كيف بنى خامنئي امبراطويته الاقتصادية بقوت الإيرانيين؟

أحبوني أو أقتلكم..!
أحبوني أو أقتلكم..!

بدأت الأمم المتحدة والقوى الغربية قبل سبع سنوات تفرض على إيران عقوبات اقتصادية تزيد شدتها باطراد. وفي الوقت نفسه تقريبا بدأت هيئة يسيطر عليها الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي تدرس السبل التي تمكنت من خلالها بعض القوى الاقتصادية النامية من تحقيق نمو سريع.

وكانت ستاد وهو الاسم الذي تعرف به الهيئة قد جمعت مليارات الدولارات من العقارات المصادرة من مواطنين إيرانيين. وخلصت ستاد إلى أن ما ينقص إيران وتحتاج إليه هو المؤسسات الاقتصادية العملاقة المتعددة الأنشطة مثل تلك القائمة في كوريا الجنوبية واليابان والبرازيل والولايات المتحدة.

وحسب التوضيحات التي أدلى بها هذا العام علي أشرف أفخمي وهو مسؤول كبير في الوحدة التي تشرف على استثمارات ستاد المالية اختارت الهيئة المرشح المثالي لصنع بطل وطني إيراني وهو ستاد نفسها.

وأقدمت الهيئة التابعة لآية الله على تملك حصة في بنك كبير بحلول 2007 وحصة في كبرى شركات الاتصالات الإيرانية في 2009. ومن بين عشرات الاستثمارات الأخرى تملكت شركة قابضة عملاقة في 2010.

وتكشف خارطة هيكلية عنوانها “ستاد في لمحة” أعدتها إحدى شركات ستاد في 2010 عن مقدار ما بلغته الهيئة من اتساع ونمو. فالوثيقة تبين امتلاكها حصصا في بنوك كبرى ودارا للسمسرة وشركة للتأمين ومحطات كهرباء وشركات للطاقة والبناء ومصفاة لتكرير النفط وشركة للأسمنت ومصنع للمشروبات الغازية.

واليوم باتت أعمال ستاد الواسعة النطاق تتيح للزعيم الأعلى خامنئي مصدرا مستقلا للدخل وقدرة مستقلة على بسط النفوذ برغم تشديد الضغوط الغربية على الاقتصاد الإيراني من خلال العقوبات عملا على وضع نهاية لبرنامج التطوير النووي الذي يسيطر عليه.

ويقول محسن سازكارا الذي شارك في تأسيس الحرس الثوري ويقيم الآن في المنفى في الولايات المتحدة “تحت تصرفه مبلغ ضخم يمكنه إنفاقه. عندما يكون عندك هذا القدر الكبير من المال فهذا قوة في حد ذاته”.

ومع اكتساب ستاد مزيدا من السيطرة على الاقتصاد الإيراني في السنوات الأخيرة كانت القوى الغربية تعلم بأمرها وبصلتها بالزعيم الأعلى وهو الرجل الوحيد الذي يملك سلطة وقف برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني. لكن تلك القوى تحركت بحذر وأفلتت ستاد إلى حد بعيد من الضغوط الخارجية.

وفي يوليو تموز 2010 أدرج الاتحاد الأوروبي محمد مخبر رئيس ستاد في قائمة الكيانات والأفراد الخاضعين للعقوبات الأوروبية لمزاعم ضلوعهم في “أنشطة نووية أو صاروخية”. وبعد ذلك بسنتين رفعه من القائمة.

وفي يونيو حزيران أدرجت وزارة الخزانة الأميركية ستاد و37 شركة “تشرف عليها” الهيئة في قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات الأميركية. ولم يرد اسم خامنئي في الإعلان لكن مسؤولا في وزارة الخزانة أبلغ إحدى لجان مجلس الشيوخ لاحقا بأن ستاد يسيطر عليها مكتب الزعيم الأعلى.

وعندما سألنا بعض المسؤولين الأميركيين لماذا لم يستهدف خامنئي نفسه أجابوا بأنهم لا يريدون منح مزيد من الحجج للمسؤولين الإيرانيين الذين يرددون أن هدف واشنطن النهائي هو الضغط على إيران بالعقوبات حتى تسقط الحكومة.

وقال مسؤول أميركي “سياستنا ليست تغيير النظام لكنها بالتأكيد الضغط على هذا النظام”.

وعندما بدأت ستاد تشعر بالضغوط كانت قد أصبحت بالفعل كيانا عملاقا.

وأنشئت ستاد لتحقيق طموحات متواضعة. وكان منشؤها مرسوما من فقرتين أصدره الزعيم الأعلى الراحل اية الله روح الله الخميني قبيل وفاته عام 1989.

وطلب ذلك المرسوم من اثنين من المساعدين بيع وإدارة العقارات التي يفترض أن مالكيها تركوها خلال سنوات الفوضى التي أعقبت الثورة الإسلامية عام 1979 وتوجيه جانب كبير من العائد للأعمال الخيرية. لكن ذلك المرسوم أوجد في نهاية الأمر مؤسسة جديدة اسمها الكامل باللغة الفارسية “ستاد إجرايي فرمان حضرت إمام” أو هيئة تنفيذ أوامر الإمام.

وأفاد أحد مؤسسي ستاد بأن المقصود لها كان أن تستمر عامين. لكنها ظلت تعمل تحت سيطرة خامنئي وكونت محفظة عملاقة من العقارات من خلال الادعاء أمام المحاكم الإيرانية زورا في بعض الأحيان أن العقارات تركها مالكوها. وواقع الأمر أن كثيرا منها صودر من أبناء أقليات دينية وأصحاب أعمال وإيرانيين يقيمون في الخارج.

وفي الفترة منذ عام 2000 دخلت كل مجالات الاقتصاد تقريبا.

وقال ديفيد كوهين وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الإرهاب والمعلومات المالية قي مقابلة إن ستاد تدر الآن إيرادات قيمتها “مليارات الدولارات سنويا”.

وأضاف أن “أموال الزعيم الأعلى الشخصية تدار وتستثمر في” وحدة تابعة لستاد تعرف باسم مجموعة تدبير للتنمية الاقتصادية لكنه قال إن المبلغ غير معروف. وقال متحدث باسم وزارة المالية إن تدبير تدير أيضا استثمارات “شخصيات قيادية أخرى” في إيران لكنه لم يذكر أسماءهم.

ولم يرد المسؤولون في مكتب الرئيس الإيراني ووزارة الخارجية ومجموعة تدبير للتنمية الاقتصادية على طلبات التعليق لإعداد هذا الموضوع.

وقال حميد ويزي المدير العام للعلاقات العامة بمؤسسة ستاد في رسالة بالبريد الالكتروني إن ما ورد في هذا التقرير بعيد عن الواقع وليس صحيحا لكنه لم يخض في التفاصيل. وفي رسالة لاحقة قال إن ستاد ترفض المزاعم الأميركية وإنها بصدد التعاقد مع مستشار قانوني أميركي للطعن في العقوبات.

ويتعذر حساب القيمة الإجمالية لستاد بسبب سرية حساباتها ولأن حصصها في الشركات تتغير باستمرار. لكننا تمكنت من تحديد ممتلكات عقارية واستثمارات في الشركات وغيرها من الأصول تحت سيطرة ستاد قيمتها 95 مليار دولار تقريبا. ويستند هذا التقدير إلى تصريحات مسؤولي ستاد وبيانات من سوق طهران للأسهم ومواقع الشركات ومعلومات من وزارة الخزانة الأميركية.

وقرابة 52 مليار دولار من هذا المبلغ في صورة عقارات إذ صرح رئيس إدارة العقارات في ستاد في مؤتمر صحفي في 2008 بأن الوحدة العقارية في الهيئة تساوي هذا المبلغ. ويحتمل أن يكون هذا الرقم زاد أو نقص منذ ذلك الحين لأن محتوى محفظة العقارات يتغير.

ووجدنا أن لستاد أيضا ملكيات في الشركات تقدر بنحو 43 مليار دولار أو أكثر:

– قدرت وزارة الخزانة الأميركية قيمة شركة ري للاستثمار التي تسيطر عليها ستاد بمبلغ 40 مليار دولار تقريبا في 2010 وهي السنة التي سيطرت ستاد فيها على الشركة. (لم تذكر وزارة الخزانة تقديرا لقيمة ستاد الإجمالية).

– اشترت ستاد من خلال شركة تابعة لها حصة نسبتها 19 في المئة من شركة الاتصالات الإيرانية وهي كبرى شركات الاتصالات في البلاد مقابل ثلاثة مليارات دولار تقريبا.

– وثمة ما لا يقل عن 24 شركة مساهمة عامة أخرى لم ترد في قائمة عقوبات وزارة الخارجية الأميركية الأخيرة تملك فيها ستاد أو شركات تستثمر فيها ستاد حصص أقلية. وتزيد قيمة هذه الاستثمارات بسعر الصرف الرسمي الحالي عن 400 مليون دولار وفقا لتقديرات من سوق طهران للأسهم وبيانات تم الحصول عليها من موقع السوق ومواقع الشركات على الأنترنت.

– وهناك أيضا 14 شركة أخرى لستاد استثمارات فيها – من خلال شركات أخرى في أغلب الحالات – لم يتسن تقدير قيمتها لأنها ليست شركات مساهمة عامة وأسهمها غير متداولة.

وتقول وزارة الخارجية الأميركية إن الحرس الثوري وهو قوة عسكرية كبيرة مكلفة بحماية إيران من التهديدات الداخلية والخارجية يقوم منذ أمد طويل بدور محوري في اقتصاد البلاد وله ممتلكات واسعة في صناعات الدفاع والتشييد والنفط.

وتتيح ستاد للزعيم الأعلى موردا ماليا مستقلا مهما وهو مورد يزيد قوته كثيرا.

وقال موظف سابق في ستاد إن خامنئي يعين مجلس إدارتها لكنه ينيب آخرين في إدارة الهيئة. وأضاف أن ما يهم الزعيم الأعلى في المقام الأول هو أرباحها السنوية التي يستخدمها في تمويل جهازه البيروقراطي.

وقال الموظف السابق “كل ما يهمه هو الرقم”.

ولم يرد مكتب الرئيس الإيراني ووزارة الخارجية ومسؤولي ستاد على الأسئلة التفصيلية التي قدمناها لإعداد هذا الموضوع.

“مثل موجة جارفة”

وتفاصيل الطريقة التي حصلت بها ستاد على هذا العدد الكبير من الحصص في الشركات العامة والخاصة غير واضحة. ويقول أشخاص مطلعون على أنشطة الهيئة إنها اشترت حصصا من السوق المفتوحة ومارست ضغوطا على بعض المستثمرين كي يبيعوها أسهما. وفي حالة واحدة على الأقل صودرت أسهم تسيطر عليها ستاد الآن من مالكيها الأصليين.

وأكدت شيرين رقابي وهي مدرسة تقيم الآن في كاليفورنيا أنها كانت من كبار حملة الأسهم في شركة فارس وخوزستان للأسمنت التي تقول في موقعها على الإنترنت إنها كبرى شركات الأسمنت الإيرانية. وأضافت رقابي أن الأسهم التي كانت قد اشترتها قبل ثورة 1979 بعدة سنوات صودرت قبل ما يزيد على 20 عاما.

وقال زوجها المحامي روس كيه. رقابي إنه علم عندما بحث المسألة قبل بضع سنوات أن الأسهم صادرتها مؤسسة تدعى بونياد مستضعفان لكن ملكيتها نقلت بعد ذلك إلى شركة أخرى مرتبطة بستاد. ويقدر قيمة الأسهم الحالية بما يقرب من 100 مليون دولار.

وقال “إنها أشبه بموجة جارفة الآن. وهم يسيطرون على كل هذه الشركات”.

وخلص الزوجان إلى أنه لا سبيل يعينهما على الهيئة التابعة لآية الله. وقال الزوجة “سلمت”.

وفي عام 2000 خطت ستاد خطواتها الأولى نحو إضفاء الصبغة الرسمية على دخولها مجالات أخرى إضافة إلى العقارات فأقامت شركة لإدارة الاستثمارات أطلق عليها الاسم شركة تدبير للاستثمار. وستصبح هذه الشركة في نهاية الأمر من بين خمس أدوات رئيسية على الأقل تتملك من خلالها ستاد حصصا في الشركات.

وفي عام 2005 انتخب محمود أحمدي نجاد وهو محافظ متشدد رئيسا لإيران محل الرئيس السابق الأكثر اعتدالا. وتجري إيران انتخابات رئاسية وبرلمانية منتظمة برغم إن السلطة الحقيقية تظل في يدي الزعيم الأعلى. وبعد ذلك بشهرين أعلنت طهران أنها استأنفت تخصيب اليورانيوم في إطار برنامج نووي. ويعتقد الغرب أن إيران تريد صنع أسلحة ذرية. لكن إيران تقول باستمرار إن غرض برنامجها هو التوليد السلمي للطاقة وهو موقف أكدته طهران من جديد في الأيام الأخيرة عندما أجرت هي والقوى الغربية محادثات مطولة تهدف لايجاد تسوية. وأخفقت تلك المحادثات في التوصل إلى اتفاق وستستأنف المفاوضات قريبا.

وفي ديسمبر كانون الأول 2006 فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على التجارة الإيرانية في المواد والتكنولوجيا ذات الصلة بالأنشطة النووية وجمد الأصول الخاصة بالشركات والأفراد الأساسيين الضالعين في البرنامج النووي.

بنك غير عادي

وفي ذلك الوقت كانت ستاد تخطو إلى القطاع المصرفي. وكان البنك الفارسي بدأ العمل في 2002 وكان مختلفا عن البنوك الإيرانية الأخرى. فكان يقدم أسعار فائدة أعلى قليلا من أسعار البنوك التي تديرها الحكومة. لكن خلافا للمؤسسات المالية الأخرى التي تحد عادة من حجم قروضها العقارية كان البنك الفارسي مستعدا لتمويل 80 في المئة من قيمة العقار الأمر الذي جعل التمويل خيارا حقيقيا لكثير من مشتري المنازل الجدد. وقال موظف سابق في البنك طلب عدم الإفصاح عن اسمه “أصبح بمقدور الناس فعلا شراء منازل”.

وكان البنك الفارسي غير مألوف بوجه خاص من نواح أخرى إذ كانت قواعد الملبس فيه تتسم باللين فكان الرجال يضعون ربطات العنق والنساء يستعملن مساحيق التجميل وهي أمور ينتقدها المحافظون دينيا في إيران قائلين إنها تساهم في نشر الثقافة الغربية.

وقال الموظف السابق “كان الناس يحبون أن يأتوا إلى البنك لمجرد مشاهدة العاملين فيه” مضيفا أن البنك كان عند تعيين الموظفين الجدد “يقيم الناس إلى حد بعيد على أساس قدراتهم العقلية والذهنية وليس على أساس صلاتهم”.

وبحلول عام 2006 كان البنك الفارسي قد فتح ما يزيد على 100 فرع وأضحى أكبر بنك غير مملوك للدولة في إيران. لكنه بدأ يتعرض لمشاكل.

فقد أفاد أشخاص مطلعون على المسألة بأن محمد شريعة مداري الذي كان عضوا في مجلس إدارة ستاد طلب في عام 2005 من العضو المنتدب للبنك الفارسي عبد الله طالبي قرضا قدره 44 مليون دولار لمؤسسة يديرها.

ولم يقدم شريعة مداري ضمانات للقرض فرفض طالبي. ومن ناحية أخرى انتقد الرئيس أحمدي نجاد علنا الممارسات التي تتبعها البنوك الخاصة في منح القروض متهما إياها بتقديم قروض ضخمة لعملاء مفضلين. وأفادت بعض وسائل الإعلام الإخبارية بأن أنظاره كانت مصوبة إلى البنك الفارسي. واستقال طالبي تحت الضغوط من منصب العضو المنتدب في عام 2006 وفي وقت لاحق ترك مجلس إدارة البنك بعد أن اعتبره البنك المركزي الإيراني غير مؤهل لمزاعم مخالفته لقواعده الخاصة بالقروض.

ولم يرد طالبي وشريعة مداري على طلبات التعليق.

وخلال تلك الفترة تملكت شركة تدبير للاستثمار التابعة لستاد حصة في البنك الفارسي. وكانت الحصة صغيرة – أشار مسؤول في ستاد لاحقا إلى أنها كانت 16 في المئة – ومع ذلك فقد شبه الموظف السابق مشاركة تدبير في ملكية البنك “بالتملك العدائي”.

ويقول الموظف السابق إن الأجواء في البنك الفارسي تغيرت تغيرا حادا. فحظر على الرجال وضع ربطات العنق وبدأ النساء يتلقين رسائل تسألهن “لماذا ترتدين الجينز؟ لماذا شفتاك حمراوان؟”

ووصل مديرون جدد. وقال الموظف السابق “حتى عملاء البنك تغيروا. فقد جاؤوا بزبائنهم وعملائهم.”

وتغير مجلس إدارة البنك أيضا. ويفيد موقع البنك الفارسي على الإنترنت بأن من بين أعضائه الآن عارف نوروزي الذي يقول الموقع إنه عضو أيضا في مجلس إدارة تدبير للاستثمار. وكان نوروزي كذلك رئيس إدارة العقارات في ستاد وهي إدارة ضخمة تدير العقارات المصادرة وتبيعها. وكان نوروزي هو الذي قدر في عام 2008 قيمة ممتلكات ستاد العقارية بنحو 52 مليار دولار.

العقوبات وقوة التحمل

برغم العقوبات نما الاقتصاد الإيراني بنسبة عفية تبلغ ستة في المئة في السنتين السابقتين على أزمة 2008 المالية. وبعد انخفاض حاد لمعدل النمو عاد إلى ما يقل قليلا عن ستة في المئة في 2010 وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي. وحافظت صادرات النفط على تدفق المال. فقد صدرت إيران ما قيمته 70 مليار دولار من النفط في 2009 و90 مليار دولار في 2010 حسب بيانات الصندوق.

وكانت تلك سنوات توسع لستاد. ففي 2006 أو 2007 أجرت ستاد دراسة لاستكشاف أسباب تفوق بعض البلدان النامية على إيران في النمو. وورد وصف للمداولات التي جرت آنذاك في مقابلة أجرتها صحيفة الشرق الإصلاحية الإيرانية في إبريل نيسان هذا العام مع أفخمي الذي وصفته الصحيفة بأنه رئيس مجموعة تدبير للتنمية الاقتصادية وهي الوحدة التي تشرف على معظم استثمارات ستاد المالية.

وقال أفخمي “في كوريا الجنوبية كان لشركات مثل سامسونغ وإل جي وهيونداي تأثير على التنمية. وفي الصين واليابان والبرازيل وألمانيا وأميركا نفس الشيء. ورأينا أننا في إيران ليس عندنا هذه الشركات الكبيرة. ومع أخذ هذا في الاعتبار بدأنا داخل شركة تدبير للاستثمار بتمهل وروية نناقش استراتيجية دخول مجالات مختلفة.” وأضاف للصحيفة “وأقرت هذه الاستراتيجية من إدارة ستاد”.

وسرعان ما وضعت هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ. ففي سبتمبر أيلول 2008 أعلن نوروزي الذي كان آنذاك مدير إدارة العقارات في ستاد إعادة هيكلة الهيئة بأكملها في حفل رسمي أقامته ستاد في مدينة بوشهر حسبما ورد في تفرير لوكالة فارس للأنباء. وقال إن ستاد تحولت “من منظمة تبيع العقارات إلى مؤسسة اقتصادية عملاقة متعددة الأنشطة” تملك استثمارات في شركات مساهمة عامة. وأضاف أنها استثمرت 833 مليون دولار حتى ذلك الحين بما في ذلك حصة نسبتها 16 في المئة في البنك الفارسي.

وأشار نوروزي إلى أن ستاد لها كذلك “فرع” آخر وهو مؤسسة بركة التي قال إنها “عليها واجب القضاء على الفقر وتمكين المجتمعات الفقيرة”.

وأكد شاهين أ. شايان الذي عمل لمدة عامين في جولدمان ساكس في نيويورك أن مؤسسة بركة أنشئت قبل ست أو سبع سنوات وفقا لنموذج وضعه. وقضى شايان الذي ولد في الولايات المتحدة وتخرج في جامعة كولومبيا وكان لاعب كرة قدم بارزا في الجامعة معظم سنوات طفولته في إيران وعاد إليها في أواسط التسعينات.

وقال شايان إن بركة أنشئت كمؤسسة لا تسعى للربح بهدف إيجاد وظائف في المناطق الريفية في إيران. وأضاف أن المؤسسة جمعت رأس مالها من مصادر خاصة والحكومات المحلية وستاد وبدأت بنحو أربعة أو خمسة ملايين دولار. لكنه قال إن بركة ظلت “مستقلة تماما عن أي كيان”. وتابع أن المؤسسة كانت تقدم المساعدة في مجالات الزراعة والمشروعات الغذائية وعمليات التعدين الصغيرة فضلا عن بناء مدارس وطرق ومنازل. وقال “لم تكن مليارات الدولارات.”

وقال شايان إنه ترك بركة قبل نحو ثلاث سنوات ونصف السنة. وأضاف “أردت العودة لإجراء بحوث وإلقاء محاضرات وأشياء من هذا القبيل.” وتابع أنه لا يعرف ما آل إليه أمر المؤسسة بعد رحيله “لا تسألني ما وضعها الآن لأنني ليس عندي أي فكرة.”

وهي الآن جزء من إمبراطورية ستاد وفقا لموقع المؤسسة على الإنترنت.

وقال أفخمي رئيس مجموعة تدبير للتنمية الاقتصادية التابعة لستاد في مقابلته مع صحيفة الشرق في إبريل نيسان إن “100 في المئة تقريبا من دخل ستاد ومجموعة تدبير يوضع تحت تصرف” مؤسسة بركة. وأضاف أن المؤسسة أنفقت ما يزيد على 1.6 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية على مشروعات التنمية فضلا عن بناء 200 مدرسة و400 منزل وعيادة صحية.

ويتعذر التحقق من مزاعم ستاد بخصوص إنفاقها على الأعمال الخيرية لأن حساباتها غير متاحة علنا. وفضلا عن ذلك ففي المقابلة نفسها التي زعم فيها أفخمي أن “100 في المئة تقريبا” من دخل ستاد يذهب إلى بركة قال في مكان لاحق “بطبيعة الحال أنفق جزء من الدخل على تطوير شركات في مجموعة تدبير.”

ولم يتسن الاتصال بمسؤولين في بركة للتعليق.

“قضايا قانونية حساسة”

تحققت واحدة من أكبر صفقات ستاد في 2009 عندما تملكت حصة أقلية كبيرة في كبرى شركات الاتصالات الإيرانية وهي شركة تحتكر خدمات خطوط الهاتف الأرضية في إيران احتكارا شبه كامل.

ووفقا لعرض تتابعي باستخدام الشرائح أعدته إحدى الشركات التابعة لستاد في 2010 تملكت ستاد في ذلك العام 38 في المئة من اتحاد شركات يسمى شركة توسعة اعتماد مبين. وكان ذلك الاتحاد تملك قبل عام 50 في المئة زائد سهم واحد من أسهم شركة الاتصالات الإيرانية مقابل 7.8 مليار دولار. وحصل المشترون على شروط تفضيلية إذ يقول العرض التتابعي إن اتحاد الشركات الفائز بالحصة – وأكبر حملة الأسهم فيه شركة يسيطر عليها الحرس الثوري – كان مطلوبا منه أن يدفع 20 في المئة على الفور والباقي على ثماني سنوات.

وفي عام 2010 نالت ستاد السيطرة على غنيمة أكبر وهي شركة ري للاستثمار التي قدرت وزارة الخزانة الأميركية قيمتها في يونيو حزيران بنحو 40 مليار دولار حتى ديسمبر كانون الأول 2010. وتمثل ري مؤسسة ضخمة متنوعة الأنشطة داخل مؤسسة ستاد الضخمة المتنوعة الأنشطة ولها استثمارات من بينها شركة للنفط وشركة للتعدين ومزرعتان لتربية النعام. وتقول وزارة الخزانة الأميركية إن ستاد سيطرت على شركة ري للاستثمار بعد أن أوقفت الحكومة الإيرانية تمويلها بسبب مزاعم سوء الإدارة.

ولم يرد أحد على الهاتف في ري للاستثمار برغم محاولاتنا لطلب التعليق.

ومع توسع ستاد بدأت الهيئة تتطلع بأنظارها خارج إيران. ففي 2010 حاولت وحدة تابعة للهيئة اجتذاب مستثمرين أجانب. وكانت الخارطة الهيكلية المعنونة “ستاد في لمحة” والمكتوبة باللغة الإنجليزية جزءا من عرض أعدته شركة الكترونيك مبين ايران وهي شركة للإلكترونيات تملكها ستاد باستخدام برنامج باور بوينت. وكان هدف العرض اجتذاب شريك أجنبي.

وجاء في العرض “هدفنا الأساسي هو الوصول إلى تحقيق دخل أعلى كثيرا مع شريك دولي يتمتع بالخبرة مثل كيه بي إن.” و(كيه بي إن) هي أكبر شركة للاتصالات في هولندا.

وقال متحدث باسم (كيه بي إن) “طبيعي أن (كيه بي إن) تحترم حظر التجارة مع إيران. (كيه بي إن) لا تتعامل ولم تتعامل تجاريا مع هذه الشركة الإيرانية.”

وبحلول ذلك الوقت كانت ستاد قد اجتذبت الأنظار في الغرب. وتقول وزارة الخزانة الأميركية إن ستاد استخدمت عدة شركات سيطرت عليها في عام 2010 في تجاوز العقوبات بما في ذلك تحويل أموال من إيران إلى أوروبا وأفريقيا.

وفي يوليو تموز 2010 أصدر الاتحاد الأوروبي قائمة تتألف من 12 صفحة بأسماء أفراد وكيانات إيرانية قرر إخضاعها للعقوبات. وتضم القائمة محمد مخبر رئيس ستاد التي وصفها الاتحاد الأوروبي بأنها “صندوق استثمار مرتبط بالزعيم الأعلى علي خامنئي”. وأشير إلى مخبر والآخرين على أن لهم صلات ببرنامج إيران النووي أو برنامجها الصاروخي لكن الاتحاد الأوروبي لم يذكر مزيدا من التفاصيل. ولم تستهدف هذه الخطوة ستاد نفسها.

وزادت شدة الجهود الأوسع نطاقا لمعاقبة إيران. ففي الشهر نفسه اتخذت واشنطن أشد إجراءاتها صرامة حتى الآن متمثلة في “قانون استيفاء العقوبات الإيرانية.. المحاسبة وتفكيك الاستثمارات” الذي استهدف قطاع النفط والغاز الإيراني. وكثف هذا القانون وسلسلة إجراءات عقابية اتخذها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على مدى العامين التاليين الضغوط على إيران وخصوصا صادراتها من الطاقة وبنوكها.

وتباطأ معدل النمو إلى ثلاثة في المئة في 2011 وانكمش الاقتصاد بنسبة 1.9 في المئة في 2012. وانخفضت صادرات النفط قرابة 60 في المئة في السنتين الأخيرتين بعد أن خفض المشترون الأوروبيون ومعظم المشترين الآسيويين وارداتهم بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية. ويبلغ دخل إيران حاليا من مبيعات النفط قرابة 100 مليون دولار في اليوم انخفاضا من 250 مليون دولار قبل عامين.

لكن ستاد نفسها تمكنت من تفادي تأثير العقوبات. وفي أكتوبر تشرين الأول عام 2012 رفع الاتحاد الأوروبي اسم مخبر من قائمة المعاقبين.

وأفاد شخص مطلع على المسألة بأن الاتحاد الأوروبي رفع اسم مخبر من القائمة لمحاولة درء طعن قانوني إيراني أوسع في العقوبات المالية المفروضة على البنوك الإيرانية ومديريها. وكان الاتحاد الأوروبي أدرج مخبر في القائمة باعتباره رئيس ستاد ورئيس بنك سينا. وسينا من بين البنوك الإيرانية التي فازت في دعاوى قضائية أمام المحاكم الأوروبية تسعى لرفع العقوبات المفروضة عليها. وليس واضحا ما إذا كان مخبر قدم طعنا في إدراجه في قائمة العقوبات.

وامتنع متحدث باسم مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون عن التعليق قائلا “هذه كما أنا واثق أنكم تدركون قضايا قانونية حساسة ونفضل ألا نقول شيئا.”

اتساع رقعة النفوذ

امتنعت وزارة الخزانة الأميركية عن تحديد تأثير العقوبات التي أعلنتها في يونيو حزيران على ستاد. ومن المحتمل أن تزيد الإجراءات الجديدة الضغوط على إمبراطورية خامنئي الاقتصادية. ولستاد بطبيعة الحال بعض الاستثمارات في قطاعات مثل القطاعين النفطي والمصرفي تأثرت بالعقوبات السابقة.

وقال متحدث باسم وزارة الخزانة “كان للعقوبات تأثير كبير على الحكومة الإيرانية ودفعت الإيرانيين إلى العودة إلى طاولة التفاوض.”

لكن ممتلكات ستاد واسعة النطاق ومن ثم ظلت بعض استثماراتها بعيدة نسبيا عن التأثر بالعقوبات. ومن بينها مثلا استثماراتها في قطاع الاتصالات الذي استثناه الغرب إلى حد بعيد من العقوبات.

وحققت شركة الاتصالات الإيرانية المرتبطة بستاد في عام 2010 – وهو آخر عام تتوفر بيانات له – ربحا صافيا قدره 1.54 مليار دولار. ويقرب نصيب ستاد من هذا الربح من 290 مليون دولار.

وبرغم أن ما تملكه ستاد في شركة الاتصالات الإيرانية هو حصة أقلية فيمكن ملاحظة نفوذها على أعلى المستويات داخل الشركة. ورئيس شركة الاتصالات الإيرانية هو مصطفى سيد هاشمي الذي كان من قبل رئيس شركة إلكترونيك مبين إيران وهي شركة الإلكترونيات المملوكة لستاد.

وعين مسؤولون آخرون في ستاد أو رشحوا لمناصب عليا في الحكومة والجيش والمواقع الاقتصادية في السنوات الأخيرة.

ويفيد التقرير السنوي الأخير لسوق طهران للأسهم بأن رئيس مجلس السوق حامد رضا رفيعي كشتلي عضو في تدبير للاستثمار التابعة لستاد.

ووزير النفط الأسبق غلام حسين نظري هو رئيس شركة تدبير لتنمية الطاقة وهي قسم من ستاد معني بممتلكات الهيئة في قطاع الطاقة وهو كذلك رئيس شركة فارس للنفط التي تملك ستاد حصة فيها حسبما ورد في موقعي الشركتين على الإنترنت. وتحاول إيران دون نجاح حتى الآن تعيين نظري في منصب الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

وفي أغسطس آب رشح الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني حسين دهقان وزيرا للدفاع. وكان دهقان رئيسا لمبين إيران. ورشح روحاني الشهر الماضي محمد شريعة مداري نائبا للرئيس للشؤون التنفيذية. وشريعة مداري الذي كان عضوا في مجلس إدارة ستاد هو الشخص الذي زعم أنه طلب قرضا من البنك الفارسي.

ولم يرد كشتلي ونظري ودهقان على طلبات إجراء مقابلات معهم.

نشاط خيري غير عادي

ويستمر توسع ستاد فيما يبدو. ففي مايو أيار أعلنت مؤسسة بركة الخيرية التابعة لها أنها ستدخل “مجالات صيدلية جديدة” من بينها التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا النانو والعلاج بالجينات. وتدير المؤسسة الخيرية وحدة تدعى شركة بركة للأدوية. ويفيد موقع هذه الوحدة على الإنترنت بأن لها ما يربو على 20 شركة تابعة وحققت مبيعات تزيد على مليار دولار في 2011.

ومن بين الوحدات التابعة لشركة بركة للأدوية شركة إيه تي آي للمستحضرات الطبية. وتصف شركة بركة للأدوية إيه تي آي بأنها مشروع مشترك بينها وبين شركة سويسرية تدعى ستراجن فارما إس إيه لإنتاج موانع الحمل التي تؤخذ عن طريق الفم. ويعرض موقع إيه تي آي معلومات بخصوص عدد من منتجات ستراجن التي تقول الشركة الإيرانية إنها حصلت على ترخيص لإنتاجها في إيران. وليس واضحا ما إذا كان الإنتاج قد بدأ.

ولم يرد المسؤولون في ستراجن في مقرها في جنيف على طلبات التعليق. وتقول شركة بركة للأدوية إن ستراجن تملك 34 في المئة من إيه تي آي.

وكان خامنئي حذر في أكتوبر تشرين الأول من أن تنظيم الأسرة سيؤدي إلى زيادة نسبة المسنين بين السكان. وقال في خطاب “من بين الأخطاء التي وقعنا فيها وأنا أيضا مسؤول عن هذا الخطأ أن مسألة الحد من النمو السكاني كان يجب وقفها من عقد السبعينات (1991 بالتقويم الغربي) فصاعدا”.

وأضاف “الأسر والشباب يجب أن يزيدوا معدل المواليد أن يزيدوا السكان. هذا الحد من عدد الأطفال في البيوت بالطريقة المعمول بها اليوم خطأ”.

لقد تضخمت الإمبراطورية التجارية التي يسيطر عليها زعيم إيران الأعلى إلى الحد الذي صارت معه تملك شركات يعارض خامنئي منتجاتها. وكان ذلك التوسع النتيجة المباشرة لاستراتيجية قانونية جاءت من أعلى المستويات.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً