في عيد الأضحية تعالوا نذبح الأنانية - عين ليبيا
من إعداد: د. إبراهيم التركاوي
من أبرز معاني العيد الكبير (عيد الأضحى): التضحية والفداء العظيم، فلقد أمر الله عز وجل الخليل (إبراهيم) عليه السلام بذبح ولده (إسماعيل)، ولم يتردد الخليل عن تنفيذ الأمر، ولو كان الأمر بذبح ولده، كما لم يتردد إسماعيل في الاستسلام لأمر ربه، ولو كان متعلقا بذبحه.! فلقد أسلم لأمر ربه، كما أسلم أبوه من قبل، كما سجل القرآن الكريم:
(وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ*رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ* فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ). [الصافات: 99- 107].
إن الله عز وجل ما أراد لخليله عذابا بالابتلاء، ولا أراد إهراقا لدم بذبح ابنه، ولكن أراد له أن يذبحه من قلبه، بحيث لم يبق في النفس ما تعزه عليه، ولو كان فلذة الكبد، وثمرة الفؤاد.!! ولقد وعي الابن الحليم – كما وصفه ربه – الدرس، كما وعاه أبوه من قبل، فقال: (يا أبت افعل ما تؤمر) ولم يقل (افعل بي ما تؤمر) مع أنه المعنيُّ بتنفيذ الأمر، ولكنه نسي ذاته مع أمر ربه…!!
وهذا درس عظيم، ما أحوج البشرية اليوم إليه، إن البشرية اليوم في أمس الحاجة إلي أن تذبح أشياء كثيرة في حياتها، تكاد أن تودي بها، وتوردها موارد الهلاك.!
ففي عيد التضحية والفداء، تعالوا نذبح:
قلة قليلة تعبث باقتصاد العالم، على حساب الملايين التي تموت جوعا، وعلى حساب أخري، تعاني مرارة الفقر، وآلام الحرمان.!!
فإن لم نستطع أن نفعل كما فعل الأنصار، نرتفع إلي أفق آخر حثنا عليه القرآن وهو: أن ننزل النفس منزلة الغير. تأمل قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29]
فالله عز وجل جعل آكل مال أخيه بالباطل كآكل مال نفسه بالباطل، وكذلك قاتل أخيه كقاتل نفسه، ولامز أخيه كلامز نفسه، كما جاء في قوله تعالي: (.. وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ..) [الحجرات: ١١]، وكما جاء في الحديث (لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [متفق عليه].
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أحب الناس إلى الله أنفعهم ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن اعتكف في المسجد شهرا ، ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظا ، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام ، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل ) [رواه الطبرانى وحسنه الألباني في الصحيحة].
تالله، أولئك هم أفاضل الناس !! , كما جاء في الحديث :(قيل : يا رسول الله! أي الناس أفضل؟ قال: ” كل مخموم القلب، صدوق اللسان “؛ قالوا: (صدوق اللسان) نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ – قال: ” التقي النقي؛ لا إثم فيه، ولا بغض، ولا غـل، ولا حسد”).. [ابن ماجه: 4216]
تعالوا نقتل نزواتنا، ونذبح أهواءنا لتكون مع هوي الشرع، ومع ما يحبه الله ويرضاه. كما جاء في الحديث :(عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به).
وهذا ما جاء به النبيون، كما في قوله تعالي: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: ٢٥].. وما تجلي في قوله تعالي لنبي الله موسي: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى* إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) [طه: 13- 14].
(وَلَوْلاَ دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ الله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251].
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا