الثورة السورية عكست كل المفاهيم, فتغيرت معادلة التاريخ والعلوم السياسية. عادة تكون الحكومة هي القوة الوطنية , بينما “الجماعات المسلحة” التي تحاربها عنصرية أو طائفية او مناطقية و جهوية , هكذا عرفنا الجيش الأيرلندي أو منظمة إلباسك في أسبانيا و نمور التاميل في سيريلانكا , فالحكومة وطنية والجماعات المسلحة هي من ينادي باسم المنطقة أو المذهب أو غير ذلك.
في المفهوم العام والبديهي أن الحكومة هي من يدافع عن الشعب ويحاول الحفاظ على مقوماته وبنيته التحتية ويبذل أقصى جهد في تجنب وقوع المدنيين الأبرياء ضحية حربه مع الجماعات المسلحة.
في المفهوم العام تكون الجماعات المسلحة التي تحارب الحكومة مدعمة من جهات خارجية , و تحاول العبث بأمن البلاد والعباد.
ولكن كل هذه المفاهيم معكوسة في سوريا . فالنظام يحارب حربا طائفية ضد شعبه , يقتل ويدمر تحت مشروع طائفي ونداء طائفي . بينما نجد الجيش السوري الحر يحمل الهم الوطني , لا يفرق بين طائفة وأخرى.
نجد النظام يحاول جر الشعب إلى حرب طائفية والمعارضة المسلحة أو الجماعات المسلحة تحاول العكس , وتنفي عن نفسها أي صبغة طائفية , بل ونجد في قياداتها المسلم والمسيحي والعلوي والدرزي والآشوري والكردي . فهي مقاومة تتشكل من كامل المكون السوري.
بالطبع نجد المكون العربي السني يشكل العمود الفقري للمعارضة ولكن هذا لأن العرب السنة هم المكون الأكبر للشعب السوري , كأنما الثورة السورية تقول إن على كل مكون من مكومات الشعب تحمل نصيبه من الثورة حسب حجمه , بينما النظام يتذرع ويحتمي بقوات طائفية وقوى خارجية طائفية , وهنا أصبح المفهوم معكوسا.
نجد النظام السوري يدمر ويقصف ويقتل عشوائيا , فمسحت أحياء وقرى عن بكاملها , وأضحى سكانها بين قتيل وجريح ومهجر , يستعمل طائرات ودبابات وأسلحة اشتراها النظام من عرق هذا الشعب ليقتله بها , بينما الجيش السوري الحر يحاول الدفاع عن الشعب وتخليصه من حصار قوات الدولة وتوفير ملاجئ آمنه له , وهنا أيضا أصبح المفهوم معكوسا.
أما بالنسبة للدعم الخارجي فلقد فضحت الثورة السورية النظام السوري , النظام الذي كتب في كل ركن وزاوية من سوريا شعار حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يدعي انه هو ضمير الأمة , فلم يجد له في العالم العربي أي مناصر , لا شعوبا ولا حكومات , بل وجد مناصريه من حاملي الشعارات الطائفية , مناصريه هم إيران الفارسية ونظام بوتين الروسي والنظام الصيني . فأين العربية التي كان ينادي بها ؟ وأين الآمة الواحدة؟
أثبتت الوقائع أنها خرافات ودجل وضحك على الشعوب, بل انه اثبت وبدون مجال للشك انه خنجر في خاصرة سوريا لتحويلها إلى ساحة خلفية للنزعة التوسعية الفارسية , وأدلة ذلك اكثر من تذكر, ولكن الدليل الحاسم هو ما فعلته إيران من مخالفة لأبسط قواعد الدبلوماسية , وابسط أصول الأمانة عندما حرّف المترجم الإيراني خطاب الرئيس المصري في مؤتمر قمة دول عدم الانحياز الذي عقد مؤخرا في طهران عندما ذكر الثورة السورية ووجوب وقف المجاز التي يتعرض الشعب السوري على يد جيش الأسد , حرف الخطاب وبدل أسم سوريا باسم البحرين !! هل اختلط مفهوم سوريا بالبحرين , أم كما يحدث دائما تتغافل إيران عن عشرات الألوف من قتلى الثورة السورية بل وتساهم في قتلهم , بينما تقف مع الحركة الطائفية في البحرين بكل قواها.
هذا التحريف الذي لم يسبق له مثيل, بل ويعتبر إساءة لرئيس اكبر دولة عربية وعملية تزوير قبيحة , ما قام بها النظام الإيراني إلا لمساعدة نظام الأسد.
بينما نجد الثورة السورية لا تجد لها مناصرا حقيقيا, فحتى ما تستطيع الحصول عليه من أسلحة يتم مصادرتها في تركيا , ولا تجد مساندة حقيقية , وهي تصريحات جوفاء خالية من أي معنى . وهنا أيضا نجد المفهوم معكوسا , نظام حكم طائفي متعصب مجرم يجد المساندة بالمال والسلاح والخبرات من الخارج بينما أبطال الثورة السورية يعتمدون على الله ثم على ما يغنمونه من قوات الأسد المنهزمة.
الثورة السورية فضحت النظام العالمي شرقه وغربه , عربيّة وغربيّه , فضحت كل الأنظمة وغيّرت كل المفاهيم , وستغير كل المعطيات على الأرض , وسيدفع العالم كثير بوقوفه موقف المتفرج , فلن ينسى الشعب السوري كل هؤلاء . سواء من وقف ضده أو من أدعى الوقوف معه . فذاكرة الشعوب لا تخطئ بين سوريا والبحرين وتعرف الفرق بينهما.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً