في خطوة من خطوات التخبط وعدم القدرة على إدارة شؤون الدولة فاجأنا المجلس الرئاسي بوصفه القائد الأعلى للجيش بقراره رقم (61) لسنة 2023 بشأن إنشاء هيئة السيطرة والقضاء بالجيش الليبي دمج فيها الهيئة العامة للقضاء العسكري والمدعي العام العسكري وإدارة الاستخبارات العسكرية وإدارة المحاسبة المالية التي ربما يقصد بها إدارة الحسابات العسكرية وأشار في ديباجة قراره للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي والقانون رقم 1 لسنة 1990 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية في الجيش والقانون رقم 11 لسنة 2012 بشأن صلاحيات المستويات القيادية للجيش الليبي.
ثم أتى بأحكام مخالفة للتشريعات المذكورة جعلت من قراره مجرد قراراً معدوما وليس باطلاً وحسب كأن المخاطبين بأحكامه يجهلون كيفية إدارة الدولة وقوانينها.
- فالإعلان الدستوري نص في مادته رقم (32) على: (السُّلطـة القضائيـة مُستقلة، وتتولاها المحاكـم على اختـلاف أنواعها ودرجاتهـا، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، والقُضاة مُستقلون لا سُلطان عليهم في قضائهم لغير القانون والضمير. يُحظر إنشاء محاكم استثنائية)، ونص في مادته رقم 35 على: (يستمر العمل بجميع الأحكام المُقررة في التَّشريعات القائمة، فيما لا يتعارض مع أحكام هذا الإعلان إلى أن يصدر ما يُعدلها أو يُلغيها) نسي مصدر القرار أن القضاء العسكري بوضعه الحالي يتبع لوزير الدفاع ووزير الدفاع جزء من السلطة التنفيذية مما يجعل من محاكم القضاء العسكري، مجرد محاكم استثنائية وليست محاكم خاصة ومخالفة للإعلان الدستوري وبالتالي عليه أن يضع الحلول لمن هم في السجون العسكرية وصدرت ضدهم أحكاماً قضائية بالمخالفة للإعلان الدستوري وعلى الدولة أن تضع في حساباتها قائمة طويلة من التعويضات عن الحبس غير القانوني الذي نتج عن أحكاما مخالفة للإعلان الدستوري المؤقت والتي لا تعفي أعضاء المؤتمر الوطني العام ومجلسي النواب والدولة من المسؤولية عنها، طال الزمان أم قصر.
- الاتفاق السياسي الذي أشار إليه مصدر القرار نص في المادة 10 منه على أن: (تلتزم حكومة الوفاق الوطني بتشكيل لجنة مشتركة من مجلس النواب ومجلس الدولة وحكومة الوفاق الوطني ومجلس الدفاع والأمن القومي المنصوص عليه في الإعلان الدستوري، للتوافق على مشروع قانون يحدد صلاحيات منصب القائد الأعلى للجيش الليبي وكذلك صلاحيات المستويات القيادية بالجيش خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ بدء عملها على أن يعتمده مجلس النواب كما تم التوافق عليه). وهذ الإجراء لم يتم بالتالي فإن صلاحيات القيادة العليا للجيش لم تحدد ولم تهيكل القيادة في حد ذاتها ولم تحدد كيفية استقائها لمعلوماتها ولا كيفية اتخاذها لقراراتها.
- ومن وجه ثالث وفي إطار تنفيذ المادة 35 من الإعلان الدستوري فإن القانون رقم 1 لسنة 1990 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية في الجيش قد نص في مادته الأولى على: (تنشأ هيئة تسمى “الهيئة العامة للقضاء بالشعب المسلح” تتبع اللجنة العامة المؤقتة للدفاع وتتكون من نيابة ومحاكم الشعب المسلح وإدارات وفروع أخرى حسب نظم الشعب المسلح، ويصدر بتنظيمها وتعيين رئيسها وتحديد اختصاصاتها، وأسلوب عملها وحقوق وواجبات العاملين بها، قرار من أمين اللجنة العامة المؤقتة للدفاع). وبالتالي فإن التعدي على شخصية القضاء العسكري بصورتها الراهنة تحتاج إلى قانون خاص يعدل في فيها وهذا الإجراء لم يتم.
- نصت المادة الخامسة من القانون رقم 11 لسنة 2012 بشأن صلاحيات المستويات القيادية للجيش الليبي على جملة من الاختصاصات من بينها اقتراح كيفية تنظيم الجيش وإداراته بالتالي فاختصاص وزير الدفاع تقتضي الاستماع إلى رؤية رئيس الأركان العامة للجيش بينما لم نر له ركزا في هذا القرار ولم يحظى بأي دور.
- ومجمل القول إن القرار جانب الصواب وخالف القوانين والتشريعات المعمول بها في الدولة أو ما تبقى منها، مما ينحدر به إلى درجة الانعدام وليس البطلان فقط ويجعله مجرد عمل مادي لا قيمة له من الناحية القانونية ومن عدة وجوه:
- أ- الوجه الأول ينطوي على مخالفة دستورية بمخالفة المادتين (32 ،35)
- ب- الوجه الثاني عيب مخالفة الاختصاص بالتعدي على السلطة التشريعية لأنه لا يملك تعديل القوانين، وحيث قد قام بمخالفة المادة الأولى من قانون الإجراءات العسكرية وإلغاء الشخصية الاعتبارية للمدعي العام العسكري وهيئة القضاء العسكري فإنه يكون مخالفاً للاختصاص.
- ت- الوجه الثالث القرار معيب بعيب مخالفة القوانين والخطأ في تفسيرها وتأويلها وعلى النحو المشار إليه.
- ث- الوجه الرابع القرار معيب بعيب إساءة مصدر القرار لسلطات وظيفته وهي بحد ذاتها جنحة جنائية.
- وهذه بعض الأحكام والمبادئ التي أرستها المحكمة العليا في القرارات الإدارية المعدومة والباطلة.
وحيث قد قضت المحكمة العليا في فضية الطعن الإداري رقم 3 /6ق بأنه: (يكون القرار الإداري قابلا للإلغاء إذا شابه عيب الاختصاص أو الشكل أو مخالفة القانون أو الانحراف).
أ ـ إن عيب عدم الاختصاص يقع في صورة اغتصاب السلطة إذا ما كان القرار الإداري صادرا من سلطة اعتداء على سلطة أخرى.
وعيب عدم الاختصاص يتنوع فتارة يكون موضوعيا كأن يصدر موظف أو هيئة قرارا من اختصاص هيئة أخرى وتارة يكون عيب الاختصاص مكانيا كأن يصدر أحد رجال الإدارة قرارا يمتد أثره إلى خارج الحدود الإقليمية الموضوعية لمزاولة اختصاصه، وتارة يكون عيب عدم الاختصاص زمنيا كأن يزاول رجل الإدارة اختصاصه بعد فقدان صفته في مزاولة الأعمال العامة.
ب ـ يكون القرار الإداري معيبا في شكله إذا لم تحترم القواعد الإجرائية أو الشكلية المقررة لصدوره بمقتضى القوانين واللوائح سواء كان ذلك بإهمال تلك القواعد كلية أو بمخالفتها جزئيا، فإذا شرط القانون شكلا معينا أو اتخاذ إجراءات تمهيدية قبل إصداره أو استشارة هيئة من الهيئات مقدما ولم يتبع ذلك فى إصدار القرار فإنه يجوز التمسك بإلغاء القرار لهذا العيب ما دام أنه يؤثر في القرار من حيث موضوعه أو ينقص من ضمانات الأفراد.
ج ـ يجب أن يكون القرار الإداري مطابقا للدستور وللقوانين واللوائح ومبادئ القانون العام كالمساواة والحريات العامة وحق الدفاع وعدم رجعية القرارات الإدارية، كما يجب أن يكون مطابقا للعرف الإداري الذي تسير عليه الإدارة على نحو معين في مواجهة حالة معينة وألا يخالف حكما قضائيا صادرا من القضاء العادي أو الإداري له قوة الشيء المحكوم فيه وتتنوع مخالفة القرار الإداري للقانون فتارة تكون المخالفة لنص من نصوص القوانين واللوائح أو تطبيقها عندما يكون النزاع غالبا حول وجود القاعدة القانونية وتارة تكون المخالفة بالخطأ في تفسير القوانين واللوائح أو تطبيقها عندما تكون القاعدة القانونية غير واضحة وتحتمل التأويل فإذا كان تطبيق القاعدة القانونية مرهونا بتحقق حالة واقعية على نحو معين فإن تخلف الوقائع التي يقوم عليها القرار أو عدم استيفائها للشروط التي يطلبها القانون تؤدي إلى بطلان القرار الصادر على أساسها.
د ـ إن عيب الانحراف أو إساءة استعمال السلطة يقع عندما تستعمل الإدارة سلطتها التقديرية لتحقيق غرض لها به، وهو يشارك عيب مخالفة القانون في كون العيب موضوعيا ولكنه يختلف عنه في خصائصه وطبيعته.. فالقرار الإداري المشوب بعيب الانحراف سليم في عناصره الأخرى ومطابق للقانون من حيث محله ويظهر خطره في أن الإدارة تحاول أن تحقق جميع أغراضها غير المشروعة في حماية من مظهر المشروعية، فالعيب متعلق بأهداف القرار، وهذا العيب لا يثار أبدا إذا كانت القرارات تصدر من الإدارة بسلطتها المقيدة وإنما يُثار كلما كانت الإدارة تتصرف بسلطتها التقديرية فإذا استعملت الإدارة القرار لتحقيق أغراض غير الأغراض التي يجوز استخدام القرار لتحقيقها فإنه يكون باطلا لشائبيته بعيب الانحراف ولو تعلقت تلك الأهداف بالصالح العام.
ولما كان عيب الانحراف يتميز بأنه عيب خفي يستره مظهر من المشروعية الشكلية فإن مهمة إثباته دقيقة وتقع على عاتق طالب الإلغاء غير أن القضاء الإداري في الإلغاء لا يصل بتساهله إلى مجرد قبول القرائن السببية وإنما يستشهد بمجموعة من القرائن لا تدع سبيلا إلى الشك في الانحراف، أما قضاء التعويض فإنه يكتفي بأن يتضح من أوراق الدعوى أن القرار قد انطوى على تعسف في استعمال الحقوق الإدارية)).
وحيث قد استقر قضاء المحكمة العليا في الطعن الإداري رقم 15 / 36ق بأن: ((قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تصدي فرد أو هيئة إدارية للفصل فيما يختص به غيرها من الهيئات أو اللجان يجعل القرار لا وجود له لأن توزيع الاختصاصات يتعلق بالنظام العام وتـتصدى له المحكمة من تلقاء نفسها لأن توزيع الاختصاصات بين الجهات الإدارية مراعٌ فيه الصالح العام).
وقضت المحكمة العليا في الطعن الإداري رقم 1 /16ق بأن: (عيب اغتصاب السلطة عيب لا تغفره حالة الاستعجال ولا يجوز الاتفاق على مخالفته. وهذا العيب يعدم القرار الإداري ومن ثم لا يكون الطعن فيه مقيدا بميعاد).
وفي الختام نأمل من قادتنا إذا أرادوا أن يتركوا بصمة تستمر لسنوات أن يلتزموا بصحيح القانون وأن يدركوا أن قيادة البلاد وإدارتها هي إدارة مشتركة تجمع بين كافة القطاعات وأن يدركوا أن الوزراء هم مجرد ممثلين لهذه القطاعات وليسوا أدوات قمع وعلى الوزراء أن يتصالحوا مع موظفي القطاعات التي يمثلونها وأن يدركوا أن كافة قطاعات الدولة مليئة بالخبرات الممتازة ولا تنقصهم الوطنية ولا الفهم السليم ولا تعوزهم الوسيلة في توضيح الأمور وما ينبغي عمله فقط نحن بحاجة للبحث عنهم بعد أن خذلتهم الظروف.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً