لقد كثر الحديث عن قطر ونقدها، وبدرجة اقل عن الامارات، وانبرت الاقلام في النيل من قطر ومن التيار الاسلاماوي الذي تدعمه قطر، وبالتأكيد للامارت خصوم انبرت الاقلام وسال الحبر في نقد تدخلاتها. طبعا، بصفتي ليبي، وفي الوضع الراهن، لا يهمنى كل ما تعج به الاذاعات والصحف، وما يسطره الكتاب عن قطر و الامارات، بقدر ما يهمني تقييم دور هاتين الدولتين القزميتين (اللاتي لا تكادا تظهرا على خارطة العالم لتضائل مساحتيهما الجغرافية ولهما حضور صارخ على المستوي الدولي) على ليبيا، هذه المقالة تتحدث عن قطر والامارت من باب معرفة العدو.
قطر والامارات: المختلف
لعل من المفارقات في المختلف بين قطر والامارات انه مبني على المتشابه بينهما، فتدخل الامارات وقطر وعلاقاتهما الخارجية مبني على تغدية الخلافات من اجل تعزيز تواجدهما في تلك المناطق التي سمحت لهما الظروف ان يكونا لاعبين فيها، ومبني على سعيهما لان يكون لهما دورا رياديا حتى وان غديا هذا الدور بتعزيز الفرقة والفتن. وقد مكن لهما نجاحهما الاقتصادي وطبيعة العلاقات الدولية باللعب بحرية كبيرة في مناطق النزاع خاصة، وفي استثمار الخلافات الدولية ايضا خاصة في منطقة الخليج. لنتعرف اكثر على هذا الامر، علينا ان ننظر قليلا الى امرين، الاول علاقة هاتين الدولتين بالمملكة السعودية والدول الاقليمية، والامر الثاني علاقتيهما بالتيار الاسلامي.
العلاقات السعودية الإماراتية التي تتسم بالجيدة ظاهريا الا انها متردية فعليا بسبب ما ينظر اليه على انه توجهات “حداثية” لدولة الامارات تتصادم مع التوجهات “السلفية” للمملكة السعودية، حيث أن الإمارات تعتمد على النظام الليبرالي وتنادي بفصل الدين عن الدولة، وتقدم نفسها على اساس انها البديل التقدمي في المنطقة، وهي قادرة على هزيمة الاسلام المتطرف. وقد فضحت الويكيليكس طبيعة هذه العلاقة حين سربت راي محمد بن زايد الذي يقول فيه “السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء وإنما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط “.
ورغم أن إيران تمثل العدو المشترك بين السعودية والإمارات، إلا ان الامارات كانت قد رحبت بالاتفاق النووي الإيراني، وقد وظفت الامارات الازمة الايرانية الغربية في خدمة اقتصادها المحلي. ففي حين قلصت الامارات علاقاتها الدبلوماسية مع ايران وسحبت سفيرها، إلا ان معدل التبادلات التجارية بين الإمارات وإيران كبيرا جدا، تفيد العديد من التقارير بأن دولة الإمارات هي أكثر دول العالم تصديرا إلى إيران، وتشكل صادراتها إلى إيران ما يقارب 29 بالمئة من إجمالي مستوردات إيران، وناهز حجم التبادل التجاري بين البلدين 30 مليار دولار العام الماضي. وتصف دولة الامارات علاقتها بايران على اساس انها علاقة اقتصادية وليست سياسية، الا ان تدخل الاقتصاد بالسياسة يكذب هذا الادعاء.
الامارات تشارك دول الخليج في التحالف المعروف باسم عاصفة الحزم ضد الحوتين وصالح في اليمن، ومع ذلك تشير بعض المصادر أن الإمارات تحتفظ بعلاقات جيدة مع صالح والحوثيين، مما دفعها لتسريب موعد بدء عملية “عاصفة الحزم” لأحمد صالح، وحاولت إنقاذ ابيه المخلوع علي عبدالله صالح.
وفي حين كانت العلاقات الإماراتية التركية على درجة عالية من التعاون الدبلوماسي، ويتقاسم الجانبين علاقات ثقافية وعسكرية واقتصادية واسعة، كما تعد تركيا واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للإمارات، الا ان هذه العلاقة اعتراها الوهن في الاونة الاخيرة بسبب موقف الامارات من جماعة الاخوان ودعمها للرئيس السيسي، وزاد هذا الوهن عقب الاتهامات التركية بتورط الامارات في المحاولة الانقلابية ضد حكومة اردوغان.
موقف الامارت من الاسلاميين هو اهم المواقف الذي يوجه جزء كبير من سياساتها الخارجية وتدخلتها المعلنة والخفية، ويعود السبب حسب بعض التحاليل الى الدور المصري في الامارات. فشعب الامارات كغيره من الشعوب العربية تتلمذ على ايدي الاساتذة المصريين في منتصف القرن الماضي، فنقل الاساتذة الوافدين تجربتهم الحزبية والتي تمتلث في تياريين رئيسيين هما التيار القومي الناصري والتيار الاسلامي الاخواني، وكانا هذان التياران على جانب كبير من العداء. كما ساهم ضباط الامن المصري في بناء وتأسيس الاجهزة الامنية الامارتية، ونقلوا لهذه الاجهزة عقيدتهم القومية التي تتقاطع وتتصادم مع التيار الديني. لذلك فعلى المستوى الرسمي كان هناك عداء صريح منذ البداية وعدم ثقة في الحركة الاسلامية، لكن طبيعة المجتمع تتماهي مع الدين، وبالتالي كان حظ التيار الاسلامي في الانتشار اكبر على المستوى الشعبي، فتكونت جمعيات دينية في الامارات كجمعية الاصلاح، ولخشية الامارات من حدوث تحولات سياسية قد تمكن هذه الجمعية عالية التنظيم من الحكم كبديل عنها سعت الى استهدافها وطالبت بحلها. وقد عبر محمد بن زائد عن هذا الخوف في وثيقة سربتها الويكيليكس يتحدث فيها عن الجيش الامارتي ويشير الى عدم ثقته بولاء الجيش وقوات الأمن، فيقول: إن 60-80% من القوات المسلحة الامارتية قد يستجيبوا لنداء شيخ من شيوخ مكة. وهو ما يفسر استعانة حكام الإمارات بشركة بلاك ووترز (Black Waters) من أجل حمايتهم، كما يفسر مشاركتهم لاحقًا في الانقلاب العسكري على حكومة الإخوان المسلمين في مصر. وتكشف وثيقة أخرى أقرار محمد بن زايد بمحاربة الإمارات لكل أشكال “التطرف الإسلامي” في مناهج التعليم التي وصفها بأنها قد وُضعِت من قبل الإخوان المسلمين قبل أن يتم تغييرها في إطار الحملة التي تخوضها الإمارات لمحاربة التطرف. وجاء في احد الوثائق أن عبد الله بن زايد لا يرى في الأمراء السعوديين الأصغر سنًّا أي وجوه واعدة، وأن النظام السعودي لا يسمح إلا للفاسدين وأولئك المتحالفين مع شيوخ الدين بالوصول إلى القمة. ويتجاوز عداء الاسلاميين حدوده في تحالف الامارات مع مصر والاردن في تأيد التدخل الروسي في سوريا دعما لحماية النظام السوري في محاربة الجمعات الاسلامية، والذي لا شك ساهم في تأجيج الصراع واطال امده الى اجل غير معروف.
