التاريخ السياسي للدول ومنها ليبيا لا يستطيع تعريف الحرب الحالية بين فئات الشعب الليبي إلا أنها حرب أهلية شئنا أم أبينا، رغم أن معظم الساسة والمثقفين وحتى رجال المصالحة يقيمون نوع من الكتمان والإمتناع عن تعريف القتال القائم خلال الأربعة سنوات الماضية، ولا شك أن هناك رفضا قاطعا من الجميع لحمل السلاح خارج نطاق مؤسسات الدولة، بل أن الكثير من هذه المجموعات المسلحة سئم التشنيع بها إعلاميا ورفضها شعبيا مما جعلها بين نارين؛ عدم وجود مؤسسة أمنية فاعلة يمكن تسليم حفظ الأمن لها، وبذلك عدم إمكانية التخلي عن دورها لحفظ الأمن مما يجعل المدن والقرى لقمة سائغة للمجرمين والقوى الخارجية، ونار التشنيع الإعلامي بها من ناحية أخرى.
من المسكوت عنه أن الحرب في طرابلس ثم بنغازي وأخيرا في صبراته هي حروب أهلية مشابهة في ظروفها وبواعثها ودخول أطراف خارجية لتأجيجها، فضلا عن أن بذور الصراع متوفرة في جميع الحالات السابقة، رغم التستر تحت عنوان مكافحة الإرهاب حينا كما في بنغازي أو إرجاع السبب إلى تقاسم الغنيمة كما جاء في تقرير جريدة لوموند الفرنسية مؤخرا وهي عوامل ثانوية تستخدم للقبول الدولي أو المحلي للمجموعات المتقاتلة. بالمقابل يمكن إستثناء عمليات التحرير في سنة 2011 لأنها حرب ضد نظام جاثم وليس ضد تكثلات سكانية أو مجموعات مسلحة تابعة لها.
في غياب تطور إجتماعي كبير بقيت التشكيلة السكانية لليبيا كما كانت في القرن العاشر الميلادي لمعظم المدن الليبية على الساحل؛ المدينة تتكون من سكان أصليين أهالي ومهاجرين من مدن أخري من المغرب الكبير وأصحاب أصول تركية وحتى يونانية، وتلف المدينة من جنوبها علي شكل هلال قبائل عربية إستوطنت المناطق الزراعية والرعوية وبقيت على سليقتها الأولي. فمثلا يوجد في وسط بنغازي جموع من سكان أصليين من الغرب الليبي جلهم من مصراته وزليطن والخمس وبعض سكان الجبل بالإضافة إلى أتراك ويونانيين وقبرصيين وغيرهم، وهومجتمع مدني لا ينتمي لقبيلة معينة، في حين أن على بعد أميال جنوب بنغازي ترابط قبائل العواقير ثم إلى الشرق توجد قبائل البراعصة والعبيدات.
بالمثل في طرابلس يوجد بالمدينة مجتمع مدني خليط لا ينتمي لقبلة معينة، فهم من هوارة في النوفليين وجنزور والماية وصياد معهم وافدين من الدواخل وآخرين ممن جاء من المغرب والأندلس مع المستوطنين الأتراك، وتحيط بالمدينة قبائل لم يتغير تكوينها الإجتماعي منذ 1052 ميلادي، والتي تتواجد على تخوم المدينة مثل القبائل الرابضة في الزهراء والمعمورة والعزيزية وقصر بن غشير.
لا تختلف صبراته عن هذا الوضع ففي وسط المدينة هناك عرب مستعربة مثل زواغة والمداهين والغرابلية والدبابشة إضافة إلى مستوطنين من الجنوب التونسي ومن الدواخل بعض العائلات من قصر الحاج، ويحيط بالمدينة مزارع تقطنها قبائل عاربة حافظت على نمط حياتها و من أهمها قبائل العلالقة مثل الزراقة وأولاد العيسي وأولاد سلطان. لن نستمر في السرد فهذا النمط متطابق في مدن أخرى مثل الزاوية (أولاد صقر أولاد صولة وأولاد عيسى القديرات والحرارات في التخوم وخليط من الأهالي والأتراك والوافدين في وسط المدينة)، وكذلك صرمان ودرنة.
قد لا يهم أصل الإنسان ومكان وزمان قدومه فليبيا رأت مجموعات كثيرة ومتنوعة على مر التاريخ ولكن هذه التركيبة السكانية تم إستغلالها من النظام السابق شر إستغلال، فعوضا أن يتم تعليم وتثقيف وإدماج أبناء الضواحى ذات التركيبة القبلية والنمط البدوي في مجتمع المدينة، تم تعظيم البداوة والفخر بها مع إستقطاب أبناء هؤلاء القاطنين في التخوم للإنخراط في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، بل بعض المناطق لا مجالات عمل ولا مدارس بها، ومع ربط النظام السابق الدولة برأس النظام أصبحوا هؤلاء حُراس للنظام، وتركت المناصب الإدارية والفنية والتجارية في يد أهل المدن.
بعد ثورة 2011 وسقوط الأجهزة الأمنية وجدت هذه القبائل نفسها خارج اللعبة، فمنهم من إنخرط إلى الطرف المعادي للثورة وأصبح يناصبها العداء أو يتغاضي عن الإنفلات الأمنى في مناطقها كما رأينا في إغلاق الطريق الساحلي من صبراته إلى جنزور عدة مرات، ومنهم من بقي رافضاً للتغيير ويعارض بطرق أكثر حضارية مثل الظهور على القنوات التلفزيونية والمواقع الإليكترونية وبث الدعاية المغرضة.
في غياب سلطة الدولة تم تشكيل مجموعات مسلحة لمعظم التكثلات القبلية والتي تنتمي إسميا للحكومة، ولكنها تأتمر بأمر رجالات القبيلة ولقد رأينا تأثير هؤلاء على إطلاق سراح المختطفين، كما أنها وسيلة للإبتزاز وجمع الأموال، بالمقابل تنادت المجموعات العسكرية في المدن وأوجدت لها هياكل عسكرية مشابهة لردع التعدي على الطرق ووسائل النقل أو لمنع إمتداد المجموعات المناوئة لها، وبذلك أصبحت الدولة الليبية غنيمة لهذه المجموعات المتناحرة التي تحتاج إلى تمويل ومرتبات وأليات وذخيرة، ومع نضوب التمويل الداخلي إتجهت الأنظار إلى الخارج للحصول علي التمويل من أي كان وبأي ثمن.
لأسباب كثيرة يرفض المجتمع المدني هذه المجموعات المسلحة، فهي وإن كانت لها دور في مكافحة الجريمة فلها دور في إشاعة الفوضى كذلك، وليس هناك سلطة للدولة عليها مما يجعلها ترفض الأوامر العسكرية ولا تتقيد بالتراتبية المعروفة في الجيش النظامي، فضلا عن تورط البعض منها في التمويل الدولي مثل الإمارات ومصر والسعودية وإيطاليا مما يؤكد تبعية هذه المجموعات لتلك الدول وليس للدولة الليبية، كما أن إصرار بعض المجموعات ومنها السلفية على الحسم العسكري كثيرا ما يزيد من إراقة الدماء، رأينا ذلك في بنغازي وبالأمس في صبراته.
تتأرجح كفة الغلبة بين هذه وتلك، فلقد إستطاعت المجموعات المسلحة المدنية في طرابلس كبح جماح القوى القبلية المتاخمة، وبالمثل في الزاوية، أما في بنغازي وأخيرا في صبراته فالقوى القبلية المكونة من رجالات الجيش السابق والقوى المسلحة السلفية وبعض المتطوعين قامت بسحق وتهجير المجموعات المسلحة المدنية بدعم عربي وفرنسي تحت مسمى عملية الكرامة، والتي تريد أن يكون لها موطن قدم في الغرب الليبي على يد غرفة الوادي، وبالتحديد مجمع مليته الصناعي من أجل الحصول على موقع أفضل للتفاوض.
رغم أن نزع السلاح وضم المسلحين للجيش النظامي المزمع إنشاءه خطوة مهمة نحو الحد من الإنفلات الأمني إلا أن ذلك لا يمنع تجدد القتال بين الحواضر والثخوم، فبنغازي وصبراته سيستمر مسلسل الإغتيالات والعنف بها من القوة الرافضة لفرض الأمن بالقوة وبالمثل في الهلال حول طرابلس مالم يتم إدماجهم في المشروع الوطني، فالعنف لا يولد إلا العنف.
على المدى القصير توحيد مؤسسات الدولة وبناء المؤسسات الأمنية ومعالجة المختناقات الإقتصادية ستقلل من الإنفلات الأمني، إلا أن المعالجة الرئيسية تتمثل في إدماج التخوم في المجتمع المدني، بعدة طرق منها التعليم الجيد والتثقيف والتوعية وإنشاء مشاريع إستثمارية بهده المناطق وإعادة توزيع الأراضي، وإنشاء مشاريع سكنية تابعة للدولة، ونبذ البداوة والحط من شأن القبيلة، وإبعاد القبليين من المشهد السياسي والإجتماعي، وبذلك يتم صهر المجموعات القبلية في المجتمع المدني، والتحول إلى متطلبات المواطنة وقيام الأحزاب على أساس البرامج والمصلحة العامة وليس مصلحة القبيلة الضيقة، وخير مثال على ذلك مدينة جنزور التي تحولت من النمط القبلي في ما قبل ثمانينات القرن الماضي إلى مدينة مدنية يعيش فيها كل الأعراق وكل الثقافات بلا إحتقان مجتمعي أو إفلات أمني.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
يا دكتور خليك من الأطروحات وبلورة تهريج جماعات إسلام السياسة ما تنعتها بالحروب الأهلية هي حروب تخوضها تكتلات سياسية وأيديولوجية تسعى للسيطرة على مواقع ومدن بأكملها لأعلان الأمارة كما حصل مع درنة وسرت ومن تم صبراته على أيدي جماعات تنتمي للتنظيم الأقليمي القاعدة وداعش وفروعها التي تعمل تحت مسميات محلية الكل يعلمها جييدا، المؤسف أن تيار الأسلام السياسي المفترض أنه وسطي يتستر وأحيانا يدافع عن هذه الجماعات وكأنه يغطي عين الشمس بالغربال! ما حصل في طرابلس هو إنتفاضة لتوار طرابلس على الميليشيات المسلحة الدخيلة والتي شاركت مرارا وتكرار في الأقتتال بالأسلحة التقيلة وسط أحياء العاصمة المكتضة بالسكان مما سبب في تدمير الممتلكات وترويع الأهالي كان لزاما على توار طرابلس إخراجهم من وسط المدينة ميليشيات تتبع البركي والكاني والمرغني والمقاتلة ولا أظن أن الدكتور غافل عن الأيديولوجية التي ينتمي اليها هؤلاء، واذا كان الدكتور متعاطف معهم بصدق فليجعل لهم مكان وسط مدينته. تكلم الدكتور بانصاف عن تورط البعض منها في التمويل الدولي مثل الإمارات ومصر والسعودية وإيطاليا وكأن قطر وتركيا لم يمولوا ولم يرسلوا السلاح والدخيرة جوا لدعم فجر ليبيا ونتائج تدخلاتهم يشهد عليها مطار طرابلس الى يومنا هذا أمريكا لم تمول الطرف الأخر بل كانت شريك له في حرب سرت التي استمرت 4 اشهر كان خلالها فريق عسكري إيطالي مرابط على الأرض حفائق غفل عنها الدكتور. يكرر الدكتور كلام جاء على لسان أنصار القاعدة بأن من يدافع عن صبراته هم من رجالات الجيش السابق والقوى المسلحة السلفية الدعوية وأعوان النظام السابق قامت بسحق وتهجير المجموعات المسلحة المدنية! بدعم عربي وفرنسي! تحت مسمى عملية الكرامة! وهذه كذب ومغاطات مسيئة وجائرة في حق توار صبراته كذبها قادة توار صبراتة والمتحدث بأسم غرفتها الأمنية والمتحدث الرسمي لحكومة الوفاق التي تحدث عن دعم الغرفة الأمنية لحكومة الوفاق ومشاركتها في تحرير صبراته من الدواعش والقاعدة المتحالفة مع المجرمين والمهربين، الحديث عن مجمع مليته الصناعي وما آدراك نطمأن الدكتور بانه تحت حفظ وآمان ميليشيا مسلحة من زوارة التي تجني اتاوات مئاة الملايين بالتعاون مع عصابات تهريب البنزين والهجرة الغير شرعية وهي الميليشيا الوحيدة التي يأتي وزير من إيطاليا خصيصا للتفاوض معها دون إدن او علم الحكومة في طرابلس. ورغم أني قضيت نصف قرن في طرابلس لأول مرة نعلم أن مدينة جنزور وهي الأمتداد الغربي لطرابلس وحدها من تحول من النمط القبلي إلى مدينة مدنية يعيش فيها كل الأعراق وكل الثقافات رغم أنها مجاورة لورشفانة التي يصفها الدكتور بأنها حفترية كرامية برلمانية ملعونةإ