الحرب في غزة، باتت الحدث العالمي بلا منازع، بعد أن فرضت نفسها على أجندات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، وباتت بندا في جدول أعمال اللقاءات الثنائية والموسعة، ولا يكاد يخلو لقاء سياسي أو اقتصادي أو ثقافي دون أن تكون هذه الحرب جزء من مناقشاته.
كل هذا الزخم الذي بلغته هذه الحرب المستمرة منذ سبعة أشهر لم يكن كافيا بإقناع حكومة بنيامين نتانياهو، بأن القصف و الاجتياح ليس الحل الصحيح للمسألة العالقة منذ 76 عاما كانت الحروب حاضرة فيها لكنها لم تؤدي إلى حل أبدا.
ورغم تحذيرات المنظمات الإنسانية من مخاطر توسيع العمل العسكري الإسرائيلي ليشمل رفح جنوب قطاع غزة، ورغم تهديدات واشنطن بتقليص إمدادات السلاح لإسرائيل في حال اجتاحت رفح، ورغم غليان الراي العام العالمي، وامتداد التظاهرات المناصرة للفلسطينية لتصل إلى أعرق الأكاديميات في أمريكا، إلا أن كل ذلك لم يكن كافيا لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بكبح جيشه وتجنب أزمة إنسانية مدمرة سيتسبب بها اجتياح رفح.
إسرائيل مصرة على اجتياح رفح
وبالفعل قال المتحدث باللغة العربية باسم الجيش الإسرائيلي عبر منصة “إكس” إن الجيش “أصدر يوم السبت أوامر للسكان في المزيد من مناطق مدينة رفح بقطاع غزة بالإخلاء والتوجه إلى ما سماه المنطقة الإنسانية الموسعة في المواصي”.
وتتحضر إسرائيل لعملية واسعة في رفح المكان الوحيد شبه الآمن في قطاع غزة، والذي استقبل أكثر من مليون نازح من مناطق شمال ووسط القطاع المدمر.
تحذير أمريكي دون عقوبة
في هذا الوقت جددت الولايات المتحدة تحذيراتها من هجوم موسع على رفح، فيما دعت فرنسا إسرائيل إلى وقِف عمليتها في رفح دون تأخير والعودة إلى طاولة المفاوضات، بعد دعوة مماثلة من الأمين العام للأمم المتحدة.
وقال أنطونيو غوتيريش “إن “أي عملية عسكرية في رفح ستؤدي إلى كارثة إنسانية هائلة” لكن مجلس الحرب الإسرائيلي رغم التحذيرات قرر توسيع العملية البرية في رفح.
مجلس الحرب يحترم الخطوط الحمراء
وبالإجماع أقر مجلس الحرب الإسرائيلي العملية البرية في رفح، إلا أنه أعلن التزامه بما سماه “الخطوط الحمراء الأمريكية” انطلاقا من الفهم بأن هجوما كبيرا على رفح سيرتسم على أنه تحد للرئيس الأمريكي من قبل إسرائيل.
وقالت مصادر إسرائيلية اليوم السبت، إنه سيكون على الرئيس الأمريكي أن يعيد النظر قريبا في قرار وقف شحنة أسلحة لإسرائيل، كاشفة عن وجود حوار مع الأمريكيين أبدت خلاله إسرائيل استعدادا للتعهد بعدم استخدام الأسلحة المشار إليها في عملية رفح.
وانتقد تقرير للخارجية الأميركية طريقة استخدام إسرائيل للأسلحة الأميركية، لكنه لم يجد أدلة كافية على وجود انتهاكات لتعليق الشحنات.
مجلس الأمن يطلب تحقيقا بالمجازر
وفي سياق متصل، طالب مجلس الأمن الدولي بتحقيق “مستقل” و”فوري” بعد اكتشاف مقابر جماعية بمحيط مشافي ناصر والشفاء دفنت فيها “مئات” الجثامين لنساء وأطفال وشيوخ.
ودعا الرئيس الكولومبي الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرة توقيف بحق نتانياهو، واقترح أن “ينظر مجلس الأمن (الدولي) بإنشاء قوة لحفظ السلام بغزة”، بينما تلقت محكمة العدل الدولية طلبا جنوب أفريقي لأمر إسرائيل بالانسحاب من رفح.
وفي القدس دانت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وألمانيا “الهجمات” ضد أونروا بعدما حاول متظاهرون إسرائيليون إحراق مكاتبها.
حماس تلوم إسرائيل بخصوص الهدنة
وذهبت تهديدات إسرائيل بمساعي الهدنة أدراج الرياح، وجعلت جهود أشهر من الدبلوماسية النشطة من قبل مصر و قطر بلا فائدة .
وقالت حركة حماس أمس الجمعة، إن رفض إسرائيل “مقترح الوسطاء، من خلال ما وضعته من تعديلات عليه، أعاد الأمور إلى المربع الأول”.
وأضافت الحركة في بيان أنها ستجري مشاورات مع “قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية من أجل إعادة النظر في استراتيجيتنا التفاوضية”.
تصويت أخلاقي في الجمعية العامة
وضمن هذا الشد والجذب، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بغالبية كبرى تأييدا لطلب عضوية فلسطين في المنظمة الأممية، وذلك في قرار يحمل طابعا رمزيا بسبب الفيتو الأميركي في مجلس الأمن.
وحصد القرار الذي ينص على وجوب “انضمام الفلسطينيين إلى المنظمة” مع منحهم حقوقا إضافية كدولة مراقب، تأييد 143 عضوا مقابل اعتراض تسعة أعضاء وامتناع 25 عن التصويت.
ولم يرق تصويت الأمم المتحدة لإسرائيل، حيث ندد السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، الجمعة، بتصويت الجمعية الذي منح حقوقا جديدة للفلسطينيين في المنظمة الدولية.
وقال إردان من على منبر المنظمة الدولية: “هذا الأمر يثير الاشمئزاز”، متهما الجمعية العامة “بإعطاء حقوق دولة لكيان يسيطر عليه أساسا جزئيا إرهابيون”.
غزة بلا مساعدات .. معابر مغلقة
وفي أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح، أغلق الجيش الإسرائيلي لفترة وجيزة معبر كرم أبو سالم وسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي مع مصر.
وأعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء الماضي، عن عملية برية محدودة في رفح، ما أدى إلى إغلاق المعبر بين غزة ومصر، وهو من نقاط العبور الأساسية للمساعدات الإنسانية.
وفقا لبيانات الأمم المتحدة، بلغ عدد شاحنات المساعدات التي تدخل غزة ذروتها الأسبوع الماضي منذ أكتوبر حيث دخل ما مجموعه 1.674 شاحنة مساعدات إلى غزة عبر معبري كرم أبو سالم ورفح، وهما نقاط الدخول الرئيسية للمساعدات إلى القطاع.
ولكن منذ الأحد، لم تدخل أي شاحنات مساعدات إلى غزة من أي من نقطتي الدخول، حتى بعد أن قالت إسرائيل إنها أعادت فتح معبر كرم أبو سالم، الأربعاء، وفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.
خسارة إنسانية لا تعوض
وتبقى الخسارة الإنسانية هي الأشد تأثيرا على الراي العام العالمي، إذ أن معدل الموت في غزة بات الاعلى في العالم، وأصبحت الحياة مجرد محاولة بائسة للنجاة قد لا تنجح، في بقصة صغيرة من الارض تتلقى أكبر قدر من المواد المتفجرة منذ الحرب العالمية الثانية.
وقالت وزارة الصحة في غزة إن ما لا يقل عن 34943 فلسطينيا قتلوا وأصيب 78572 في الهجوم العسكري الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول.
اترك تعليقاً