على الجانب الثاني، فإن علاقات قطر بالسعودية كانت دائما علاقات متوثرة، ولم يكون التوثر فيها وليد اللحظة، وربما كانت دروتها الخروج الاخير لقطر عن الاجماع الخليجي في قضيتين وهما العلاقات مع ايران من ناحية ودعم جماعات الاسلام السياسي من ناحية اخرى. كانت السعودية من أشد الداعمين للجماعات الاسلامية السنية بكافة أطيافها في منتصف القرن الماضي، واستعملتهم في صراعها ضد الاحزاب اليسارية وضد الاتحاد السوفييتي السابق في افغانستان. ويعود اول تواجد لأعضاء جماعة الاخوان المسلمين المصرية في السعودية إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي ناصبوه العداء، إلا أنها لم تسمح للجماعة بالعمل السياسي، بينما سمحت للسلفيين بالعمل بكل حرية بسبب ان التيار السلفي يناهض الخروج على الحاكم. كانت السعودية من اهم الدول في التحالف الذي اخرج صدام من الكويت، وقد انتقد الاخوان تأييد السعودية للحرب واستضافتها للقوات الامريكية، مما دفع الحكومة السعودية في اتهام الجماعة بإثارة المشاكل، وانتهاء الامر بتصنيفهم كجماعة ارهابية عام 2014. نقيضا للموقف السعودي، قامت قطر باستقبال الاخوان ورعايتهم، كما إستضافة العديد من المؤتمرات والندوات التي ينظمها الاخوان المسلمين، مما جعل السعودية تشعر بالقلق من تنامي نفوذ الجماعة على حدودها.
علاقة قطر مع ايران علاقة يميزها حجم التعاون الكبير بينهما، وعلاقتهما بالتظيمات الاسلامية كالاخوان وحماس وحزب الله، فكلا الدولتين، قطر وايران، تدعمان هذه الجمعات. وتحاول قطر ان توازن بين علاقتها بايران وعضويتها في مجلس التعاون، الا ان هذه المحاولات لا تحقق النجاح دوما، وتؤدي إلى توثرات غير محمودة العواقب كالتي نراها الان. وترتبط قطر مع ايران باتفاق امني عسكري وقع بين البلدين عام 2015 تحت مسمى مكافحة الارهاب، ووقع الجانبين اتفاقية تعاون لحماية الحدود المشتركة واجراء تدريبات عسكرية مشتركة، الامر الذي يتعارض مع اهذاف مجلس التعاون الخليجي. ويكفي ادراك حجم التعاون الاقتصادي بينهما بالاشارة الى صفقة الاستثمارات النفطية بقيمة 50 مليار دولار التي وقعها الطرفين في عام 2011.
العلاقات التركية القطرية قديمة، لكن اهم ما يميز هذه العلاقات حديثا هو موقفهما من الحرب السورية، وعلاقتهما بتيار الاسلام السياسي وبالخصوص جماعة الاخوان المسلمين، وموقفهما من الاحداث في مصر. فكل من تركيا وقطر يدعمان الجماعات التي تقاتل نظام الاسد، وللدولتين موقف موحد من الازمة المصرية، فكليهما يدعمان الاخوان وينظران الى احداث يونيو 2013 على انها انقلاب على الشرعية التي كسبها مرسي من صناديق الاقتراع. وطبعا النظام الحاكم في تركيا يحمل الشعار الاسلامي، وينتمى اردوغان نفسه الى حزب اسلامي تدعم توجهاته دولة قطر، لذلك فالعلاقة بينهما هي اقرب الى التحالف من العلاقة السياسية الطبيعية.
قطر تبحث عن دور ريادي، وحجمها لا يؤهلها للقيام بهذا الدور، لذلك فهي تبحث عن اوراق ضاغطة، يمكن لها توظيفها بالاضافة الى امكانياتها الاقتصادية في تحقيق هذا الدور الريادي. وتملك القيادة في قطر قناعة بأن تنظيم الإخوان لا يشكل خطراً عليها، فلا يوجد اخوان قطريون نشطون على المستوي التنظيمي يمكن لهم ان يشكلوا خطرا على النظام القطري، وقد وجدت قطر ضالتها في استثمار الإخوان المسلمين كورقة لتحقيق مصالحها في التعامل مع العالم الخارجي. وقد اشار الى ذلك صراحة رئيس الوزراء القطري السابق الشيح حمد بن جاسم في مقابلة مع قناة البي بي اس الامريكية، ففي جوابه عن سبب تعامل قطر مع الإسلاميين، قال إن الإسلاميين لهم دور مؤثر في المنطقة العربية من العراق وحتى المغرب، وهم كقوة سياسية مهمة لا يمكن أن تتجاهلها قطر.
(يتبع ….)
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً