لقد تم استعراض الأستاذ/ عبد الهادي على قناة الرسمية صورة صادمة ومفجعة للتخلف والانحطاط الذي نعيشه في ليبيا لجماهير محتشدة أمام الأسواق قبل تطبيق الحجر بيوم وهذا يطرح على عقلاء ليبيا عدة تساؤلات: ماذا يعني الأيمان بالله عندنا؟ وإلى أي درجة يمكن أن يورطنا النفاق الاجتماعي؟ وهل ما زالت ارتدادات فكر زريبة الجماهيرية تلاحقنا؟.
الكورونا والعبط الإيماني:
الواضح أنه توجد مشكلة في مفهومنا للأيمان بالله وقدره!!! وهي بالتأكيد معقدة فالقدرية ظهرت في عهد سيدنا عمر عبدالعزيز على يد غيلان القدري الذي يرى بأن الله لا علم له بشيء إلا بعد وقوعه، وتعددت القدرية فهناك من يرى أن السيئات مقدرة إلا الكفر وغيرها .. وتأتي الجبرية أتباع الحهم بن صفوان الذين يقولون بأن الناس لا اختيار لهم في افعالهم!! المهم في ليبيا نسمع كثيراً بأن كل شيء مقدر وهنا نجد الخلط بين علم الله المسبق وبين إرادة الإنسان ومسؤولية عن افعاله والأحداث من حوله والتي لا يملكها بالمطلق فهناك ما هو مقدر له!
ومن العبط الايماني الخلط بين التوكل والتواكل فنسمع من البعض غير المكترثين بالتواكل على الله وعدم استعمال الكمامات والقفازات أو ترك مسافة الآمان بين الأخريين ومعللين بأنه لو مقدرٌ لنا بمرض الكورونا فسنمرض! بل وتجد من يردد كلام الله ويقول: “فالله خير حافظاً” سورة يوسف آية 64 ! الواضح أن يوجد قصور في التفريق بين التوكل والتواكل ودروس العقيد والإيمان بالله تحتاج لمراجعة بمؤسساتنا التعليمية وبرامجنا الدينية على قنواتنا الإعلامية والخطب على منابر مساجدنا المعطلة تحتاج لمراجعة!!! والتي يمكن تفعيلها من خلال قنواتنا التلفزيونية. فقد وصل الانحطاط والتواكل بغباء ،بعد قفل المساجد، أقيمت صلوات الجماعة في باحات المساجد!.
نطلب من بعضنا من حين لأخر صلوا على النبي، صل الله عليه وسلم، ولكن إلى أي حد نحن جادين في تطبيق كلام سيدنا المصطفى وهو يقول عن وباء الطاعون : “فإذا كان بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها ” رواه مسلم، والعلم اليوم يفسر ويزودنا بآليات التحوطات المطلوبة لتفسير عدم الخروج!!! ومن هنا نرى ضرورة قرار الحجر بدون جمود على القرار بحيث تراعى ظروف بعض الأحياء السكنية!.
كورونا والنفاق الاجتماعي:
رصدت كاميرا قناة الرسمية أحدى النساء تُقبل النساء المصطفات في الطابور أمام أحد الأسواق ولم تتجرأ أمرآة أن تُوقف هذه الجاهلة عن عبثها بصحة النساء! التفسير الوحيد لاستمرار هذه المرأة بتقبيل النساء أنه لا تتجرأ أي امرأة عن التصدي لهذا العبث خوفاُ من نعتها بأنها لا تقدر العادات والتقاليد في احترام الناس أو ربما خوفاً من التشكيك في ايمانها بالله وهنا يكون الخلط بين النفاق الاجتماعي والديني !!! وبالليبي ضربتين في الرأس توجع (لمجابهة الكورونا)! زد على ذلك نسمع من بعض الرجال عبارات الاستهزاء لمن يستخدمون الكمامات والقفازات وترك المسافة الآمنة “أنت خواف” فكيف نسمح لنفاق الشجعان الاجتماعي أن ينتشر بيننا وعلينا أن نوقف هذا الاستعراض في النفاق المتهور بالظهور بمظهر الشجعان في تحدي فاشل ضد وباء كورونا!.
الكورونا وميراث الفكر الجماهيري:
للأسف من عاصر عهد المقبور الاستبدادي الدكتاتور معمر عرف كيف حرم كل عمل خاص مستقل عن الدولة بعد تحريم التجارة ونعتها بظاهرة استغلالية، وبقانونه الظالم “شركاء لا أجراء” دمرت جميع المؤسسات الصناعية من ورش ومصانع ومقاولات، وفجوره بأن الأرض ليست ملكاً لأحد دمر الزراعة فقتل غريزة العمل والإنتاج والتملك، وحول الشعب الليبي إلى متسول على أعتاب الحكومة ينتظر ما تجود به، سياساته الترويضة، من حاجاته من المأكل والمشرب والملبس وحتى المسكن فالبيت لساكنه لتضيع قدسية الأملاك! الشعب استبعدته النظرية الجماهيرية ليعيش وهو ينتظر وبشكل ممل لما تجود به الجمعيات والأسواق الشعبية من حاجياته والمستبد ينظر على الشعب “في الحاجة تكمن الحرية” وهذا ما سلبه الحق في العمل الخاص والتملك وإرادته في إدارة شؤونه حياته وتوقعاته للمستقبل ليعش القلق والخوف من الغد! وبسياسة تغيب المواد الغذائية التي تظهر بعد غياب ثم بعيها بكميات كبيرة وصناديق لتتحول بيوتنا إلى مخازن للمواد الغذائية وبات ما يعرف عن الليبيين/ات دار الخزين!!! وهكذا عاش الشعب الليبي استمرارية الأزمة وبإدارة الزريبة الجماهيرية.
مازال القلق والخوف من نقص المواد الغذائية يعيش معنا بالرغم من نجاح انتفاضة فبراير 2011 في التحرر من رأس الأفعى القذافي، فما زلنا نعيش الأزمة وتفاهاته متغلغلة في نظامنا الإداري والاقتصادي، ولم تجرأ أي حكومة بعد فبراير المبادرة في تغيير نمط زريبة الجماهيرية، ولذا نرى كيف يتزاحم الناس على الأسواق، فمازال مسجل في اللاوعي عندنا بالقلق مما يخبأه لنا المستقبل وأهم رسالة في الحياة هي تكديس الطعام في البيوت وانتظار صرف الراتب لشراء مزيداً من الطعام!!!!!
كيف نتجنب تأزم كورونا؟
الدوافع التي تساعد على تأزم كارونا في ليبيا يلخصها الكاتب في العوامل الرئيسة الثلاث: العبط الديني، والنفاق الاجتماعي، ومخلفات زريبة الفكر الجماهيري .. وسؤال التكالب عن تخزين الطعام وكلنا نحفظ ، والواضح بدون وعي، لحديث سيدنا المصطفى صل الله عليه وسلم الذي رواه الترمدي والنسائي : “ما ملأَ آدمَيٌّ وعاءً شرًّا من بطنٍ حسْبُ ابنِ آدمَ أُكلاتٌ يُقِمنَ صلبَهُ فإن كانَ لا مَحالةَ فثلثُ طعامٍ وثلثُ شرابٍ، وثلثٌ لنفسِهِ ” ونتذكر مقولة الفيلسوف سقراط: ” نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل”، وإن كان ولا بد من الخروج من بيوتنا فعلينا أن نتوكل على الله بأخذ الأسباب ولا نتواكل عليه ونحمله “أستغفر الله” أسباب مرضنا ونحن لا نحترم نواميسه التي تمنح هذا الفيروس كوفيد 19 القدرة على الانتقال والانتشار وبسرعة عبر رذاذ العطس أو ملامسته بين البشر!.
خلاصة وتوصية:
بالتأكيد قرار الحجر صائب ولكن تطبيقه سيظهر بعض نقاط الضعف فيه والتي يجب معالجتها كنقص المحلات ببعض الأحياء أو عدم توفر الماء بمكان قريب أو ما شابه ذلك مما يتطلب تعديل خاص في تطبيق الحجر لبعض السكان!
التوصية: على الحكومة الاستفادة بشكل أفضل من القنوات التلفزيونية بطلب الأوقاف، لاستغلال خطب الجمعة عبر التلفزيون، والتعليم وذلك باستحداث برامج للرفع من مستوى وعي الناس شرط أن يجمع مقدمي هذه البرامج بين ثلاثة خصال أساسية:
- الإلمام بعلم الأخلاق الدينية.
- معرفة بمرض كورونا وانتشاره كوباء.
- مهارات مخاطبة الجمهور الليبي بلغة يستريح لها.
اللهم أهدي العباد وأحفظ البلاد وأخرجنا من وباء كورونا وبلاء الداعشي حفتر بسلام.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً