خرج علينا قبل يوم 15 فبراير فقهاء بني أمية الجدد ليعيدوا لنا فقه السلطان والذل والعبودية ، ولكي يؤكدوا بأنهم ما كانوا أيام الثورة إلا مع الظالمين كديدنهم على مر العصور ، وما كان سكوتهم لا خشية لله أو بادعاء أنها فتنة ، فهم لم يروها فتنة ، بل حقاً أبلج وهو أننا بغاة كالحسين بن علي رضي الله وعن أبيه في مقابل يزيد الأموي (الشرعي!!!!) كشرعية ولي أمرهم معمر القذافي وجميع الطغاة على مر سنين هذه الأمة التي ابتليت بهؤلاء. ولكن كان خشية من الناس ، فالدم كان حاراً.
رؤية الإسلام التي لا تتناقض مع الفطرة البشرية فيما خص الحكم وعلاقة الدولة بأجهزتها التشريعية التنفيذية والقضائية بمواطنيها من حيث الطاعة والاحتجاج والرفض والنصح والنقد وغيرها ، والتي أراد البعض تشويهها واللعب عليها بطريقة الاجتزاء والابتسار والفهم الحرفي للنصوص وتشويه الحقائق. لا بل وصل الأمر بهؤلاء من شدة جهلهم بعلم الكلام وأصول الاعتقاد أن أساءوا لله عز وجل بأن كانوا جبريين ومنظرين لمذهب الجبرية ، بمقولة أن الحاكم الظالم الفاسق المنتهك للحرمات ينصبه الله تعالى ويقلده الحكم (والعياذ بالله) عقاباً على معاصي بعض العباد!!! تعالى الله سبحانه عن سوء أدبهم ووقاحتهم التي تناقض وتعارض أسس الاعتقاد الإسلامي وتسيء لصفات الله وتنزيهه وتخلق لنا جبرية جديدة ، وهو ما أعتل به الطغاة والظلمة والراكنين إليهم كديدن هؤلاء منذ انهيار الخلافة الراشدة.
هذا فقه بني أمية ، ومن سار في ركبهم ، فهاذ عبد الملك يقتل أحدهم ويأمر منادياً أن أمير المؤمنين قتل هذا الرجل بقضاء الله السابق!!!!
وهذا الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور يدعي ويقول: “وإنما أنا حارسه (أي الله) وخادمه في ماله…. إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وأقسم أرزاقكم وإذا شاء أن يقفلني عليها أقفلني…!!”…
وأثرت ثقافة الظالمين وسحرتهم هذه في كل شتى مناحي الحياة وأفسدتها حتى قال جرير لعبد الملك بن مروان هذا البيت: الله طوقك الخلافة والهدى ….. والله ليس لما قضى تبديلُ.
فهؤلاء يتوسلون عقيدة مريضة لتشريع الظلم بعقيدة فاسدة مفسدة ، والتي أعتل بها الكفار حيث قال تعالى: “وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍۚ”. ولما أراد بعض المسلمين أن يعتلوا بمثل ذلك في معركة أحد: “…..”أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا…” ، ، لم يقل الله تعالى أن الله فعل ذلك عقاباً على معصيتكم !! بل قال تعالى: ” قل هو من عند أنفسكم”.
فلماذا تتظاهروا أو حتى تثوروا؟!!! الله أراد ذلك (والعياذ بالله)!!!! الله هو من نصب الطغاة والظالمين وأمرهم بالإفساد في الأرض لكي يعاقب العصاة من عباده!!!!(سبحانك ربي هذا بهتان عظيم). هؤلاء لكي يستقيم للظالمين ظلمهم وطغيانهم على استعداد أن يسيئوا حتى لله تعالى.
لا تغضب ولا تثور ولا تنكر الظلم والفساد ولو في وجدانك فالظلمة يقتلونكم ويعذبونكم وربما حتى يغتصبون نساءكم بإرادة الله!!! أي أن الله هو من يخلق أفعال العباد ولو كانت شراً، فينسبون الشر إلى إرادة الله والعياذ بالله!!!!.
ويقع هؤلاء في مثل هذه الطامة من جهلهم بعلم الكلام والأصول عامة والمعاني الحديثة للزمن والدهر والماضي والمستقبل والحاضر، ويجهلون معنى حرية الإرادة البشرية في ضوء الإرادة الالهية، والفرق ين إرادة الله وعلمه، وبين إرادة الله وإرادة العباد ومعنى كتب التي يظنوها خلق. ولجهلهم بكل شيء تقريباً . فهم حرفيون وسماعيون، و لا يزيد ما يقرءون من كتيبات عن عشرات الصفحات في السنة وهي كل ذات منهج واحد ، فكل ذلك يقود إلى هذه الطامة وسوء الأدب مع الله تعالى وشرعنة الظلم والترويج له وتبيان الحجج للظالمين. ولنا عودة إن أنسأ الله في العمر إلى هذا الموضوع المهم من علم الكلام والفلسفة؛ لما له من التباس في أذهان الناس . فسنكتب إن شاء الله تعالى مقالاً في هذا الموضوع المهم ، وهو هل الإنسان مخير أم مسير أم بين بين أم غيرها؟ وستتناول فيه أشهر الآراء الكلامية والفلسفية في هذا الميدان لكي لا يشكك مثل هؤلاء المتعالمين الناس في دينهم وربهم وعدله.
نعرج على موضوع المظاهرات، فالبعض لا يفتأ يستغل أي شيء لترويج لأفكاره الرثة البالية، لأفكار العبيد وثقافة الاستنعاج، والتي أثبت الزمن والعقل تهافتها وانعدام أي سند منطقي وواقعي . فاستغلوا ما توجس في أنفس الناس قبل يوم 15 فبراير لكي يعيدوا كرتهم في استغلال مساجد الله تعالى ومنابر رسوله صلى الله عليه وسلم لنشر أفكار طاعة الظلمة والفساق والمسرفين وترويج ثقافة العبيد والاستنعاج.
لا زال العديد منهم يكرر عين أخطاء أسلافهم من تحريمهم للأشياء في ذاتها فالمظاهرات حرام!! وبعضهم يريد الدليل الشرعي؟! أم علموا أن الأصل في الأشياء الإباحة!! البعض يقول السلف لم يفعلوا ذلك!!!! أو كانت المظاهرات عبادة حتى نستشهد بأن ذلك فعلها أم لم يفعلها؟!!!!! ثم ماذا عن خروج المسلمين في مكة المكرمة في صفين على أحدهم حمزة بن عبد المطلب والآخر عمر بن الخطاب وهو يصدحون بلا اله إلا الله محمد رسول احتجاجاً على الظلم الذي حاق بمستضعفي المسلمين والتضييق عليهم؟!!
المظاهرات، الحرب، الدعوة للسلم، القتل….الخ، ليست حراماً أو حلالاً في ذاتها بل في مشروعيتها من عدمه. فالحرب والقتال تكون حلال في حالة الدفاع عن النفس، وتكون حراماً في حال الاعتداء. والقتل كذلك يكون حلالاً إذا كان قصاصاً وعن طريق القضاء. والمظاهرات باعتبارها فعل أنساني لا تشذ عن ذلك ، قد تكون حلالاً وعملاً مشروعاً إذا كانت سلمية وبعبارات لا تشكل جريمة أو محرماً وفي سبيل أهداف سامية عامة كانت أو خاصة . وقد تكون حراماً وغير مشروعة إذا كانت خلاف ذلك.
قديماً قال مشايخ هذا التيار بأن التلفزيون حرام !!! والتلغراف حرام !!! و (الشيشمة) حرام وسودت في ذلك الرسائل والكتب في ذلك !!! للأسف هذا التيار لا يتعلم من أخطاء أسلافه وما زال يسير على ذات النهج الخاطئ ، ومن لا يتعلم من أخطاء فهو إما ميت فعلاً أو ميتاً حكماً بإماتة عقله .وفي المقال القادم إن شاء الله سنتناول موضوع ولاة الأمر والعلاقة معهم ومنهج أهل السنة والجماعة وباقي المسلمين في ذلك وسنبين الحق الذي أراد البعض كتمانه عمداً أم جهلاً.
فإذا ما شاب مظاهرة أي شيء سلبي أو كانت مُعدة أساساً لأغراض التخريب والفساد والإفساد فلا نقول أن ذلك دليل على أن المظاهرات حرام أو غير شرعية فهذا مما لحق المظاهرات بالعرض لا بالذات . أي ليس شيئاً من جوهر فكرة المظاهرة بل شيء خارج عنها أتي من أناس بعينهم.
وهو ذات ما عابه فقيه وفيلسوف الأندلس ابن رشد على الغزالي في تشنيعه على الفلسفة بحجة أن بعض الفلاسفة قالوا كذا أو كذا. مع الفرق (طبعاً) بين حجة الإسلام الغزالي في علمه وذكائه وفرادته وروحانيته وبين هؤلاء.
بل لا نجاوز الحق إن قلنا بأن حتى العبادات قد تكون حلالاً وقد تكون حراماً ، فالزكاة قد تكون حراماً وخسراناً على الشخص إذا أراد بها الرياء.
وإن أطال الله في العمر سنكتب مقالاً في موضوع الحكم والظالمين وطاعتهم، وسنبين موقف جميع فرق المسلمين، وبالأخص أهل السنة، خصوصاً وأن هؤلاء المشاغبين دائماً ما يرددون مصطلح أهل السنة والجماعة ، وسنرى ما هو موقف أهل السنة بجميع فرقهم، بسوادهم الأعظم المالكية والشافعية والحنفية (الاشاعرة والماتردية) أو أهل الحديث (الحنابلة) ، وسنرى عندها موقف جمهور أهل السنة لكي يعلم هؤلاء مدى الجهل والتزوير الذي يقوم به هؤلاء.
ونحن لا نقوم ترفاً بل لكي نقف ضد هذه الثورة الفكرية الضمادة، والتي تردي ان تعيد زرع وغرس ثقافة الذل وخلق الطغاة والظالمين ونشر ثقافة طاعتهم، فكما للحرية فلاسفة ومفكرين ومثقفين وعلماء ينظرون لها، فللذل والخنوع وتقديس الطغاة والظالمين ذات الفئات.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً