هل ستهاجم إيران إسرائيل؟ هذا السؤال كان الأكثر تداولا على الإطلاق في الأوساط السياسية والإعلامية أمس الجمعة، حيث ترقبت إسرائيل بقلق هجوما من جانب إيران أو حلفائها، مع تزايد التحذيرات من رد انتقامي على مهاجمة القنصلية الإيرانية في دمشق الأسبوع الماضي.
الجواب الانفعالي على سؤال الأمس، يقول إن إيران ستتضرب، وأنها محرجة جدا وعليها أن تظهر قوتها أخيرا بعد عشرات الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت نقاطا إيرانية في سوريا ولبنان، لكن ماذا لو فكرنا بطريقة أخرى، ماذا ستربح إيران إذا هاجمت إسرائيل و ماذا ستكسب؟.
تعلم إيران أن إسرائيل اتخذت من الحرب في قطاع غزة ذريعة لجذبها إلى نزال مع الولايات المتحدة، ويعلم المقربون من دوائر الحكومة الإسرائيلية، أن بنيامين نتانياهو يرى الآن الفرصة سانحة لمشاهدة نزال من الوزن الثقيل طالما ارادته إسرائيل وتمنعت عنه أمريكا، فالحسابات الأمنية الإسرائيلية لا تنطبق على الحسابات الجيوسياسية الأمريكية.
حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1996 إلى اليوم إقناع الإدارات الأمريكية المتعاقبة بتوجيه ضربة لإيران، لكن الجواب الأمريكي كان دائما “لا” لن نفعلها، لماذا لأن إيران ببساطة ضرورة للمشروع الأمريكي في المنطقة، ولايمكن أن تستمر الصراعات الإقليمية على شكلها الحالي في حال تراجع الوجود الإيراني المضبوط بدقة “أمريكيا” و الذي تراه واشنطن تحت السيطرة في حين تخشاه إسرائيل التي لاتملك أي عمق يتحمل حربا مفتوحة مع قوة عسكرية حقيقية وليست مليشيا.
تعلم إيران أن بإمكانها توجيه ضربة لإسرائيل، ولديها خيارات محدودة، ضربات بالوكالة عبر “حزب الله ، الحوثيين”، أو ربما بشكل مباشر عبر قواعدها في سوريا، لكن إيران التي بنت مشروعا عسكريا في المنطقة يمتد من طهران إلى غزة مرورا ببغداد و دمشق و بيروت و صنعاء، تدرك أن الاشتباك المباشر مع إسرائيل الآن يعني بالضرورة اشتباكا مباشرا مع أمريكا وهذا واضح في التصريحات الأمريكية “سندافع عن إسرائيل” هكذا قال بايدن.
السؤال هل من مصلحة إيران أن تواجه أمريكا الآن، بالحسابات الدقيقة قطعا “لا” لأن المحور غير مستعد لحرب مفتوحة، ولذلك قد يكون الثمن انكفاء إيران حتى ولو وجهت ضربة موجعة لإسرائيل، في حين أن التريث قد يوفر فرصة تكون فيها واشنطن أقل حماسا من الآن لضرب إيران وليست واقعة تحت الضغط كما هو الحال الآن.
تدرك إيران أن ما يجري في غزة والحرب الطويلة المفتوحة على الفلسطينيين ليست إلا فرصة أعطيت لإسرائيل لتصفية حسابها نهائيا مع حركة حماس، وهذه الفرصة وافق عليها الجميع، وعندما نقول الجميع فإننا نعني “العرب و الأوروبيون و الأمريكان” فقط إيران كانت ضد هذه الفرصة لكنها لم تملك تعطليها، رغم أنها استطاعت إطالة الحرب أكثر مما توقع الجميع و تركت إسرائيل تتخبط في وحل غزة، لكنها”إيران” تعلم أن النهاية لن تكون إلا بالقضاء على نفوذ حماس العسكري و السياسي في القطاع.
تلقت إيران ضربة مهينة في قنصليتها بدمشق، والمطلوب منها أن ترد حتى تؤكد لحفلفائها قبل أعدائها، أنها لاعب إقليمي يحسب له حساب، وإذا تلقى ضربة يستطيع أن يردها، لكن لاتستطيع إيران الرد إلا داخل إسرائيل، بعكس إسرائيل التي تستطيع ضرب إيران في قطاع واسع يمتد من حدود الهند شرقا إلى المحيط الهندي و البحر المتوسط، لذلك خيار إيران الوحيد هو الحرب، فهل تفعلها و تخاطر بما راكمته خلال عقدين ونيف، منذ سقوط بغداد، هذا سؤال وجيه.
لكن إيران قد تفاجئ العالم برد غير تقليدي، ماذا لو أعلنت اليوم أو غدا عن تجربة صاروخية لصورايخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية، ماذا لو كشفت إيران عن جديد في ملفها النووي وتجاوزت الخطوط المرسومة، من سيفكر حينها بضربها ؟ وهل ستهاجمها واشنطن؟ لدى إيران خيار مهم، كسر القاعدة النووية، وتجاوز الخطوط الحمر، عندها سيكون تدمير القنصلية الإيرانية في دمشق، ثمنا لتقدم إيران خطوة باتجاه امتلاك السلاح النووي، لا تستغربوا، فالدبلوماسية الإيرانية لديها تقاليد عريقة و تعرف كيف تحول الضغوط إلى فرص.
اترك تعليقاً