سأحاول لملمت جمّلة ما كتبت عنه تحت هذا العنوان، واعادة صياغته بمفردات لا تتخطى الجغرافية الليبية. ولكن قبل هذا يجب ان اقول بأنني لا اسعى بما سأقوله لاحقا نحو تمريره عبر المنّظومة القيمية للمُتلقِي الليبي، بغّيت تصّنيف هذه الادوار ووضعها في أسفل درجات السُلّم، لمنّظومته تلك. بقدر ما احاول بمقاربتي هذه. العمل جاهدا في اتجاه توصيفي، يتناول ذلك النظام الذي كان يُصرّف شئون البلاد والعباد خلال العقود الطويلة الماضية.
ففي تقديري بأن ذلك النظام، وفى ادواته التي كانت تتصدر المشهد خلال تلك العقود الطويلة المنّصرمة، وبيدها دواليب تلك الادارة. سياسيا. امنيا. عسكريا. اجتماعيا الى الخ، ما هي الا الوجه الظاهر لإدارة مُركّبة بالغت التعقيد، كانت قائمة على شئون تصّريف دولة امّنية وظيفية، على هذه البقعة الجغرافية من الضفة الجنوبية للمتوسط.
من صُلب مهامها اولا. اجتثاث ليبيا من امتدادها الطبيعي، الذي حددته مفردات توابتها الجغرافية. الديمغرافية. الثقافية وصاغته داخل الفضاء المغاربي المتوسطي. وثانيا. جعل هذه البقعة الجغرافية من الضفة الجنوبية للمتوسط، عامل ارباك وعائق نشط، يقف في طريق كل فعل يسعى لخلّق ومدْ جسور من التواصل الإيجابي البناء ما بين ضفتي المتوسط، ليُربكه على نحو دائم، ويجعله بالغ الصعوبة وبعيد الحدوث.
أما الوجه الاخر لتلك الادارة المُركّبة، فنستطع حصره في جل وليس كل، الذين كانوا ودائما يحاولون ان يظهروا امامنا ومن داخل ذلك المشّهد ايضا عبر تلك العقود الطويلة المنصرمة، بانه النقيض والضد لمن كان يحتل المشهد ويملأه ضجيجا والخصم بل والبديل الوطني عنه بوجوه متعددة. فهو – أي الوجه الاخر لتلك الادارة المُركّبة – لا يتخطى عن كوّنه مُحفز ومُنشط امّنى، يعمل على تفّعيل دواليب تلك الدولة الامنية على نحو غير مباشر، ليجعلها في حالة استنفار وتيقّظ دائم، بل ويذهب احيانا الى ابعد من ذلك، نحو خلق مخارج آمنة، لتلك الدولة الوظيفية عند مرورها عبر مختنقات امّنية، يصعب عليها تخطيها على نحو سلس. فقد شاهدناه ذات مرة في لقطات مُتلفزة عرضها التلفاز حينها، وهو يلقى (بقنبلة خُلّب) على أحد الاحتفاليات، التي اقامتها تلك الادارة المُوكّبة بمنطقة الشاطئ بالجنوب الليبي، ليصّنع لها، وعلى نحو استباقي ضرف ومُبرر ظاهري يساعدها على الانسحاب والانقطاع نهائيا عن التواصل مع اتباعها عبر الحشود والاحتفالات العامة بتلك المنطقة، عندما شَعَرتْ اجهزتها من خلال مجسّاتها، بان تلك المنطقة صارت غير آمنة. وقد تصبح حاضنة لخطر قد يفاجئها مستقبلا.
كنت احاول ان اقول بان الغرب الأطلسي، كان يعمل وبجدْ ودائما على ان يكون له حضور فاعل على جغرافية الضفة الجنوبية للمتوسط، تُمكّنه ومن عليها مُشاغلة غريمه اللدود في الضفة المقابلة، متى اراد. فقد كان له تواجد وحضور عسكري ظاهر اتنا الحرب. وبعد ان وضعت هذه اوزارها. تكشّفت نوايا هذا الغرب الأطلسي جَهَرتا في اوراق ما عُرف (بمشروع بيفن- سيفورزا)، الذي كان عرّابه وزير خارجية بريطانيا. ومند ذلك الحين لم يغادر ذلك الأطلسي الضفة الجنوبية للمتوسط البتّة. وكان حضوره وفى الغالب مُتنكر وراء ملامح محليّة، عبر ادواته الطيّعة، التي تناولناها بالحديث في نسّختها الاخير في السطور السابقة.
وفى تقديري، ان من العوامل الاساسية التي تم ومن خلالها اجهاض انتفاضة هؤلاء البسطاء، الذين ثاروا مع فبراير 2011م , يرجع الى سعى هذا الغرب الأطلسي وبما لدية من خبرة وقدرة، الى ركوب امواج الغضب والثورة التي دفعت هؤلاء البسطاء للانتفاض مع فبراير، وعمل على تطّويع وتوظيف هذا الغضب العارم في اعادة ترّتيب وتشّكيل ادواته – موضوع حديثنا- على نحو يتمكن به من اعادة توزيع الأدوار، في ما بينها من خلال اخلاء المشهد ممن كان يحتله ويملأه ضجيجا خلال العقود المنصرمة، بعدما عجزتْ عن ترميم وادامة وجهه، كل اساليب الشدْ وجميع مساحيق ليبيا الغد. فأفسح المجال حينها للوجه الاخر القابع في الظل، كي يتصدر المشهد، بعدما جلببه بلبوس ومفردات فبراير، وبكل ما يُتيح ويساعد على اعادة تموَضع – الغرب الأطلسي – فيه ومن خلاله على هذه البقعة الجغرافية من الضفة الجنوبية للمتوسط.
كنت احاول ان اقول بان اغلب هذه المفردات، التي تشغل الفضاء الليبي، وتجعل منه واقعا مأزوما، بفعل نشاطاتها الغير مسؤولة وطنيا داخله، ما هي الا مفردات تلك الادارة المركّبة في طور اعادة التَشكّل لا غير. وسيكون في حكم العبث، السعي نحو اعتمادها من قبل الراعي الأممي، كأجسام وادوات اساسية ومدامك تنهض عليها ليبيا المستقبل، لان في ذلك منح غطاء أممي لأدوات تلك الادارة المركبة، يمكّنها من اعادة انتاج ذاتها على نحو مريح، وإن بوجه جديد. وهذا في تقديري، فعل لا يتوافق مع مهام الهيئة الاممية. والتي في تقديري تسعى نحو الزيادة في رقعة مساحة الديمقراطية والحكم الرشيد على جغرافية الكرة الارضية، والالتزام بميثاق حقوق الانسان مع مراعات خصوصيات الكيانات الثقافية.
ففي تقديري ايضا. كان على الهيئة الاممية وقبل ولوجها للشأن الليبي المأزوم , ان تكوّن لها رؤية واضحة عن الشأن الليبي , تستقيها من قراءة موضوعية له، تتكئ على استنطاق الثوابت الجغرافية والديمغرافية والثقافية، لتتعرف من خلالها هده الهيئة على الفضاء الطبيعي، الذى يحتضن ليبيا وتُشكل احد مفرداته. ولا يجب ايضا ان تغفل الهيئة عن معرفة الباعث الذي دفع الليبيون للانتفاض والثورة على النظام المركّب السابق. وتردف حصيلة كل هذا مع ميثاقها مع مراعات للخصوصية الليبية. ومن هذه الخلاصة تُرسّم خريطة طريق، تكون دليل جيد للهيئة، يعتمدها ويستلهمها مندوبها بليبيا في تناوله للشأن الليبي.
في الخاتمة أقول.. ان المدخل الطبيعي للشأن الليبي يمر عبر المتوسط وضفته الشمالية، وليس عبر بوابة بحر الشمال، هذا ما تقوله الجغرافيا. ومن بوابة خليج قابس وليس عبر خليج ايلات، وهذا ما تقوله الجغرافية مدعومة بالديمغرافية هذه المرة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً