لا شك أن العلاقات بين الشعبين الليبي والمغربي كانت في أبهى أيامها منذ أقدم العصور، يدعم ذلك التواجد المغاربي في شمال أفريقيا والإسلام المغاربي المختلف عن لعقلانية المشارقة، إضافة إلى الأصول الجينية الواحدة للشعبين، واشتراكهم تاريخيا كجزء من ممالك شمال أفريقيا المغاربية، ناهيك عن طموح البلدين إلى السير قُدما لبناء دولة المؤسسات في البلدين والتعاون المشترك لصالح الشعبين الشقيقين.
بعد استقلال ليبيا كانت هناك علاقة وطيدة بين المملكة المغربية والمملكة الليبية، تم تفعيل التعاون بعدة اتفاقيات منها قيام شركات مغربية للبناء بتنفيذ مشروع إدريس للإسكان، وهو مشروع كبير على مستوى ليبيا كاملة، وتلك المساكن بنمطين لازالت تساهم في إسكان قطاع كبير من الشعب الليبي، إضافة إلى مساهمة العمالة المغربية الماهرة في بناء المساجد ومقرات الدولة، حيث يبرز المغاربة في زخارف الجبس بلا منازع الى الان.
عند وصول القدافي للحكم في سنة 1969 ساءت العلاقات الليبية المغربية إلى درجة كبيرة بسبب التوجهات الناصرية للقدافي، وفي أول زلاته قام القدافي بتأييد انقلاب أوفقير في 16-8-1972م لإغتيال الملك الحسن الثاني، وهو تدخل سافر في شؤون دولة مستقلة لها قيادة حكيمة، ذلك الانقلاب قوبل بالرفض من الحكومة المغربية فاستقبلت المعارضين الليبيين الفارين من أتون الحكم العسكري في ليبيا، أدى ذلك إلى صناعة القذافي لجبهة البوليساريو في 20-5-1973م وإغداقها بالمال والسلاح، حيث أتذكر جيدا مئات الشاحنات التي تتجه من طرابلس غربا لتصل إلى الساقية الحمراء على بعد قرابة 2000 كم، وبذلك تم إهدار أموال الشعب الليبي وخلق القلاقل للشعب المغربي، واستمر دعم القدافي للبوليساريو لأكثر من 20 عاما. بالمقابل، لم تجد المعارضة الليبية سندا سواء المغرب التي دعمتها وفتحت لها الأبواب لايصال صوتها إلى الشعب الليبي ووفرت لهم سبل العيش الكريم، عندما تنكر لهم الجميع,
بعد ثورة 17-2-2011م في ليبيا، كانت الفرصة سانحة لتوطيد العلاقات الليبية المغربية، وكانت المغرب بمؤسساتها العتيدة، خير سند للشعب الليبي سياسيا وثقافيا، وكان التعامل الشعبي سهلا لوجود أواصر قديمة تم احيائها، قدمت المغرب مساعدات عينية، وأهم من ذلك المساعدات الثقافية والتعليمية، منها البعثات الليبية للدراسة العليا بالمغرب في العلوم الإنسانية وخاصة القانون، ومنها إرسال أساتذة مغاربة للتدريس في ليبيا، والأكثر من ذلك أهمية محاولات المغرب المتعددة لجمع الفرقاء الليبيين من أجل الوصول إلى حلول توافقية، ولقد كلل ذلك بالعديد من الاتفاقيات، منها اتفاق الصخيرات بتاريخ 17-12-2015م والذي نتج عنه إنشاء حكومة الوفاق الوطني بعد 9 أشهر من المداولات في الكثير من دول العالم، وهناك تفاهمات بوزنيقة وغيرها من الاجتماعت والاتفاقيات.
للأسف، رغم عمق العلاقات الوطيدة بين الشعبين، نرى هناك مناكفات بين الحكومتين الليبية والمغربية في الأشهر الماضية، والتي لا مبرر لها، وقد عكرت صفو المواطنين في البلدين، فمن الجانب الليبي فان حكومة الوحدة الوطنية لم تضع كل جهودها لتنمية التبادل التجاري بين البلدين والذي لم يتجاوز 178 مليون دولار سنة 2022م حتى بعد الاتفاق بين وزير الإقتصاد الليبي محمد الحويج ووزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور في نوفمبر سنة 2023 لزيادة التبادل التجاري بين البلدين، ولم يتم إشراك الشركات المغربية كما هو مع الشركات المصرية في إعادة الاعمار والتي ستستمر في إحتكار المشاريع طالما هناك حكومة خاصة للشرق الليبي لاسباب جيوسياسية، رغم شهرة المغرب بالعمالة الماهرة التي لها فرص واعدة مع الحكومة المعترف بها دوليا ومنها المغرب. بالمقابل غياب السفارة والقنصلية المغربية عن مقرها بطرابلس فاقم الوضع للمغاربة المتواجدين في ليبيا مثل تجديد جوازات سفرهم وإقاماتهم، وأن إتصالهم بسفارتهم بتونس به مشقة كبيرة. هناك عمل كبير يتحثم على الحكومتين المضي فيه لتطوير الشراكة بين البلدين ووضع حلول عملية للمشاكل القائمة، منها دعوة الشركات المغربية للعمل في ليبيا وفتح خط جوي وأخر بحري بين المواني المغربية وطرابلس والغاء الضرائب الجمركية عن البضائع الوطنية المصدر في البلدين، ومنها إلغاء التاشيرات بين البلدين كما كانت سابقا. أخيرا أن القبول والتفاهم بين الشعبين لا نظير له، والذي يمكن البناء عليه دون الدخول في مناكفات سياسية تكتيكية لا طائل منها.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً