كلما تأزمت الأمور المالية للسلطة العسكرية الحاكمة في الشرق الليبي، لجأت إلى التلويح بقفل قطاع النفط، ولابد من التذكير هنا أن بعض الإقفالات السابقة تمت بأوامر خارجية، وهو ما دفع أطراف دولية أخرى إلى التدخل في شؤون النفط الليبي، حسب مصالحها السياسية ومصالح شركاتها، ليصبح الخارج شريكا غير مباشر في إدارة قطاع النفط، حتى التكليف الأخير لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط تم برعاية إماراتية.
الحجج التي تُسوق لتبرير الإقفال هي نفسها لم تتغير.. مناطق مهمشة لا تستفيد من العائدات، سلطة مركزية غير عادلة في تقسيم المورد الوحيد للدخل، تفشي الفساد في وزارات وإدارات الحكومة، وبعد أسابيع أو شهور من تعطيل الإنتاج، وتكبد القطاع خسائر تقدر بالمليارات، وتأثر البنية التحتية بالحقول والموانئ، ينتهي الإقفال ويعود الإنتاج، إما بتسوية سياسية يحصل بموجبها الطرف الذي تسبب في هذه الخسائر على كل مطالبه أو بعضها، من دون أن نعرف هل تحققت مطالب الذين تم القفل باسمهم، وانتهى التهميش، وفككت المركزية، ووضعت الآليات المناسبة للحد من الفساد؟ أم فقط تم استخدامهم كورقة ضغط في مشروع الابتزاز مقابل بعض الفتات؟.
هذه المرة يعود التلويح بإقفال النفط، ولكن بواجهة جديدة هي الحكومة الموازية، التي لا تملك إلا سلطة تنفيذ إرادة العائلة القوية الحاكمة في الشرق، بمساندة الجناح المهيمن على مجلس النواب، في الإقفالات السابقة استخدمت قطاعات شعبية أطلقت على نفسها اسم القبائل الشريفة.
التهديد بورقة النفط لم يرق للسفير والمبعوث الأمريكي الخاص ريتشارد نورلاند، بالإضافة إلى مدحه “للتقدم الذي حققته المؤسسات المتعلقة بتوزيع الإيرادات، مشجعا على التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة باعتبارها أحد الملفات الكامنة وراء الصراع”، وهو ما يعني أنه لا مبرر لأي تصعيد أو تهديد بقفل النفط، ما دامت مسألة توزيع العائدات بشكل عادل ماضية نحو إبرام الاتفاق.
الاتفاق عن طريق المؤسسات، لن يُلبي طلبات حفتر في الحصول على ما يريد من مال، للاستمرار في تمويل مشروعه، لذلك بادر بالخروج في حفل ليلقي خطابا يوجه من خلاله عدة رسائل، أهمها دعوته لتشكيل لجنة مالية تُشرف على الأمور المالية، منتقدا أداء المصرف المركزي، وكالعادة قدم نفسه كمتحدث باسم الشعب، يعي معاناته، ويهدف إلى إنقاذه من تردي أحواله المعيشية، ولأول مرة يتوجه بالنقد المباشر للسفير الأمريكي، وحمَّله، إلى جانب بقية السفراء، المسؤولية عن تفاقم الأزمة، وطالب بخروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة.
في مطلبه بتشكيل اللجنة المالية، يكشف حفتر عن ضائقته المالية، وسعيه للحصول على نصيبه من عائدات النفط لفك هذه الضائقة، بالضغط على سلطات طرابلس، من خلال انتقاد محافظ المصرف المركزي وحكومة الوحدة الوطنية، ويبدو أن الموقف الأمريكي الرافض لإغلاق النفط كان شديد الوضوح، لذلك توجه بالنقد المباشر للسفير نورلاند، باعتباره المسؤول الأمريكي المباشر عن إدارة الملف الليبي.
وإذا كان خيار تغيير الواقع على الأرض بالقوة لم يعد متاحا، لأسباب عدة، وورقة النفط باتت من دون جدوى، يجد حفتر نفسه في حالة ضعف لم يعهدها من قبل، في هذا الخطاب لم يُهدد بالحرب، ولم يأت على ذكر المليشيات، والعاصمة المحتلة من الجماعات الإرهابية، وغيرها من المصطلحات التي تصدرت خطابه خلال السنوات الماضية، بل كان جل الخطاب حول الجوانب المالية ويتجاهل دوره الرئيسي في جلب المرتزقة، وفتح البلاد لمزيد من التدخل العسكري المباشر، ليكتشف أنه سيف ذو حدين، يقدم لك الخدمات العسكرية المهمة، ولكن الثمن يكون باهظا، حين تصبح مجموعات المرتزقة عبئا ومشكلة، ومع المتاعب التي تعانيها مجموعات فاغنر بعد إجراءات السلطات الروسية تجاه قياداتها، والقصف المجهول الذي تعرضت له قاعدة عسكرية جنوب المرج، تديرها مجموعات فاغنر، والإصرار الأمريكي على إخراجها من ليبيا، يظهر حفتر نفسه كمساند لهذه الجهود، وعدم ممانعته خروج حلفائه، وكذلك خروج حلفاء خصومه.
لا أحد يعرف من سيشكل اللجنة المالية لتقاسم العائدات ومن سيشرف على أعمالها ويراقبها، وما دور حفتر فيها، لكنه منح اللجنة حتى نهاية أغسطس لتنجز مهامها، مهددا بالتصعيد إن أخفقت.
ولكن في كل الأحوال، وإزاء استمرار حالة التأزم، وتحالف عقيلة صالح رئيس مجلس النواب مع خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة ضد حكومة الدبيبة، وتراجع دور البعثة الأممية عن دورها كوسيط، ستزيد حدة الصراع والاستقطاب خلال الأسابيع والشهور القليلة المقبلة، أما الانتخابات فليس ثمة أي أمل في إجرائها خلال العام الحالي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً