إن الله جل جلاله يبشر الصالحون من عباده بالتمكين في الأرض ويتحقق هذا التمكين بحسب درجة اقتراب الإنسان من الإلتزام بتطبيق حقوق الله في الأرض عاملا بأوامره منته عن نواهيه فيتحقق له بهذا الإلتزام التمكين ويرتقي في خلافته وسيطرته وإستقراره في الأرض قال تعالى:”وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ” الزمر 74.
سنرث الأرض حين نحب بعضنا بعضا، قال صلى الله عليه وسلم:”لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.إن العمل بهذا الحديث يقتضي أن يترك المسلم مجموعة من الأخلاق الذميمة التي تنتشر بشكل مدهش وعجيب بيننا اليوم في عموم المجتمعات الإسلامية ومنها: الحقد، الحسد، الكره، البغض، الخداع، النفاق، الغش، الأنانية وغيرها من عناصر الأخلاق الذميمة التي أصبحت صفة من صفات مجتمعاتنا أو ظاهرة من الظواهر العامة التي يجب الوقوف عندها ومعالجتها بشتى الوسائل لما لها من أثر سلبي في تقدم المجتمع وترابطه. أما العمل بمقتضى هذا الحديث سيكون ركيزة لبناء محتمع مترابط متكافل محب لبعضه كالجسد الواحد إذا اشتكى منه فرد من مرض أو ضيق أو فقر أو حاجة أو غيرها تداعى له بقية الأفراد من حوله وهرعوا له لمد يد العون كلٌ حسب جهده وقدرته فتعم السعادة أفراده لشعور كل فرد أنه جزء من مجتمع متماسك تراه وكأنه أسرة واحدة ما يرضاه الفرد لنفسه يرضاه لبقية أعضائه وما لا يرضاه لنفسه لا يرضاه لبقية أفراد المجتمع، مجتمع سيكون أفراده في النائبات حاضرين وداعمين لمن مسه الضر فلا خوف عليه ولا حزن.
سنرث الأرض حين يحرص كل فرد منّا على حماية ورعاية مصالح الآخر فيزيد الترابط بين أفراده والألفة والتعاون لحرص كل واحد منهم على مصالح الآخر فمن رسوخ الإيمان الفردي وكماله هو حب الخير للآخرين كما يحبه لنفسه ولا شك أن هذا التكامل الإيماني يتطلب من الفرد أن يصبر على أذى الآخرين وعزاؤه ووقوده في ذلك أن الصبر جزاؤه الجنة بغير حساب، وأن يعفو عمن ظلمه ويعين المحتاج ويعيد المريض ولا يدّخر جهدا في إعانة أفراد المجتمع من حوله بسعة صدر وطلاقة وجه وابتسامته.
إن هذا الحديث له ارتباط قوي لأصل من أصول الإيمان ألا وهو قول الله عز وجل: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” النساء 65، فمن كمال إيمان المؤمن أن يحب لأخيه ويرضى له ما يرضاه لنفسه فمن كان محبا مشفقا معينا لإخوانه كان جزاؤه الجنة لأن ذلك لا يأتيه إلا من حسن خلقه وتمام إيمانه، فعن يزيد القسري قال قال لي رسول الله:”أتحب الجنة قلت نعم قال فأحب لأخيك ما تحب لنفسك”، حينها سنرث الأرض بهذا العلُوّ الخلقي بالنفس وجعله واقعا ملموسا في حياتنا ونتخلّق به بيننا.
كم نحن محتاجين اليوم لإشاعة الحب بيننا ولتفقد فقيرنا ومحتاجنا وإخواننا وجيراننا؟ كم نحن محتاجين لسلامة صدورنا وتنقيتها من الحسد والحقد على إخواننا؟ كم نحن محتاجين لإبدال لغة السلاح والقتل والتشريد والتخوين بلغة الحوار والحب والتوافق والتفاهم مع إخوننا؟ كم نحن محتاجين للتفكر والتأمل في أقوالنا وأعمالنا وما ينتج عن هذه الأقوال والأفعال؟
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً