وراء كل الألقاب العائلية التي تعقب الاسم حكاية أو حدث أو موقف. فلكل لقب قصته الخاصة التي ترويها الأجيال المتعاقبة. البيئة الاقتصادية والمحيط الاجتماعي من أبرز عوامل نشأة الألقاب. إلى جانب عوامل أخرى تخص سمات الفرد وخصاله وطباعه، أو من صفة لازمة له. وثمة أسباب سياسية أحيانا. وهذه العوامل والأسباب مشتركة بين كل الشعوب مهما اختلف الزمان والمكان.
يمنح اللقب للفرد هويته، فهو أداة التعريف الرئيسة، قد يطلق بسبب صفة واضحة اشتهر بها حامله مثل الجاحظ. الأعرج. الأعور. الأخفش، وقد يشتق اللقب من شكل أو لون البشرة أو الحجم، وأحيانا من العادات والطباع والسلوكيات التي عرف المرء بها، كالعدوانية أو الطيبة المفرطة أو النظافة.
في البيئة التي تغلب عليها الطبيعة القاسية والعنف تنتشر ألقاب القوة، وتتراجع ألقاب الرقة والتهذيب، لذلك عرفت الجزيرة العربية ألقاب حرب وصخر ورعد وآكل المرار، وهي اسماء وألقاب موجهة للعدو لإخافته. سئل الشاعر الصعلوك الجاهلي. بماذا تخيف عدوك؟ فقال بلقبي، أنا تأبط شرا. وحول اللقب نسجت أسطورة صراعه مع الغول ثم احكام السيطرة عليه تحت الإبط.
كما يشيع لقب الانتماء القبلي كدرع للحماية والردع في مواجهة الآخر المختلف، في زمن غياب الدولة وسيادة الاضطراب والتنافس في المجتمعات القبلية، وكذلك للفخر بالانتساب لقبيلة لها ثقلها في المجتمع القبلي.
أحيانا تفرض الألقاب لأسباب سياسية، فالمستعمر الفرنسي عمد إلى تغيير ألقاب العائلات في الجزائر، وفرض عليها اسماء وألقاب كريهة بغرض تحقيرها، وطمس هويتها تمهيدا لتفكيك الروابط الاجتماعية بنزعها من سياقها القبلي.
وفي الزمن العثماني حملت بعض العائلات ألقاب الأفندي والاغا والباشا لغرض التشريف، وإعلاء المكانة الاجتماعية، وقد يتنازل المرء عن لقبه العائلي المعروف به لمصلحة لقب أبعد، بسبب التشابه مع لقب زعيم أو مسؤول له سطوة ونفوذ، وفي السياق نفسه يتم التخلي عن هذا اللقب الذهبي، إذا سقط هذا الزعيم وبات اسمه منبوذا لدى الناس.
دفعني للكتابة عن هذا الموضوع الذي قد يبدو للبعض من المعارف البديهية، هو سخرية بعض المتداخلين في البرامج الحوارية التلفزيونية، من الألقاب العائلية لبعض قادة المجموعات المسلحة في غرب البلاد، مثل الحصان، البقرة، الفار. الخ، ما يشي بقلة ثقافتهم في علم الاجتماع، والتاريخي الاجتماعي المحلي، على أن هذا الميل للسخرية يعد أحيانا امتدادا لتحقير متآصل في النفوس لمخلوقات الله، التي لم تخلق عبثا. فالألقاب باسماء الحيوانات أمر مألوف في البيئة الريفية في كل البلدان. وهذه الألقاب حتى لو وجدت في مدن عصرية، فهي متوارثة عن أجيال سابقة من العائلات نشأت وأقامت في الأرياف، وحمل اسلافها أسماء الحيوانات، لخصال وصفات متشابهة توفرت لهم، دفعت الناس إلى إطلاق أسماء الحيوانات عليهم، وبمرور الزمن والتكرار شاع الاسم وترسخ، كذلك الأمر بالنسبة للألقاب ذات الدلالة الحرفية والمهنية، فألقاب النجار والحداد والكواش وغيرها، تطلق على من يزاول حرفة لزمن طويل.
الريف غني بمكوناته الزراعية والحيوانية، وهذا الغنى ينعكس في تنوع مفرادته، فإذا غلبت صفة أو أكثر من صفات حيوانات البيئة الريفية على أحد، أطلق عليه اسم هذا الحيوان، لذلك من المألوف ان تجد بعض العائلات تحمل أسماء الجمل. القط. الكبش. العصفور. الذئب، الخ. والملاحظ أن هذا السلوك مستمر اليوم مع الشخصيات الشهيرة خاصة الرياضية، فبسبب سرعته وقوته، أطلق المشجعون لقب الحصان على لاعب كرة القدم البرازيلي الدولي أدريانو، ولخفته وسرعته في كل الاتجاهات حمل ميسي لقب البرغوث، ونظرا لطوله غير العادي، لقب الدولي الانجليزي كراوتش بالزرافة، وأطلق على الملاكم الأمريكي تايسون لقب الدبابة بسبب ضخامة حجمه.
يصدر اللقب عادة لغرض التعريف أو التشريف أو التحقير، وقد نهى الإسلام عن التنابز بالألقاب، أو استخدامها لغرض التقليل من شأن حاملها، فالمرء يرث اللقب العائلي مثلما يرث لون بشرته وشعره وعينيه وكل صفاته الجسدية، ومن ثم فهي خارج نطاق مسؤولياته. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينفر من الأسماء والألقاب القبيحة، أو ذات المعنى السلبي، وقام بتغيير اسماء نساء ورجال وخلع عليهم اسماء ذات دلالات جميلة ورفيعة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً