في مطلع الألفين من القرن الماضي كنت مفوضا عاما لاتحاد عام غرف التجارة والصناعة حضر إلى مكتبي مندوبا عن الشركة العامة للمطاحن والأعلاف سلمني رسالة كانت الشركة قد وجهتها للأمين المساعد لشؤون الانتاج (مجلس الوزراء) السيد الدكتور البغدادي المحمودي يطلبون فيها الإذن للشركة بإنشاء مطحن جديد لمادة القمح لإنتاج الدقيق بطاقة إنتاجية تقدر ب 600 طن يوميا. كانت الشركة عاجزة عن تلبية احتياجات السوق المحلي من مادة الدقيق ونسبة كبيرة جدا يتم استيرادها من عدة دول لتغطية العجز.
همش الدكتور البغدادي على الرسالة بعبارة (يؤخد رأي اتحاد عام الغرف التجارية والصناعة).
سألت مندوب الشركة: أنتم تطلبون الموافقة وفي رسالتكم تصريح بوجود شريك أجنبي لانشاء هذا المطحن هل لي أن أعرف من هو هذا الشريك؟
أجابني: بأنه مالطي.
قلت له: أنا أعرف أن ما لطا جزيرة لا تزرع القمح ولا تصنع تقنية المطاحن فلماذا؟
أجابني: هو مستثمر أجنبي ونحن نبحث عن تغطية مالية لاقامة هذا المصنع.
قلت له: مشكلتكم اذن في التغطية المالية.
أجاب: نعم.
قلت له: ماذا لو توفرت لكم هذه التغطية من مستثمرين ليبيين هل لديكم مانع؟
أجاب: كلا بل ونرحب.
اتفقنا على عقد اجتماع بعد ثلاثة أيام لأتمكن من دعوة مستثمرين ورجال أعمال ليبيين لحضور الاجتماع.
عقد الاجتماع في الموعد المحدد وأبدى رجال الأعمال الليبيين استعدادهم لمؤازرة الشركة العامة للمطاجن والأعلاف بالدخول معها في شراكة سواء بالنسبة لانشاء مطاحن جديدة أو المساهمة في صيانة المطاحن المتعثرة والدخول مع الشركة في شراكة لتشغيلها أو استئجارها..
انتهى الاجتماع بالتوافق على مبدأ اعطاء الأولوية للمستثمرين الليبيين في هذا المجال.
وجهت رسالة للدكتور البغدادي بما أسفرت عنه الاجتماعات في انتظار التوصيات التي يقترحها.
استثمرت خبرتي الصحفية فكتبت خبرا عن الاجتماع وما أسفر عنه ووزعته على كافة وسائل الاعلام الورقية بصيغ مختلفة حتى تشعر كل صحيفة بأنها تنفرد بنشر الخبر وحافظت على المضمون الموحد للخبر وركزت على أن صناعة الدقيق تدخل ضمن (الأمن الغذائي) وينبغي أن ينتج محليا ولا يتولاه الا العناصر الليبية.
بعد نشر الخبر في الصحف الليبية بدأت أسمع المسؤولين يتحدثون في وسائل الاعلام المرئية عن الأمن الغذائي.. فرحت كثيرا لأن رسالتي قد وصلت دون ضجيج.
أيام قليلة مرت.. استلمت رسالة من الدكتور البغدادي المحمودي يطلب من اتحاد الغرف التجارية دعوة المستثمرين ورجال الأعمال الليبيين لاقتحام هذا المجال..
فرحت بهذا التجاوب فقمت بدعوة الغرف التجارية وكانت ستة غرف الى عقد اجتماعات مع رجال الأعمال والتجار المسجلين لديها وتشجيعهم على اقامة مطاحن.. وقد تم ذلك بحماس منقطع النظير.
رأيت أن اتخذ خطوة مهمة لدعم هذه الصناعة فخاطبت المرحوم الدكتور شكري غانم الذي كان وزيرا للاقتصاد بضرورة تخفيض الفوائد المصرفية لانشاء هذه المصانع من 6.5% الى 4% وحث المصارف على قبول المصنع كرهن وحيد لمنح القروض من باب التشجيع على اقامة صناعات لها علاقة بالأمن الغذائي مثل تعليب الطماطم وزيت المائدة. تبنى الدكتور شكري هذا المقترح وتواصل مع المصرف المركزي بالخصوص.
لم يمض وقت طويل حتى صدرت موافقة مصرف ليبيا المركزي على ما طلبت باستثناء تغيير طفيف أن المركزي قرر أن تكون الفائدة عن القروض 3% وليس 4% كما طلب اتحاد الغرف.
شاهدنا بعدها تشييد عدة مصانع في عدة مناطق من ليبيا وتم القضاء نهائيا على استيراد مادة الدقيق.
ماذا يحدث اليوم للرغيف في ليبيا؟
المجلس الرئاسي وحكومته لم تتمكن من معالجة هذا الموضوع. وعندما أضربت المخابز وقفلت أبوابها في الآونة الأخيرة سارعت الحكومة (الرشيدة) الى رفع سعر الرغيف. لم تنظر الى جوهر المشكلة وانما حملت المواطن فرق السعر وزادت من حمولة الأثقال فوق ظهره.
إذا كانت حكومة لا تستطيع أن تؤمن سعر عادل للرغيف وهو أبسط متطلبات الأمن الغذائي بالنسبة للمواطن.. ولا تفكر التفكير الصحيح.. تكون حكومة خلق أزمات وليست حكومة خلق استقرار.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
…. هذه ليست حكومة سيدى .. انها كائن مشوه تخلق فى ظروف اشد تشوها وعجائبيه انت ادرى بالكثير من تفاصيلها ..
لذا لا يتوقع منها اى حل او مسلك او قرار رشيد ولا رهان عليها ..
الحل يبتدئ من ازاحتها عن المشهد عبر فعل وطنى يتخلق محليا … وهذا ما يتصنعه جموع تعيش الان فى مدرسة البؤس التى تطحنها كل يوم … وليرتقبوا ونحن معهم مرتقبون
الشعب شبعان ياشاطر، الخبز للسعي والغنم ، الشعب يريد كيك من الكيكة الكبيرة التي غاطسين فيها اللصوص ، ولو الشعب جاع يعرف وين يمشي وبمأن الأغبياء كثير أقول لهم ( الشارع والميدان ) هو الحل .
حصل فعلا