تابعت منذ اللحظات الأولى لإعصار دانيال الوضع الإنساني في ليبيا، وكذلك في المغرب من بداية الزلزال، وإذا كانت الحكومة المغربية لها اعتبارتها في تلقي المساعدات، فإن هذا الأمر يعود لشعبه، لكن ما لاحظته في الشأن الليبي، ثمة إهمال إنساني عالمي لهذا الشعب المتسامح، الذي كان على أهبة الاستعداد لمساعدة العرب… كل العرب، وكذلك الشعوب الأخرى في الكوارث الطبيعية.
صحيح أن هناك 12 دولة أرسلت مساعدات، هي تركيا ومصر والأردن والكويت والإمارات وقطر وتونس والجزائر ومالطا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا، لكن أين العرب الآخرون الذي طالما استفادوا من الشعب الليبي، أم إنهم كما يقول المثل “يأكلون وينسون”.
حين نتحدث عن الشعب الليبي، نحن نحكي مأساتنا العربية، هذا الانشغال بالأمور التافهة عن المهمة، وكأن عادياتنا أصبحت الشغل الشاغل لنا، وافتقدنا الحمية العربية، وربما لهذا السبب تفرق العرب، وأصبحت العروبة شعارا للاستهلاك اليومي في تسطير الأحروف، ولا شيء غير ذلك.
المأساة الليبية عنوان كبير لنا كلنا العرب، ولا نجلد ذاتنا إذا قلنا الحقيقية، فحين ينتهي إعصار، أي كارثة طبيعية، لا دخل للسياسة فيها، بهذه الخسائر البشرية الهائلة، وحين ترى الشعب وحده يواجه مصيره، فهذا يعني أن الليبيين يستطيعون أن يسطروا عبرة لكل العرب، بل للإنسانية.
صحيح أن هناك مساعدات قدمت على عجل، لكنها خجولة… نعم خجولة، فما قدمه الليبيون طوال التاريخ لهذه الأمة كبير جدا، وسعيهم إلى إضاءة السبيل أمامها يكفي العرب أن يكونوا كلهم في مواجهة تبعات المأساة، ويكفي أن يكونوا البلسم لكل جريح، ومصاب.
لم يبخل الشعب الليبي على أي دولة عربية، حتى في أوج محنته طوال 12 عاما، كانوا إلى جانب العرب، لم يتخلوا عن عروبتهم، لكن حين دقت ساعة رد الجميل تخلى العرب عنهم، وهذه قمة العار.
ليس الوقت الآن لحسابات الربح والخسارة السياسية، والمصالح، فهذا الشعب الذي أنجب عمر المختار يستطيع أن يكون عنوان الشجاعة، وهذا الذي أنجب كبار الأدباء والشعراء والروائيين، أيضا رغم صرامته، فإن روحه تشتعل بنار الأحاسيس والمشاعر، أوليس في قول الشعار الليبي عبد السلام أبو حجر: “لأني كرهت الآنَ والآنُ ضيقٌ يحاصرني ما بعده فهو أضيقُ ويشغلني عن لحظتي أن لحظتي سراب وما في لحظتي ما يُصدق”، خير تعبير عن الحال التي يعيشها الشعب الليبي، أم إننا نطرب للقصيدة، ولا نعتبر ما ورد فيها؟.
ربما أكون مخطئا في حساباتي، لكن المساعدات الخجولة لن تبني منازل تهدمت، بل مدن، وبنية تحتية قضي عليها، فهل حين تبدأ عملية الإعمار سيكون رجال الأعمال العرب الذين لم يساعدوا هذا الشعب، ولا دولهم قدمت يد العون، أول من يأتون للاستثمار في مأساة الليبيين؟.
أليس العرب اليوم يختلفون اليوم على الحصص في إعادة إعمار سورية والعراق وليبيا واليمن، ويطيلون أمد الحروب فيها؟.
لن أكون ليبياً أكثر من الليبيين، لكن ما أشعره تجاه هذا الشعب، وكيف تعامل العرب معه ومع مأساته، يجعلنا نشتعل غضبا، ونتأكد أن كل العرب أُكلوا يوم أُكل الثور الأبيض عام 1948، وفهمكم كفاية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً