قلق غربي من تصاعد قدرات إيران لتقسيم السعودية

هل اقتربت ساعه الانهيار؟

تُثير الوفيات المتتالية على رأس هرم السّلطة في السعودية والصّراع بين أمراء الجيل الثاني الذين يُعاني بعضهم من الشّيخوخة والمرض، قلقا متزايدا في الأوساط الغربية حول مستقبل الدّولة النّفطية العملاقة، وبدأت تصدر نداءات ملحّة، حتى في المملكة ذاتها، لتسليم المشعل للـ”جيل الثّالث” من الشّباب قبل فوات الأوان.

حتى لا تغرق السّفينة مع رُكّابها

وكان د. جاسر عبدالله الحربش آخر من نادى بحتميّة التّغيير في مقال جريء نُشر الأربعاء بصحيفة الجزيرة، قائلا “لقد تغيَّر العالم في الخمس سنوات الأخيرة بشكل دراماتيكي وأصبح الكبار يواجهون أجيالاً شابةً تطرح أوضاعها المعيشية والاجتماعية للتحليل العقلي والتجربة والمقارنة”.

وأضاف “باختصار: شبابنا أصبح يعرف أكثر منّا نحن جيل الكبار، وبدأ يرفع صوته مطالبًا بحقوقه في الحياة. فالويل لنا إن حاولنا الوقوف بينه وبين تطلعاته المشروعة، عندئذ سوف تغرق السفينة مع ركابها”.

ووافقه أحد القرّاء على ضرورة “تدارك الأمر قبل فواته وحتى لا نعضّ أصابع النّدم”. واستحسن آخر قوله بأن “جيل الكبار فشل في استغلال المداخيل النّفطية الهائلة لبناء قاعدة وطنية عمالية وفنية وبحثية وصناعية، وهو التّجسيد الأكبر والأوضح لانفصام الحاضر عن المستقبل والذي ترتّب عنه الاعتماد الكامل على العمالة المستوردة”.

الانتقال المحتوم إلى الجيل الثّالث

ومنذ الإعلان منتصف يونيو/حزيران عن وفاة ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز ـ بعد بضعة أشهر من ‏وفاة سلفه الأمير سلطان ـ وعن تعيين الأمير سلمان وليا للعهد بأمر ملكي من ‏أخيه غير الشقيق عبدالله بن عبدالعزيز، لم تنقطع الصحافة الغربية عن التعبير عن قلقها حيال المستقبل المجهول في المملكة وعن إمكانية هيئة البيعة منع حدوث صراع على السلطة بين أفراد الجيل الثاني.

وتحدّثت صحيفة “نيويورك تايمز” عمّا أسمته “توتّرات في أسرة آل سعود”. وقالت “قد تبدو السعودية جزيرة تمثل الاستقرار وسط خضم الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط، ولكن تحت الظاهر الذي ينمّ عن الطمأنينة تكمن تغيرات هيكلية عميقة قد تتسبب في زعزعة المملكة”.‏ وأشارت إلى “المعاناة المستمرة من ارتفاع معدل البطالة بينما تتآكل القوة الشرائية تحت ضغط التضخم المستمر”.

وتحت عنوان “السعوديون يتطلعون إلى جيل أكثر شبابا بعد وفاة اثنين من ولاة العهد”، تساءلت صحيفة “التايمز” البريطانية، “كيف يمكن تجاوز الجيل الحالي من الأمراء المسنين ‏وتمهيد الأرض لمجموعة أكثر شبابا؟”.‏

وأجابت صحيفة “التايجزياتونج” الالمانية بالقول أن “هيئة البيعة لم تستطع منع حدوث صراع على السلطة بين أفراد الجيل الثاني. وفي النهاية فإن العرش السعودي في أزمة وجودية من الناحية السياسية الداخلية لأنه لم يستطع تجديد ‏نفسه وتسليم السلطة إلى الجيل الشاب مما أدي إلى حدوث جمود سياسي. ولن يستطيع ولي العهد ‏الجديد سلمان البراغماتي أن يغير ذلك. لذلك فإن مستقبل العرش السعودي سيبقى مجهولاً بدون ‏إصلاحات ديمقراطية”. ‏

وأشارت زميلتها “هاندلسبلات” الألمانية إلى أن “السعودية أمام تحديات هائلة في التحديث والعصرنة خاصة وأنها دولة الأوبك ‏العربية الخليجية الوحيدة التي تملك هذا الكم الهائل من السكان والتي يعاني قسم منهم من البطالة. إضافة ‏إلى ذلك، توجد انتفاضات الشيعة في شرق السعودية ويريد العرش السعودي مجابهتها بمشاريع هائلة ‏في البنية التحتية تتجاوز قيمتها الإجمالية ألف مليار دولار”.

وقال جيل باريس في صحيفة لوموند “إقتربت ساعة الحقيقة بالنسبة لورثة الملك عبد العزيز. وتعتبر وفاة الأميرين وليي العهد سلطان ونايف تباعا في أقل من سنة مقدمة لإعادة توزيع الأوراق. ويجب على أحفاد الملك عبدالعزيز أن يحسبوا حسابا لطموحات أبناء عمومتهم‎. لكن يبقى اختراع القواعد التي ستتيح للعائلة ‏الملكية تذليل العقبة التي يشكلها الانتقال المحتوم إلى الجيل التالي”.

وقال جورج مالبرينو في صحيفة لو فيغارو “‎بعد وفاة سلطان ثم نايف، يتقلص نفوذ السديريين، غرماء الملك عبد الله، لصالح أبناء الملك السابق ‏فيصل، وبخاصة خالد أمير منطقة مكة المكرمة، بل الأمير تركي الرئيس السابق لأجهزة المخابرات ‏السعودية. إذن فالسعودية حليفة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم تنفض يديها بعد من مشاكل خلافة ‏العرش.

ألزهايمر

أما مجلة “جون آفريك” فقد أبرزت أن الأمير سلمان “يُعتبر من الميالين للحداثة والعصرية في تصنيف الطيف السياسي للوهابية السعودية ويُفترض أن يحظى بقبول الغربيين وعلى الأخص الحليف الأمريكي الذي لا غنى عنه”. لكن المجلة أضافت أن “الأمير سلمان، الذي يبلغ من العمر 77 سنة، صحته هشّة، والحالة الصحية للملك عبد الله تدعو لقلق بالغ أكثر من القلق على صحة ملكة انجلترا المتألقة والتي ‏تصغره بسنتين”.

وممّا يُضاعف من القلق ما كشفت عنه مؤخّرا نشرة “إنتلجنس أون لاين” الفرنسية المتخصّصة في الشؤون الاستخباراتية، من أن “الأمير سلمان يعاني ‏من بداية أعراض مرض ألزهايمر وقد أصيب في الماضي بأزمة قلبية ولم يستعد تماما القدرة ‏على استعمال يده اليمنى”.

وأضافت النشرة أن أخاه غير الشقيق، الملك عبد الله (88 سنة)، مريض أكثر منه. فقد لاحظ المشاركون في جنازة الأمير نايف أنه لا يستطيع ‏القيام بأعمال بسيطة بدون مساعدة”.

يتغيّر النّظام بسرعة وإلا سيموت

ولم تتهاون الصحافة الإسرائيلية والإيرانية في إشعال حرب الخلافة.

فقد قالت “ذا ميديا لاين“، وهي وكالة أميركية يديرها إسرائيليون يعرف عنهم تشويه صورة المملكة على الساحة الإعلامية، أن النظام السعودي “يعاني من الشيخوخة ويحتاج للتغيير بسرعة لكي يواجه تهديد الربيع العربي”.

وأضافت أن “القرار الشجاع والضروري يتمثل في إسناد القيادة الدائمة لجيل أصغر سنا، مما سيساعد آل سعود على النجاة من الاضطرابات الثورية وتهديدات الشيعة من الداخل ومن الخارج” (إيران). ينبغي على هذا النظام الملكي المحافظ الذي يعاني من الشيخوخة ‏أن يتغير بسرعة وإلا سيموت”.

ومن بين أبرز أحفاد الملك عبدالعزيز المؤسّس الذين رشّحتهم الوكالة، “‏حاكم مكة الأمير خالد الفيصل وحاكم المحافظة الشرقية الأمير محمد بن فهد ورئيس الحرس الوطني متعب بن عبد الله ونائب وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف الذي صعد نجمه ويقوم بدور وزير الداخلية الفعلي وهو المسؤول عن الحرب على الإرهاب ويرتبط ‏بعلاقات عمل جيدة مع نظرائه في الولايات المتحدة”.

وكشفت نشرة “إنتلجنس أون لاين” الفرنسية عن “دعم المخابرات السعودية للعمليات ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن، وعن مشاركتها في العمليات العسكرية في محافظتي شبوة وأبين وعن تمويل المخابرات السعودية لشبكة تضم 30 ألف من المخبرين يتمّ إدارتهم من خلال مراكز ثقافية ومساجد ممولة سعوديا في جميع أنحاء اليمن ومن خلال السفارة السعودية في صنعاء”.

رسالة سرية

وكعادتها لم يبخل الإعلام الإيراني في المزايدة على الجميع.

وقالت الفضائية الإيرانية “العالم” أن “الصراعات داخل العائلة المالكة في السعودية تقلق واشنطن” ونسبت إلى “مصادر من العائلة المالكة” القول بأن “الملك عبد الله كان قلقا بعد وفاة الأمير نايف من أربعة أمراء ‏أكبر سنا من الأمير نايف – مشعل ومتعب وعبد الرحمن وطلال – الذين طلبوا من الملك الامتثال لقانون ‏الخلافة بين الأمراء، لكن الملك ارتكب خطأ بتعيين الأمير سلمان وسط انقسامات عميقة”.

وكشفت القناة عن “رسالة سرية” كان قد بعث بها الأمير طلال بن عبد العزيز إلى الملك عبد الله يهدّده فيها ‏بكشف “معلومات تضر بالعاهل السعودي وتتعلّق بالاتفاقيات المبرمة بين الملك والجماعات التكفيرية والتي تلزم هذه الجماعات بارتكاب أعمال إرهابية في الدول العربية، من بينها سوريا. كما يحذّر طلال الملك من إغراء تطبيع العلاقات مع إسرائيل والتقارب مع قطر التي لها مطامع في الأراضي السعودية”.

والجدير بالذُكر أن الامير طلال ـ الذي دأب منذ سنوات على الحديث بكلام عام ومبهم عن “الديمقراطية” و”إشراك المواطن في الرأي والقرار” و”دولة المؤسسات والقانون” ـ انتقد تعيين الامير سلمان وليا للعهد مثلما انتقد من قبل تعيين الأمير سلطان، ملمّحا الى انه أولى منهما بهذا المنصب. وكرّر في تصريحات صحفية تأييده تحوّل الملكيات العربية الى ملكيات دستورية، معتبرا ان “الملكيات المطلقة لم تعد تتماشى مع لغة العصر”.

قريبا سعودية منقسمة إلى شطرين

ومن آخر “المعلومات الواردة من السعودية”، نقلت “العالم” الأربعاء عن “مصادر سعودية” ‏أن “البلد يبدو مقسّما إلى شطرين حتى قبل وفاة الملك عبدالله”.

فـ”إمارة الغرب وعاصمتها ميناء جدة تشمل المدن الكبرى مثل مكة والمدينة والطائف وأبها وتضم ‏نصف سكان البلاد، وإمارة الشرق حيث توجد حقول النفط الرئيسية للبلاد”.‏

‏وأضافت المصادر “يحكم إمارة الغرب التي لا تزال متشبثة ‏بالوهابية متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، ابن الملك وصاحب التكوين العسكري ‏والمسؤول عن الحرس الرئاسي الذي يحظى بشهرة واحترام بين العسكريين، بينما يحكم ابن ولي العهد السابق الذي يتمتّع بشبكات نفوذ في وزارة الداخلية منذ فترة طويلة ‏إمارة الشرق التي تقع تحت تأثير الفكر السلفي القادم من قطر”.

وخلصت إلى القول بأن “المعركة العائلية قد بدأت في غياب الملك بشكل أكثر وضوحا ‏وتزايد الشائعات حول قدراته في اتخاذ أي قرار”.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً