صحيفة الحياة
كثرت في الآونة الأخيرة الشائعات والمقالات والتحليلات لبعض الكتاب المختصين، ومنهم من هو غير معني بالاقتصاد والمال، تؤكد كلها قرب وصول ليبيا إلى حافة الإفلاس نتيجة الحروب الدائرة بين مختلف القوى ووجود حكومتين، واحدة شرعية معترف بها دولياً يرأسها عبدالله الثني ومقرها طبرق، والأخرى بقيادة عمر الحاسي ومركزها طرابلس الغرب.
وما زاد حدة هذا التصور التشاؤمي الذي وصل إلى حد الحديث عن إفلاس الدولة، إصدار مصرف ليبيا المركزي في العاشر من الشهر الماضي، بياناً اعتبرته بعض الأوساط السياسية والاقتصادية في ليبيا وجزء من العالم الغربي مثابة «براءة ذمة» لإدارته والعاملين فيه، والذي ينبئ بتحول البلاد المنتجة للنفط والتي تملك ثروات طبيعية أخرى هائلة لم تستغل حتى الآن ومساحة تفوق مساحة مصر جارتها، إلى دولة مفلسة قريباً. هذا التصور يسـتبعده في شكل قاطع الخبراء الاقتصاديون الغربيون والشركات النفطية الكبرى التي لا تزال لها مصالح مهمة في ليبيا وتعمل بطرق غير واضحة المعالم، على رغم توقف إنتاج أهم الحقول النفطية وإقفال مرافئ التصدير من قبل المجموعات المسلحة المختلفة الانتماءات والمبهمة الولاءات.
على أي حال فبيان البنك المركزي الليبي الذي يهدف في الدرجة الأولى إلى إعطاء براءة ذمة لإدارته والعاملين فيه، لم يقدم معلومات ثابتة موثقة بالأرقام والتفاصيل ولا حتى بأسماء المسؤولين الذين أوصلوا مالية ليبيا إلى الحال التي هي عليها اليوم.
لقد اكتفى الذين اعدوا هذا البيان وتعمدوا إصداره في هذا الوقت تحديداً، بالإشارة إلى أن «الكارثة» الحاصلة تعود إلى الفساد وسوء التصرف في المال العام والهدر المستمر المترافق مع انخفاض إنتاج النفط وتدني الأسعار عالمياً. وتزامن ذلك مع تأجيل الحوار الذي دعت إليه نتيجة خلافات بين الأطراف المتصارعة.
لكن اللافت في مضمون هذا البيان هو الحديث عن ضياع أرصدة قدرت بنحو 300 بليون دولار كانت في حوزة الدولة – من دون ذكر الجهة التي كانت تحتفظ بها او توظفها – قبل سقوط نظام العقيد معمر القذافي اثر الانتفاضة الشعبية التي بدأت في 17 شباط (فبراير) 2011، ما يعني أن الذين توالوا على الحكم في ليبيا منذ الأيام الأولى التي تلت هذه الإطاحة وتحديداً حكم الرئيس السابق للمجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل وحلفائه من الإخوان المسلمين وبعض الدول العربية والغربية هم المسؤولون عن هذا الوضع المزري حتى الآن، سواء على الصعيد الأمني أو على مستوى الحوكمة الرشيدة التي كان من الممكن لو اعتمدت أن تنهض بالبلاد من كبوتها وتحافظ على المال العام وكذلك حجم الاحتياطات الموجودة لدى البنك المركزي.
انطلاقاً من هذا التشخيص يطرح سؤال: هل يهدف البنك من وراء محاولة تبرئة ذمته وتحميل الذين قادوا البلاد بعد الثورة مسؤولية تبخر الأموال والاحتياطات؟ ومن ناحية أخرى استبعاد أن يكون القذافي وابناؤه ورجالات نظامه قد سرقوا المال العام كلّه؟ ففي نهاية العام الجاري بلغت إيرادات الدولة 22 بليون دولار والنفقات 38.5 بليون أي بعجز يبلغ 16 بليون دولار. في حين أن الإيرادات عشية الإطاحة بالنظام كانت نحو 69 بليون دولار والاحتياط 170 بليوناً دولار من دون احتساب الذهب. واليوم أعلن عن تدني هذا الاحتياط إلى 119 بليون دولار في نيسان (ابريل) الماضي.
لكن البيان الأخير لم يعط أي رقم عن حجم هذه الاحتياطات في مطلع كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ما يطرح تساؤلات في وقت تتجنب المؤسسة المالية الإشارة إلى موجودات البلاد في الخارج. لكن حاكم مصرف ليبيا المركزي علي الحبري ذكر في مقابلة إذاعية في باريس إن احتياطات البلاد موجودة في 38 دولة من دون تحديد رقم.
في ظل هذه المعطيات والأرقام والتساؤلات، يمكن القول والاستنتاج معاً، أن ليبيا التي يصل إنتاجها من النفط في الأحوال العادية إلى 1.6 مليون برميل يومياً والتي تؤكد المؤسسة الوطنية الليبية للنفط إنها كانت تنتج الشهر الماضي ما يفوق 650 ألف برميل، وتودع العائدات في حسابات في الخارج كي لا تضع الجماعات المسلحة والمهربين الكبار وبعض الأطراف في الحكومتين أيديها على أجزاء منها. يضاف إلى ذلك ما ذكره حاكم المصرف المركزي بأن مخزون الاحتياط الليبي من النفط اليوم يصل إلى 34 بليون برميل.
بناء على ما سبق فإن الحديث عن إفلاس ليبيا أمر غير منطقي ولا موضوعي، بخاصة إذا أخذنا في الاعتبار ان عدد سكان ليبيا لا يتجاوز 6.5 مليون مع احتساب اليد العاملة الوافدة، وإذا أضفنا أن ثروات ليبيا من الغاز لم تستغل حتى الآن، وكذلك ثرواتها الطبيعية وهي التي تملك واجهة بحرية طولها 2000 كيلومتر، من السلوم في مصر، الى راس أجدير في تونس، عدا الثروات المنجمية في الصحراء والمساحات الزراعية في الجبل الأخضر وغيرها.
المقال يوجد فيه تحيز لطرف ولهذا بالنسبة لي لا أعتد به