سجلت قوات البنيان المرصوص ملاحم وانتصارات لم نرى لها مثيل حتى عند من عُقدت لهم ألوية وقُيد لهم دعم خارجي وأحلاف عربية صديقة وطائرات تجوب سماء شرقنا الحبيب، وبذلك فإن شباب الثورة من جميع أصقاع ليبيا قد أدوا دورهم المنشود نحو الوطن، ورغم بيان الانتصار الذي أبعد شبح داعش عن الشاطئ المقابل لليبيا، إلا أن ذلك قليل التأثير على مجريات الأحداث المحلية سوى كانت سياسية أو إقتصادية، ويعود الأمر إلى أسباب جوهرية تتعلق بما يسمى بالمجتمع الدولي (جزافاً) ويقصد به الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها أمريكا.
يحلو للبعض أن يتلمس الفرق بين مواقف الدول الكبرى ويمني نفسه بتغيير المواقف عند كل تصريح أو تلميح من رؤساء وزارات ووزراء خارجية تلك الدول، ولا ينفك البعض من تصنيف القوى الداعمة إلى معسكرين إحداهما لجيش حفتر وهم فرنسا ومن ورائها مصر والإمارات والأردن، والأخر للمجلس الرئاسي وهم أمريكا وبريطانيا وإيطاليا ومن ورائهم قطر وتركيا. حقيقة الأمر أن الدول العربية المربكة والمزعزعة للواقع الليبي تحركها مصالحها الخاصة في ليبيا ولكنها لا تخرج عن السياسة المعتمدة من الدول الكبرى، وبذلك فإن التناقض في التصريحات بين وينر وجنتلوني ولو دريان أو فالس تناقض ظاهري لا ينم عن تغيير في سياسة الدول الغربية الكبرى.
إن سياسة ما يسمى بالمجتمع الدولي تكاد تكون واحدة في معظم دول العالم الثالث منذ قيام الثورة الإيرانية التي لم يتم توقع انحدارها إلى خسائر بمئات المليارات للدول الغربية ودخول دول أخرى بديلة للسوق الإيراني. سياسة الدول الغربية تتمثل في تحديد ودعم سلطة رئيسية (تدعى شرعية) وهي الحكومات الثلاث السابقة ثم نزعت الشرعية من الحكومة المؤقتة لتتحول إلى المجلس الرئاسي بعد اتفاق الصخيرات، موازيا لذلك دعم قوة بديلة للحكومة أو بعثها من لا شيء لتكون حكومة شرعية عند انسداد الأفق وفشل السلطة الرئيسية، في الحالة الليبية كانت القوات القبلية أولاً ثم قوات الكرامة ومشروع حفتر البديل. هذه السياسة نجحت في تغيير الكثير من رؤساء الدول مثل الأرجنتين وفنزويلا وبنما وهايتي وأخيرا عزل رئيسة البرازيل ديلما روسيف؛ منها ما هو بانقلابات عسكرية ومنها بالقوة الناعمة عن طريق الدعم الإعلامي والفني لخلق شعبوية تضع عملائها على سدة الحكم، وبذلك تضمن القوى الكبرى ولاء الحكومات لسياساتها، أو الاتجاه للبديل كلما رفضت تلك الحكومات الانصياع لأوامرهم، وهكذا يكون من المؤسف التعويل على المجتمع الدولي لحل مشكل الشعب الليبي رغم أنه الوسيلة المتوفرة حاليا للتقريب بين الفرقاء.
الوجه الآخر الأكثر أهمية لتفاقم اللازمة الليبية هو تدني الوعي الشعبي والنخبوي، وحداثة التجربة الديموقراطية، ووقوع الجماهير في حبائل ومكائد الإعلام الموجه، لخدمة مصالح دول بعينها، ولو أدي إلى تدمير الدولة الليبية عن بكرة أبيها، وإلا كيف يتشبث قطاع من الليبيين بمن كان في ضيافة وكالة الاستخبارات الأمريكية لربع قرن أن يكون قائدا عسكريا لهم، وأن يتوج السارق جضران ملكا على فيدرالية برقة، وكيف يتم قبول من عاش في ضيافة الجمعيات الألمانية رئيسا للوزراء، ومن رفض التنازل عن جنسيته الأمريكية أن يكون له دورا في صياغة الدستور، وكيف يرتضي ألاف العسكريين أن يكونوا تحث أمرة قيادة مدنية، وكيف يتماهى الشعب مع قفل الطرق والموانئ وانتشار الحرابة، هذا بعيدا عن سرد مثالب الصف الثاني الذي أصبح الكثير منهم ألعوبة في أيدي الدول العربية ومن ورائهم الدول الغربية، وبلا شك أن ازدهار النعرات القبلية والجهوية وانهيار مؤسسات الدولة السابقة عمل على استحالة توجيه التهم لاحد المسئولين قضائيا أو حثى فضح أعمالهم صحفيا.
تاريخيا الشعوب النائمة لا حظ لها في التغيير أو الارتقاء حتى يعاد برمجتها من جديد، ليس بطريقة الصحوة السيئة السمعة التي أنتجت القاعدة وداعش وجميع الحركات الجهادية، بل بالسير في طريق الحداثة المنضبطة والموائمة لثوابت الأمة من خلال نخبة واعية.
خلال هزيمة 5 يونيو 1967، بدلا أن يطيح الشعب المصري بالحكم العسكري المتسبب للهزيمة، نشطت الألة الإعلامية ليخرج الشعب المصري متمسكا بعبد الناصر زعيم الأمة العربية وبطانته السيئة، وبذلك توالت الهزائم السياسية والعسكرية والاقتصادية على مصر ومن ورائها الدول العربية إلى يومنا هذا.
يقول المفكر الإيطالي كارلو سيبولا لا فرق بين البشر إلا بأفعالهم (وهو قول جميع الكتب السماوية) فالأفعال وحدها لها التأثير المباشر على الدول والشعوب، وصنف هذا المفكر الجنس البشري إلى أربعة أصناف: الصنف الأول هم الذين تنتج عن أفعالهم منفعة لهم ولغيرهم وهم العقلاء (الأذكياء)، والصنف الثاني الذين تنتج عن أفعالهم منفعة لهم وضرر لغيرهم وهم الأشرار (القراصنة)، والصنف الثالث الذين تنتج عن أفعالهم منفعة لغيرهم وضرر لهم وهم المغفلون، وأخيرا من ينتج عن فعلهم ضرر لهم ولغيرهم وهم الأغبياء.
وحيث أن العقلاء مُرحب بهم (وهم القلة)، والأشرار يمكن توقع فعلهم أو الزج بهم في السجون إن تمادوا في غيهم، والمغفلون يتحملون أوزارهم الواقعة عليهم من أفعالهم، فإن المشكلة الأساسية في فئة الأغبياء، وهم الأكثرية من الدهماء، وهم المصدر الأساسي لكل المصائب والشدائد والأزمات بسبب صعوبة التنبؤ بأفعالهم وأنهم يتيحون كل الفرص للأشرار لتنفيذ مآربهم. ويستطرد المفكر سيبولا ان فئة الأغبياء تتوزع على كل شرائح المجتمع، فهناك أغبياء فلاحين وعمال وموظفين وحقوقيين وأساتذة جامعات وبنسب متقاربة عند كل الشعوب، إذا أين الخلل في المشهد الليبي إذا كنا جميعا في الهم سواء؟؟
من الواضح ان وعي الشعوب ووجود مؤسسات فاعلة في الدول المتطورة تجعل تولي أمور الشأن العام للدولة مقتصرا على العقلاء، وأن الأشرار إما أن ينضبطوا مع قوانين المجتمع أو يدخلون غياهب السجون، أما المغفلون فيتحملون أخطائهم حتى إلى أن تصقل تصرفاتهم في مدرسة الحياة، وأخيرا ليس هناك فرصة لعبث الأغبياء حيث تكون قوانين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني لهم بالمرصاد، فلا محاصصة ولا قبلية ولا جهوية ولا تيارات أيديولوجية يمتطيها الأغبياء لخلط الأوراق ونشر حالة التردي المجتمعي الذي نحن فيه جميعاً.
وبذلك فإن إسقاط المؤسسات السيئة وبناء غيرها على أسس متينة عاملا أساسيا لترسيخ قيم مجتمعية نهضوية إيجابية تعمل على بناء الإنسان وتغيير المجتمع نحو ركب الدول المتقدمة التي يسودها الحرية والعدل والمساواة والشفافية ومكافحة الفقر والفساد، وتوطين ثقافة العمل والإنتاج نحو بناء مجتمع الرفاهية المنشود.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
ما قامت به قوات البنيان المرصوص عمل وطني بكل امتياز لانه ساهم في اجتثاث احد التنظيمات الارهابية المتغلغلة في ليبيا و نحن نؤيد هذا العمل ولاننكر ان الولايات المتحدة ساهمت بضربات جوية مكثفة و هذا لا ينقص من المجهود الذي قامت به قوات البنيان المرصوص فلو استمرت الضربات الامريكية سنوات دون الرجال على الارض لما تحررت سرت …… ولكن وللاسف الكاتب لم يثمن ما تقوم به قوات الجيش في المنطقة الشرقية فهو كذلك عمل جبار ويخلص الوطن من فئة متطرفة تتحالف مع داعش وتنتهج نهجها … الا ان الكاتب تطرق الى الطائرات الاجنبية في برقة ولم يتطرق الى الطيران الامريكي في سرت لماذا هذه الازدواجية في المعايير ونسف ما يقوم به المقاتلين في برقة من دفاع مستميت على ارض الوطن يلاقي تأييدا لا يستهان به في كامل ليبيا وليس برقة فقط ….. اما ان لنا ان ننصف كل من يقاتل الارهاب في ليبيا و نمد ايدينا الى بعضنا البعض