أصدر المؤتمر الوطني القانون رقم 5 لسنة 2014 بتعديل نص المادة 195 من قانون العقوبات. ولا شك أن هذا التعديل يطرح جملة من الأمور القانونية، حاولنا اختصارها في هذه المقالة.
1- بادئ ذي بدء نود أن ننبه أن لفظ أهان ليس لفظاً غامضاً كما يصرح بذلك الكثير من إعلاميينا و سياسيينا. فالاهانة كما أوضحت المحكمة العليا في طعنها الجنائي رقم 309 / 24 ق تتحقق بكل قول أو فعل أو كتابة أو رسم يقضى العرف بان فيه ازدراء وحطا من الكرامة في أعين الناس.
2- تم حذف عبارة اهانة القوات المسلحة!!!!! فهل اهانة القوات المسلحة قول مباح عكس اهانة باقي السلطات. مع التذكير بأن العمود الفقري لأي دولة هو جيشها. ولذلك تحرص اغلب الدول على تكريس الاحترام لقواتها المسلحة وترسيخه. عكس ما فعل مؤتمرنا الوطني وكأنه يقول : كانت اهانة القوات المسلحة مباحة في النص السابق أما الآن فقد حذفناها فأهينوها فوق ما هي محل طعن واهانة وسخرية ومحاولات حثيثة لعدم قيامها.
3- استنكر العديد حذف فقرة اهانة الشعب الليبي من المادة 195 عقوبات. ولا ندري هل فعل المؤتمر ذلك عن عمد أو خطأ؟ ولكنه حسناً فعل. فهذه الجريمة منصوص عليها في المادة 205 عقوبات والتي تنص على أنه: “كل من أهان الامة الليبية أو العلم الوطني أو شعار الدولة يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات”.
فلا شك أننا كنا أمام ازدواج تجريمي معيب. تجاوزناه بهذا الحذف.
4- أضاف التعديل جريمة المساس بثورة 17 فبراير!!!!! وكلمة مساس يمكن أن تدخل في التكوين المادي لبعض الجرائم كالمساس بجسم المرء في جريمة هتك العرض أو غيرها؟!! فما معنى المساس هنا؟! هل هي الاهانة؟ وإذا كانت كذلك فلماذا يتم استبدالها بكلمة مساس وكلمة أهان أكثر وضوحاً وتحديدا؟! سيما وأن من أهم مميزات قانون العقوبات الوضوح والتحديد؛ لخطورته كونه يجرم أنماطاً من السلوكات والأقوال ويعاقب عليها.
الإشكالية الأكبر هي في من يقع عليه هذا المساس!!! أي محل الجريمة. فيمكن أن نحدد محل الجريمة في جريمة اهانة شخص طبيعي أو اهانة القضاء مثلا كمؤسسة ولكن أن يكون محل التجريم شيء اسمه ثورة 17 فبراير!!! فكيف سنعرف ونحدد 17 فبراير؟!! هل هي مؤسسة أو كتاب أو شخص أو عبارات؟!!.
وننبه أن اهانة معمر القذافي كقائد لانقلاب 69 في التعديل السابق للمادة 195 وضعت محل رئيس الدولة حيث كانت العبارة السابقة تنص على أنه “يعاقب بالسجن كل من أهان رئيس الدولة. فكان الأجدى إرجاعها لسابق عهدها. ولكن أن ندخل عبارات لا تدل على شيء ملموس أو يمكن حصرها وتحديدها كثورة 17 فبراير فهذا مما يشكك في قانونية واضع هذا التعديل ويسمه بعدم الدستورية.
5- هناك فرق كبير بين النقد والاهانة أو السب. ولا شك أن أغلب ما يحصل اليوم في قنواتنا الإعلامية أفعال مجرمة.
فالنقد المباح كأحد نتاجات حرية الفكر مصان ومحمي.. ولكن بشروط أبانتها المحكمة العليا في الطعن الجنائي رقم 30/15 ق حيث نصت على أنه: “حتى تبقى حرية الفكر لها قداستها وحصانتها من العقاب يجب ان تستهدف المصلحة العامة والتوجيه فى نواحى الحياة المختلفة سياسية او اقتصادية او اجتماعية او علمية فاذا لم تستهدف هذه الغاية السامية بل استهدفت غاية اخرى لا تهم الجمهور او مآرب ذاتية فلا يكون لها هذه الحصانة وتنتقل من النقد المباح الى دائرة الاهانة المعاقب عليها.”
كما قضت أيضاً بأنه:”ان حرية الفكر هى اداة ارشاد تنشد الحقيقة وتستهدف الخير ويستطيع بها الفرد او الجماعة ان يقدم النصيحة فى الشئون العامة وان يوجه المجتمع الى مواضع النقص فى النظم والقائمين عليها وان يحذر مما يعتقد انه يهدد مصالحه او يكون مصدر خطر عليها.
أما ما نشاهده اليوم ومن أغلب التيارات تقريباً فهو في نسبة كبيره منه جرائم. استسهلها الناس لضعف الدولة وأجهزتها الشرطية والقضائية فقط. فأن نسب أشخاصاً بعينهم ونشتمهم ونتنقصهم بأشخاصهم ونتعمد أهانتهم أو نحرض عليهم علانية أو ضمناً أو نتهمهم بالعمالة والخيانة فهذا لا يمكن أن يوصف بحرية الفكر أو النقد المباح.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً