قد نتكلم نحن أو أنت أو غيرنا عن الديمقراطية أو الحرية ، ولكن المعيار والمقياس فيما أذا كنت تعي حقاً ما تقول هو الممارسة العملية ، فلا يكفي أن نقول بأنا نقبل الآخر ومع الحوار والطاولة المستديرة .. الخ من هذه الجمل الجميلة ، في حين أنك في مجالسك الخاصة أو الحزبية أو المذهبية تقول بضد ذلك تماماً . فذلك هو التناقض بعينه ، ولا شك أنه في ظل الثورة التكنولوجية أضحى تبين ذاك التناقض سريعاً جداً.
البرلمانات في الأنظمة الديمقراطية انعكاس للشعوب ، هذا ما لا يعيه ويقتنع به كثير من الإسلاميين ، فهم يريدون سيطرة فئة معينة على البرلمانات وفرض رؤاها وأفكارها بغض النظر ما أذا كانت محل أجماع الشعب أم هل تؤيده أغلبية الشعب أم أقليته؟. ذلك لا يهم من يرى نفسه ممثلاً للرب وسيف الله المسلول على الخونة والكفار ، من لا يرى الدنيا والناس – رغم ما دعي – ألا بثنائية رسول اله صلى الله عليه وسلم وأبوجهل ، سيدنا موسى عليه السلام وفرعون ، سيدنا ابراهيم والنمرود.
نحن لم نستغرب تصريحات السيد محمد صوان ووصفه من انتخب محمود جبريل بأزلام معمر القذافي . لا بل نعتقد أنه فوق تخوينه لهم فهو يكفرهم ويكفر جبريل والترهوني وشمام وغيرهم كثير ، لا بل هم في نظره منافقين . وهذا نتيجة منطقية للمنطلقات الفكرية والسياسة التي يعتنقها (حزب ذو مرجعية أسلامية).
كيف تتنافس وتتحاور مع من يقول لك أنا الإسلام ونحن الفرقة الناجية ، وأنتم كفار ، لا بل منافقين خونة ؟ من يظن نفسه حاملاً لرسالة إلهية مكلفاً من الله ، كيف سيحتمل وجود أبا جهل وأمية بن خلف وابن أبي سلول على الطرف الآخر.
المفارقة أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تعايش مع المنافقين في المدينة وغير المسلمين من يهود وكذا فعل المسلمون مع أهل الكتاب والديانات الأخرى ، لا بل أن الله سبحانه وتعالى قال عمن يكفر به من خلقه : ” وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ” . وقال عز وجل : ” لا أكراه في الدين “.
هل يخون رئيس حزب الإخوان المسلمين عديد الليبيين فيما يكفرهم الشيخ الصادق الغرياني ؟ هذا باعتقادنا واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار ، وهو نتيجة منطقية للمنطلقات الفكرية في منهج كليهما .
حزب ذو مرجعية أسلامية كقولنا حزب ذو مرجعية ليبية !! ماذا يعني ذلك ؟ هذا ابتداءً شيء من اللا منطق في مجتمع كل أهله ليبيون ، ويدل بشكل مباشر على أنك تعتبر أو ترى مخالفيك على أنهم خونة كما يرى ذو المرجعية ألإسلامية مخالفيه على أنهم كفرة ، لا بل أسوأ من الفكرة ، فهم منافقين.
الشيخ الصادق الغرياني ذو مرجعية سلفية تقليدية ، وحرض الناس على اختيار الإسلاميين في ، لان عكس ذلك سيؤدي لانتصار الليبراليين أو العلمانيين الكفرة المنافقين الفساق الخائنون لله ورسوله في نظره بما يستخلص مما بين الشيخ ما ينتوي أولئك فعله إن انتصروا في الانتخابات . أولئك الذين يخططون في الخفاء للتآمر عن دين الليبيين وألاسلام بصورة عامة !!!! هذا قاله الشيخ الصادق الغرياني في لقاء قديم مع الدكتور أسامة الصلابي ، الذي رد هو كذلك قبله على الانتقادات الموجهة للشيخ علي الصلابي بأن ذلك هو قدر القادة !!!!!!!
الشيخ الصادق الغرياني يعتبر التحالف الوطني ورئيسه كفار أو منافقين ومن صوت لهم منطقياً سيكون مثلهم . النقاش في صحة ذلك ومطابقته للواقع ، بنظرنا شيء من العبث وأقرب إلي النقاشات الانتخابية لكسب أصوات الناخبين.
ما سبب كل ذلك؟ سببه فهم ملتبس لجوانب معينة من الدين وللجانب البنيوي والوظيفي للدولة. فالدولة في نظر الأخوان المسلمين والشيخ الصادق وتياره هي وسيلة للذب عن الدين ونشره والدفاع عنه والدعوة له . وهذا أبداً ليس من وظائف الدولة الحديثة ، بل هو من وظائف المجتمع المدني ، الدولة كيان معنوي أشبه بالشركة ، نختار مجلس إدارة من المؤهلين الأكفاء المستقيمي الأخلاق ، بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية أو مذاهبهم الدينية ، ونوكل لهم مهمة إدارة الشركة وتحقيق الأرباح بما يحقق فائدة الشركة ككل بما فيهم العمال العاملين بها . وذلك لا يتم ألا بإتباع أسلوب رقابة فعال يضمن تحقيق تلك الأهداف.
يسأل سائل : ماذا لو أستغل شخص يهودي أو مسيحي ليبي ( مثلاً ) ما تقول به وحاول فرض دينه أو مذهبه مستغلاً الدولة وأجهزتها . هذا لا ولن يحصل أذا ما أسسنا لدستور يضمن حياد الدولة والبعد بها عن الدين والمذهب والأيدلوجية وجعلنا القضاء والشعب الضمان للرقابة على ذلك . يرد علينا آخر : انظر إلي فرنسا وتركيا وتونس قديماً ، ألم يستغل العلمانيون الدولة لفرض أيدلوجية ورؤية معينة؟ نعم صحيح ، ولكن الدولة في هذه البلدان لم تكن محايدة أبداً وهو ما يتعارض مع المبدأ الديمقراطي ووظيفة الدولة الحديثة ، بل كانت تقف مع الجانب اللاديني ضد الديني ، في حين أن الدولة الحديثة دولة محايدة لا علاقة لها بفرض أيدلوجية أو مذهب أو دين معين على الناس أو نشر الدين أو أستغلاله . فالأيدلوجيات والأديان والمذاهب لا تفرض على الناس ، بل تأتي عن طريق الإقناع من خلال جهد مدني ودعوي وتنظير وفكري خارج أجهزة الدولة التي يجب أن تظل محايدة.
التنافس السياسي يجب أن يكون على البرامج الاقتصادية والخط التنموية والنهضة العلمية بكافة مجالاتها المتنوعة.
الخطأ الذي وقعت النخب القومية والعلمانية العربية قديماً والإسلاميين حديثاً ، هو ذات الخطأ تقريباً ، وهو محاولة استغلال الدولة لفرض أيدولوجبة أو فكر أو مذهب معين ، وهذا ما سيقود حتماً إلى تقليص هامش الحريات و الاستبداد والإقصاء والدكتاتورية حتماً . فمن يظن نفسه الحق والحقيقة والملائكة لن يسمح بوجود الباطل والضلال والشياطين.
ومنبع ذلك ، علاوة على الفهم الملتبس والمشوش للدين وتركيبة الدولة ووظيفتها ، أن أصحاب هذه الأيدلوجيات أو الأفكار أو المذاهب ليس لديهم صبر لإقناع الناس بها فذلك يحتاج جهداً مضنياً على كافة المجالات ومهارات ومؤهلات ، بل يسعون لاستغلال الدولة وأجهزتها لفرضها . فهذا برأيهم أسرع وأسهل وأقل ( تصديعاً) للرأس.
الشيخ الصادق الغرياني قال بأنه يقصد من يقول بأن لا دين للدولة ، وهو ما سنتناوله في المقالة القادمة سواء من ناحية النقل أو العقل أو النقل المحكوم بالعقل لتتبين أن جملة دين الدولة لا أساس لها في الإسلام أو العقل أو القانون .
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً