لا أريد أن أعدد الكم “المتواضع” من الكوادر الطبية والطبية المساعدة التي عملت السلطات الليبية وعلى مدى نصف قرن أو يزيد على تأهيلها بالداخل والخارج بمختلف التخصصات الطبية، وكذا المرافق الصحية المتمثلة في المستوصفات والمستشفيات وانتهاء بالمجمعات الطبية الكبرى العملاقة، فهي شاهدة للعيان للمقيمين بالداخل سواء ليبيين أو رعايا دول أخرى أتوا للارتزاق، ولمن يريد معرفة ذلك بإمكانه البحث في الشبكة العنكبوتية ويتحصل على مبتغاه.
المؤسف له حقا أنه وفي ظل توفر الإمكانيات الهائلة، تنحدر الخدمات الطبية بالبلد إلى القاع، لقد عمّ الخراب كافة المرافق الصحية، لم تتم صيانة غالبية المرافق أو المعدات بها أو توريد أخرى جديدة، بل نجد أنه قد تم التعدي عليها سواء بتعطيلها عن العمل أو نهبها وبيعها في السوق، لتساهم في تفاقم الأزمات التي تحدق بالمواطن وترمي به في اتون القطاع الخاص للصحة، والذي لا يختلف كثيرا عن بقية القطاعات الأخرى، التي تهدف إلى الربح السريع بأيسر الطرق وبأقل التكاليف، مع الاستثناء للقلة.
القطاع الصحي العمومي مبانٍ شبه متآكلة خاوية على عروشها إلا من أولئك الذين يرتادونها سواء للعمل أو قضاء الحاجة، الحد الأدنى من العمالة، الأدوية البسيطة التي كانت تُعطى مجانا لتخفيف العبء على المواطن لم تعد موجودة، كافة الأدوية التي تكتب بالوصفة يتم شرائها من القطاع الخاص بأسعار جنونية في ظل غياب الدولة والرقابة على الأسعار، بل تتواجد بالسوق أدوية منتهية الصلاحية، أثمانها أرخص قليلا، يجد فيها عامة الشعب ضالته فيقتنيها وتكون الكارثة الكبرى ويكون المواطن البسيط أولى الضحايا، فيفقد مدخراته في الطبابة أولا ومن ثم يفقد نفسه، أي تمشيطه بأسلوب خسيس ونذل، لأن من يسيطرون على البلد يفتقرون إلى الحد الأدنى من الإنسانية، من كان يصدق يوما أن تقوم منظمات الإغاثة الدولية والجمعيات الخيرية بجلب العقاقير والأمصال الضرورية (مرضى السكري مثالا والذين يتجاوز عددهم المليون نسمة-يعني سدس السكان؟!) وأموال الدولة يستخدمها ساستنا في التنزه والاصطياف.
رغم انتهاء الانقسام السياسي الذي ساهم بفاعلية في تفاقم الأمور الاقتصادية، فإن غالبية الشعب أصبح دون مستوى خط الفقر، هؤلاء يضطرون الذهاب إلى المشافي العامة للتداوي وإجراء بعض العمليات وبالأخص استئصال العصارة الصفراء (المرارة) أو الزائدة Appendicitis وما شابه ذلك، هؤلاء المرضى يحضرون معهم كافة المواد اللازمة لإجراء العملية، بدء القيام بإجراء التحاليل اللازمة خارج المشفى وإحضار خيط رتق الجرح الناتج عن العملية، مرورا بأكياس التغذية والإبر الخاصة بها وانتهاء بملابس إجراء العملية (قماش قطني خفيف فضفاض تستخدم لمرة واحدة) ليس للمريض فقط بل للطاقم الطبي الذي سيجري العملية! إضافة إلى جلب الأدوية.
لقد أنفقت الدولة المليارات من العملة الصعبة لعلاج جرحى الثورة بالخارج، إنها حرب بين أفرقاء يريدون السلطة لا بناء الدولة، ويُحمّلون المواطن ثمن الفاتورة، إنه لشيء عجاب، ولا تزال بعض الدول التي قامت وتقوم بعلاجهم تطالب بملايين الدولارات، لو تم تخصيص الجزء اليسير من تلك الأموال على إعادة تأهيل المرافق الصحية لتحسنت الأمور، ولكن هيهات أن ينتظر من أناس الخير وتشهد عليهم أعمالهم الإجرامية منذ مجيئهم.
نخلص إلى القول بأن المشافي أصبحت مجرد مكان لإقامة العمليات الجراحية ليس إلا، وكأني بقطاع الصحة العامة يرفع شعار: أيها الزبون.. منك المواد ومنا اليد العاملة.. وعلى الرب الشفاء، تحية إلى كل الأطقم الطبية التي تبذل قصارى الجهود لمساعدة المواطن… ندرك أن ليس بيد هؤلاء حيلة وتظل المواقف الشخصية مدعاة للفخر والاعتزاز.. إنهم رسل محبة وإخاء ورحمة وبذل وعطاء غير منقطع، فدوام الحال من المحال ولكل أزمة حل وإن تأخر قليلا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً