبيا اليوم نعيش العطلة ونتفاخر بإدخال الأجانب عمال وعاملات لبيوتنا ومؤسساتنا، ونلعن الدولار وغياب العدل في توزيع الثروة أسوة بأعضاء الرئاسي والبرلمان ومجلس الدولة ووزراء الحكومة! نهرول إلى المساجد، بكامل اكسسوارات الشكل الوهابي، ونعطل أعمال وظائفنا فالراتب مضمون، ونتزاحم على السفر إلى السعودية بحجة العمرة ونضرب بعرض الحائط مهام بناء بلادنا فقرارات مهام السفر تغطي كل تقصيرينا. وننسى أن ديننا يحثنا على العمل ورب العزة ينادينا “وقل أعملوا” بل يسرد علينا قصص الأنبياء العمال الذين كان منهم النجار، والحداد، والتاجر، وراعي الغنم، والمدير المالي، وغيرهم فأين هؤلاء المتأسلمون من ديننا الحنيف والحرص على العمل بإخلاص، والابتعاد عن الغش الذي بات مقبولاً عند الأغلبية من المتأسلمون شكلاً وليس مضموناً.
غياب العمل في غزة
يُحرم أهلنا في غزة من العمل باستصلاح أرضهم وتطيرها من دنس الصهاينة، ويمنع أهل غزة اليوم من العمل على إعادة بناء الدمار الذي لحق ببيوتهم التي قصفتها عصابة المحتلين الصهاينة بطائراتهم الملعونة، وبلا هوادة، لتقل أطفالهم ونسائهم وشيوخهم وشبابهم وتتعطل كل الأعمال ولا يبقى للعمال مكان على أرضهم المدمرة والمجرفة بجرافات مليشيات الصهاينة الأوغاد. في عيد العمال لا مكان للعامل الفلسطيني، بل هو تعطيل كامل لجميع الأعمال في غزة. فهل سيتذكر عمال العالم بأن عصابات الصهاينة تعطل العمل في غزة؟! وهل سيستنكر عمال العالم تعطيل الأعمال الذي تجره عصابات الصهاينة على أهلنا في غزة باعتداءاتها المستمرة بالطيران، والذبابات، ومن ورائهم الجرافات. لك الله يا غزة.
العطلة وأكل الزقوم
عيد العمال لتأكيد حقوق العمال ورفض استغلالهم كعبيد قرارات مؤتمر برلين في 1884 التي استعبدت أفريقيا بأكملها. في عيد العمال كانت التظاهرة الكبيرة التي طالب فيها عمال هايماركت بشيكاغو في عام 1886 بحقوقهم في ألا تتجاوز ساعات العمل ثمانية (8) ساعات يومياً، والذي تعارفنا عليه اليوم بساعات الدوام الرسمي التي هي كلام فاضي تردده شفاه الشعب الليبي بدون العمل على تطبيقه، إلا من القلة القليلة ممن رحم ربي. فعوضاً عن العمل 8 ساعات الدوام في اليوم الواحد تحولت إلى العمل لمدة 8 ساعات في الأسبوع أو الشهر الواحد، وعند البعض تكون 8 ساعات الدوام خلال سنة بأكملها أو حتى لعدة سنوات وخاصة لمن هربوا خارج الوطن ومرتباتهم مستمرة، وبعلم الأجهزة الرقابية، إلى اليوم من داخل خزينة الوطن. الجميع في ليبيا يتقاضى المرتب كاملا وعلى اعتبار أنه/أ يداوم في العمل 8 ساعات والحقيقة مُرة والزقوم هو المستشري اليوم ونتفلسف ونتشدق ونحلل للبحث عن مكامن الضعف، وحالة التردي التي نعيشها اليوم ونعطل أيضاً في عيد العمال.
سؤال مهم من شاب ليبي؟
سألني شباب ظريف قبل عدة أيام “أمت إيصير منها ليبيا”؟ فكانت إجابتي عندما يختفي الأجانب والأجنبيات من بيوتنا، ويقل تواجدهم بمزارعنا، ومصانعنا، ومتاجرنا، وورشنا، أو بالأحرى يقنن وينظم وجود الأجانب ببلادنا، مع ضمان حقوقهم الكاملة، ويرجع الشعب الليبي لرشده ويعمل ليأكل من عرق جبينه، ويرفض التسول من الدولة، أو العيش بالتزوير والغش كما نعيش اليوم. حصير من ليبيا عندما يختفي المتسولين من الأطفال والنساء الشابات، القنابل الموقوتة التي ستنفجر علينا بانتكاسات اجتماعية وربما سياسية، حول المطبات وتحت نظر الشرطة والأمن الليبي. ليبيا حصير منها عندما ترجع المعلمة لرشدها وترفض الغش المستشري اليوم كالنار في الهشيم بين أطفالنا ومربيات أجليالنا، وتعمل ربات البيوت الشابة بتحمل مسؤولية تربية أطفالهن، ووقف مهزلة التفاخر بمربيات أجنبيات يحملن على اكتافهن أطفالهن بالأسواق والمطاعم، والمنتزهات. نعم عندما يقدس الشعب الليبي العمل، ونراه يحتفل بإنجازات عمله، سيكون لعيد العمال معنى وللعطلة طعم أفضل من اليوم.. ولنمتثل لقول الباري عز وجل “وقل اعملوا”.. اللهم أعنا على أن نعمل عملاً صالحاً ترضاه يا رب العالمين آمين.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً