تنص المادة (2) من قانون العزل السياسي على أنه:
الوظائف التي لا يحق للمشمولين بالمادة السابقة توليها:
1 – ….. 2- …….3- ……..
4- رئاسة وعضوية مجالس الإدارة والوظائف الإدارية أو التنفيذية أو الرقابية من وظيفة مدير إدارة فما فوق في الهيئات والمؤسسات والمصارف والشركات العامة والاستثمارية المملوكة كليا أو جزئياً للدولة الليبية أو إحدى مؤسساتها سواء كانت تمارس نشاطها داخل أو خارج البلاد.
5- عضوية إحدى الهيئات القضائية .
6- ……..7- ………………
8- رئاسة وعضوية الهيئات القيادية في الأحزاب أو المؤسسات أو الهيئات ذات الصبغة السياسية .
ومن المتعارف عليه قانوناً وفقهاً وقضاءً أن التشريعات يحكمها في الدولة مبدأ قانوني معروف يسمى مبدأ التدرج الهرمي .. أي أن الدستور ( القانون الأساسي ) في قمة الهرم يتلوه القانون ثم اللوائح والقرارات . وقد بينت محكمتنا العليا هذا المبدأ في الطعن رقم 45/31ق بجلسة 4/2/1986 حيث نصت على أنه: ……….وان هذا التدرج بين التشريعات في القوة يقتضى خضوع الأدنى منها للأعلى , ذلك أن كل تشريع يستمد قوته من مطابقته لقواعد التشريع الذي يعلوه , فان صدر مخالفا لأحكامه عد ماورد به من مخالفة لاغيا , فالتشريع العادي – أي القانون – يجب الا يعارض التشريع الاساسى , والتشريع الفرعي أو اللائحي ينبغي الا يخالف القانون… ” .
ونحن هنا سنتناول الفقرات 8 و 4 و 5 من قانون العزل السياسي ، ( على افتراض صحة وشرعية التعديل الدستوري للمادة 6 من الإعلان الدستوري ) . ولنا رجوع لهذا التعديل في مقال قادم باذن الله تعالى .
الإعلان الدستوري والذي عدلت بموجبه المادة 6 ينص على أنه : ” “لا يعدّ إخلالاً بما ورد بهذا الإعلان منع بعض الأشخاص من تولّي المناصب السيادية والوظائف القيادية والإدارات العليا في الدولة لفترة زمنية مؤقتة بمقتضى قانون يصدر بالخصوص بحيث لا يخلّ بمبادئ حقوق الإنسان في حق التقاضي للمعنيين.”
إذن ( وعلى افتراض أن هذا التعديل سليم وشرعي وقانوني ) وببساطة قانونية لمن لديه أدنى نباهة قانونية ، فان أي قانون للعزل السياسي يجب أن يقتصر على حرمان الشخص ( فقط وفقط ) من تولي الآتي :
1- المناصب السيادية .
2- الوظائف القيادية والإدارات العليا في الدولة .
وسنبتدئ بالفقرة الثامنة فالخامسة فالرابعة من المادة 2 من قانون العزل والتي تنص على أنه:
الفقرة 8 من المادة 2 من القانون ( الخاصة برئاسة الأحزاب وعضويتها ) خالفت وتجاوزت التعديل الدستوري لتحصين العزل السياسي .. فرئاسة وعضوية الأحزاب أو أي مؤسسة مجتمع مدني ليست وظيفة سيادية ولا تعد من الوظائف والإدارات العليا في الدولة !!!!! فهذه مؤسسات مدنية مستقلة .
ومن ثم فان هذه الفقرة تخالف الإعلان الدستوري ذاته الذي أستهدف تحصين هذا المسخ ( المسمى قانون العزل ) …
الآن نعرج على الفقرتين 4 و 5 من ذات المادة ( 2 ) من قانون العزل السياسي .
كما قلنا سابقاً ، ما سمح به تعديل الإعلان الدستوري لتحصين العزل هو:
1 – الوظائف السيادية ، وهي معروف كرئيس الدولة أو رئيس الوزراء والوزراء .. أي باختصار أعمدة السلطة التنفيذية والتشريعية .
2- الوظائف القيادية والإدارات العليا في الدولة .
ونود أن نبتدئ بالمادة 5 مبينين أن والهيئات القضائية تشمل القضاء ( المعروف ) وأعضاء النيابة العامة والمحامين الشعبيين وأعضاء إدارة قضايا الدولة ….
ولكن غير أنه يتعين هنا التفرقة بين القضاة وأعضاء النيابة العامة من جهة و والمحامين الشعبيين وأعضاء إدارة قضايا الدولة …. فالفئة الأولى هم القضاة ( أو المتعارف عليه بالسلطة القضائية ) أم الثانية فلا يعتبرون منها… وإن كان هناك خلاف فقهي حول اعتبار أعضاء النيابة العامة من السلطة القضائية من عدمه !!!
وقد نصت المادة 32 من الإعلان الدستوري على السلطة القضائية بوصفها سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية حيث نصت المادة على الآتي: ”
* السُّلطـة القضائيـة مُستقلة، وتتولاها المحاكـم على اختـلاف أنواعها ودرجاتهـا، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، والقُضاة مُستقلون لا سُلطان عليهم في قضائهم لغير القانون والضمير.
فالقضاة ليس وظيفة سيادية ( تشريعية أو تنفيذية ) .. والقاضي ليس موظفاً ولا تابعاً لإدارة تابعة للدولة .. ومن ثم فان هذه الفقرة ( 5) تخالف التعديل الدستوري للمادة 6 فقد تجاوزته ومن ثم يعتورها ما اعتور ما قبلها من عيب عدم الدستورية . وهي في حكم الملغاة .
نأتي للفقرة ( 4 ) من ذات المادة . فمن المتعارف عليه قانوناً أن الوظيفة والإدارات عموماً لا تشمل الشركات التجارية ولو كانت تابعة للدولة كلياً أو جزئياً . فمدير شركة الخليج للنفط ( ليس موظفاً تابعاً للدولة ) ولا مديراً في الإدارات العليا للدولة ..وان كانت تتبع الدولة وتشرف عليها بل هو عامل فقط ، ومدير لشركة تجارية خاصة.
ومن ثم فان هذه الفقرة أصابها ما أصاب الفقرتين السابقتين من عيب عدم الدستورية .
ومن ثم فإنه يحق لمن تضرر من هذه الفقرات أن يطعن بعدم الدستورية عليها أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا وفقاً للإجراءات القانونية التي يختص بمباشرتها محامي مقبول للترافع أمام المحكمة العليا .
ولا يشترط لتقديم الطعن الانتظار حتى الشهر القادم موعد دخول القانون حيز التنفيذ . بل من الآن وفي ذلك قضت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا على أنه : ” متى كان التشريع موضوع الطعن واجب التطبيق على الطاعن فان مصلحته الشخصية المباشرة في الطعن على هذا التشريع تقوم منذ الوهلة الأولى دون انتظار لتطبيقه بالفعل.” .
( طعن دستوري رقم 3/6 ق ، مجلة المحكمة العليا ، سنة 1 – عدد 1 ، جلسة 29/2/1964 ، ص 29 )
ونحن ننصح أن يتم رفع الطعن بالتعاون بين عدد من المحامين ، فعلى المحامين أن يكونوا كما كانوا دائماُ في الصفوف الأمامية لمقاومة الظلم وانتهاك القوانين . كما ان التعاون يثري الطعن ويتفادى الأخطاء ، لا سيما الشكلية والتي قد تتسبب في رفض الطعن شكلاً مما يضيع وقتاً ثميناً في رفع طعن جديد .
وكلنا ثقة واقتناع سابقاً وحاضراً مستقبلاً ان شاء الله أن قضاء محكمتنا العليا الموقرة سينصف المظلومين ويضح حداً لهذا العبث التشريعي بمبادئ وأسس وركائز دولة القانون . فالقضاء سيبقى حامياً للحقوق ..حارساً للحريات .
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً