تتأرجح علاقة الناس بالقهوة بين الحب والكراهية، ففي مقابل العشق الكبير الذي يكنه الكثيرون لهذا المشروب الذي يمثل جزءا لا يتجزأ من روتينهم اليومي، تشعر فئات أخرى بالقلق إزاء استهلاك القهوة وتأثيرات الكافيين على صحتهم.
ووجدت دراسة أجرتها الجمعية الوطنية للقهوة عام 2023 أن 63 بالمئة من الأميركيين يشربون القهوة يوميًا، وهذا أكثر من أي مشروب آخر باستثناء الماء. وفي نفس العام، تفوقت القهوة على الشاي لتصبح المشروب المفضل في المملكة المتحدة؛ وفقًا لجمعية القهوة البريطانية، تستهلك المملكة المتحدة حوالي 98 مليون فنجان قهوة يوميًا، وفقا للأرقام التي نقلتها صحيفة الغارديان.
ولكن على الجهة المقابلة، يشعر الكثير من الأشخاص بعدم الارتياح تجاه كمية القهوة التي يستهلكونها، وهو ما استغلته شركات مثل شركة “MudWtr” التي تصنع مشروبات تعتمد على الفطر، للإعلان عن منتوجاتها كبديل “أكثر صحة” لفنجان القهوة العادي.
“للقهوة سمعة سيئة بعض الشيء،” كما يقول الدكتور بيتر هايز، أستاذ أمراض الكبد في جامعة إدنبرة. مشيرا إلى أن المخاوف الحالية بشأن القهوة غالبا ما تشير إلى مفهوم “إزالة السموم”، والذي يشير إلى فكرة تخليص الجسم من المواد السامة أو الضارة المتراكمة بسبب نمط الحياة أو العادات الغذائية. لكن هذا المفهوم غامض ويصعب قياسه علميا، وفقا لهايز.
ويضيف هايز لصحيفة الغارديان، “يتحدث الجميع بمصطلحات غامضة للغاية، مضيفا أن “القهوة ليست سما”.
ماذا يحدث عندما نشرب القهوة؟
يشرح الدكتور ساندر كيرستن، أستاذ التغذية الجزيئية في جامعة كورنيل، أن المكون النشط الرئيسي في القهوة هو الكافيين.
وأي شخص تناول كوبًا من القهوة في الصباح سيكون على دراية بهذه التأثيرات. بصفته منبهًا، يجعل الكافيين الشخص يشعر بمزيد من اليقظة، كما يقول كيرستن.
وتكون أوقات رد فعل الناس أسرع، ويكونون أكثر قدرة على التركيز، ولديهم قدرة تحمل أكبر. وجدت الدراسات أن استهلاك الكافيين مرتبط بتحسين الأداء الرياضي.
ووفقًا لكيرستن، تبدأ هذه التأثيرات عادة في غضون نصف ساعة وتستمر لمدة تصل إلى ساعتين. “هذا هو السبب في أن الناس يميلون إلى الاستمرار في شرب القهوة على مدار اليوم،” يقول لأا تأثيراتها “لا تدوم لفترة طويلة.”
ما هي الفوائد الصحية لشرب القهوة؟
يتفق الخبراء على أن هناك فوائد عديدة للقهوة الصباحية، إذا تحتوي القهوة على “مئات إن لم يكن آلاف المكونات”، كما يقول الدكتور إدوارد جيوفانوتشي، أستاذ التغذية وعلم الأوبئة في كلية “تي إتش تشان” للصحة العامة بجامعة هارفارد.
وبعض هذه المكونات “قد يكون لها مجموعة من التأثيرات المفيدة، والتي قد تحسن الصحة على المدى الطويل”، كما يصرح.
ويشرح جيوفانوتشي أن بعض المركبات، على سبيل المثال، لها خصائص قوية مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة. وتقلل مركبات أخرى من مقاومة الأنسولين، وهو عامل خطر للإصابة بمرض السكري.
وفي تحليل لتأثيرات استهلاك القهوة على الصحة، وجد هايز وزملاؤه أن شرب ثلاثة إلى أربعة أكواب يوميا ارتبط بانخفاض مخاطر الوفيات القلبية، وبعض أنواع السرطان، وحالات الجهاز العصبي والأيضي والكبدي.
ويبدو أن الكبد المستفيد الأكبر من القهوة. يمكن لكوب واحد من القهوة يوميًا أن يقلل من خطر الإصابة بتليف الكبد بنسبة 20 بالمئة ويمكن لخمسة أكواب يوميًا أن تقلل الخطر بنسبة 80 بالمئة، كما يقول هايز.
ويشير هايز أيضًا إلى أنه “من المهم التمييز بين القهوة والكافيين”. على سبيل المثال، يمكن لشارب لقهوة رؤية هذه الفوائد حتى مع القهوة منزوعة الكافيين. “لذا هناك شيء ما في القهوة، وليس الكافيين، يحمي الكبد،” كما يقول، مشيرا إلى أن الإكثار منها ليس خيارا صحيا رغم فوائده على هذا المستوى.
هل هناك حد لكمية القهوة التي يجب على المرء تناولها في اليوم؟
يبدو أن تناول ما يصل إلى 400 ميلغرام من الكافيين يوميا آمن لمعظم البالغين، وفقًا لمايو كلينك.
ويحتوي كوب واحد سعة ثمانية أونصات من القهوة المغلية على حوالي 95 ملغ من الكافيين، كما يقول جيوفانوتشي، لذا فهذا يعادل حوالي أربعة أكواب من القهوة.
يقول جيوفانوتشي إنه فوق هذه المستويات، قد يشعر الناس بالتوتر وارتفاع معدل ضربات القلب – “وهي أعراض يمكن الشعور بها أثناء نوبة الهلع”.
ويضيف أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الذعر أو القلق الكامن معرضون بشكل خاص لتجربة هذه الآثار الجانبية السلبية.
من جهته، يقول هايز، إن تناول كوبين إلى ثلاثة أكواب يوميا يبدو عمومًا بمثابة المنطقة المثلى لجني فوائد القهوة دون التعرض لسلبياتها. لكن الكمية المثالية تختلف من شخص لآخر.
بدورها تقول نيمب ديوب، “من الضروري الاستماع إلى جسمك،”مضيفة أن لكل شخص مستوى مختلف من الحساسية للكافيين، وقد يشعر البعض بالتوتر بعد تناول كوب واحد، بينما قد يشعر آخرون بأفضل حال بعد ثلاثة أكواب.
ويمكن أن يكون للتناول المفرط للكافيين تأثيرات أكثر خطورة بكثير. ووفقا لإدارة الغذاء والدواء الأميركية، لوحظت التأثيرات السامة للكافيين، مثل النوبات، مع الاستهلاك السريع لـ 1200 ملغ من الكافيين دفعة واحدة.
وبناء على ذلك، تشير الإدارة إلى أن منتجات الكافيين المركزة للغاية، مثل تلك الموجودة في مساحيق الكافيين أو مشروبات الطاقة، “تشكل تهديدا كبيرا للصحة العامة”.
اترك تعليقاً