خبر عابر: تنظيم داعش يرتكب مذبحة جديدة في مدينة سرت، ويعرض صوراً لجثث شباب ليبيين تم صلبهم بجزيرة الزعفران بمدخل المدينة. يعتذر المذيع على قطع الخبر وتأجيله، لورود خبر أهم من مدينة الصخيرات المغربية، ويعِـد المشاهدين بالعـودة، بعد المؤتمر الصحفي لإعلان التشكيلة الجديدة لحكومة الوفاق الليبية.
القناة تقرر عدم العودة لخبر المذبحة، وتفضل الانتقال إلى حدث مُهِم آخر من العاصمة الليبية حيث الاستعراض العسكري الضخم لآلاف من المسلحين الليبيين بكامل عدتهم وعتادهم ومدرعاتهم ودباباتهم في “الساحة الخضراء” بقيادة أبوسهمين زعيم المؤتمر الوطني، وسط الهتافات والخطابات الغاضبة معلنين تحديهم ورفضهم لما سموه بحكومة “الوصاية الأجنبية”، ورفض دخول أي قوات “أجنبية” لتدنيس تراب ليبيا “الطاهر”!
غير بعيد عن مكان الاستعراض العسكري لمليشيات أبو سهمين، يتوسل الليبيون من آباء الضحايا المصلوبين في مدخل مدينة سرت للأمير الداعشي الأجنبي “أبو عمر المصري” وزملائه من الشيشان واليمن وتونس، حتى يسلموهم جثث أبنائهم لدفـنها، فيتم طردهم ويتوعدونهم بالقتل وتعليقهم على الصليب إلى جانب أبنائهم إذا لم يغربوا عن وجوههم، لأن مدة الصلب ثلاثة أيام وفق القانون أو الدستور الذي أقره الزعيم الشيشاني في امارته سرت-المدينة الليبية سابقاً.
بالتأكيد، سيختلف الأمر كثيراً، لو أن الشباب الليبيين المُعَلَقين على صليب داعش، كانوا أبناء نوري أبو سهمين أو مفتي الديار الليبية أو أبناء عقيلة صالح أو القطراني أو غيرهم من قادة ورموز الفوضى الليبية الحالية، ولأصبح الخبر عاجلاً جداً، وضمن أولويات الأمة، وعلى رأس أخبار وكالات الأنباء الدولية والمحلية، ولكانت قد تحركت جيوش المليشيات من شرق البلاد وجنوبها وغربها ليدكوا داعش دكاً! ولتحول حدث “جزيرة الزعفران” إلى درس تاريخي لن يُنسَى في البطولات الليبية، وقد ينافس القرضابية.
أما أن تكون مواطناً ليبياً، نكرة، لا محلّ لك من الإعراب في قواعد السياسة، وتنتمي لمدينة مهزومة حسب التصنيف “الفبرايري”، فليس أمام والدك إلا أن يُقــبّل قدمي أبي عمر المصري وأبي إسحق اليمني وكل الأقدام الأجنبية التي تحكم سرت اليوم حتى يكرمك أبوك بالدفن… بينما جيوش سماحة المفتي وبوسهمين يهزون أردافهم على طبول الموسيقى العسكرية في “الساحة الخضراء” ويتوعدون كل “أجنبي” ستطأ قدماه أرض الوطن ولو كان “الأجنبي” نفسه الذي أوصلهم للسلطة! باستثناء رفاقهم الأجانب بسرت طبعاً.
ومن جانب آخر، لا نستطيع أن نغـفـل دور فتنة الانقسام ما بين أبناء سرت أنفسهم، فسقوط سرت لم يكن فقط بسبب تخاذل وتآمر كل من مؤتمر طرابلس وبرلمان طبرق فحسب. فإن تآمر أهالي سرت على بعضهم البعض هو ما خلق البيئة الملائمة لهذا التنظيم الإرهابي، وما كان المجرمون الأجانب ليستطيعوا أن يصمدوا ساعة واحدة في سرت لولا انقسام أهلها واستسلامهم لشهوة الانتقام والتشفي والثأر من بعضهم، بسبب خلافات قبلية واجتماعية وأيديولوجية، فالاستعانة بـ “الأجنبي” لم تنتهِ بنهاية حرب 2011 بل أصبحت عُرفاً ونهجاً ليبياً بامتياز!
تلك الخلافات والأحقاد لم تنجُ منها مدينة أو قرية ليبية بل طالت حالة التناحر والعداء كل بيت ليبي. لذلك لم يكن غريباً أن كثيراً من جرائم داعش وجرائم وانتهاكات كثير من المليشيات المحلية والأجنبية الأخرى كان يباركها وربما يخطط لها وينفذها أيضاً ليبيون ثأراً وانتقاماً من ليبيين آخرين، حتى خرج الوضع عن السيطرة وتمكن المجرمون الأجانب من رقابهم جميعاً، وبلا استثناء، وحتى من ساند هذه التنظيمات الإرهابية وأعانهم على أهله أصبح ضحية لهم.
لذلك، ربما، موقـف إعلامنا الليبي يبدو مُـبرَراً للهروب من كل ما يتعـلق بمأسـاة مدينـة سـرت، فثمـة إحسـاس لدى عامة الليبيين بالانكسار والتخاذل والانهزام، ليـس تجـاه سرت وحدها بل تجاه ليبيا بأسرها، ولو حدثت المعجزة وتجـاوزنا أحقـادنا وثاراتنا وتآمرنا على بعضنا البعـض، ولاحت في الأفق ملامح «قرضابية جديدة» ستتغير أولويات ومواقـف الجمـيع وليس الإعلام وحده!
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
عندما كان بالامكان السيطرة على داعش سرت تحركت الكتيبة 166 لمحاربتهم خرج علينا بيان من سرت يقول بان هؤلاء ابنائنا وسنتعامل معهم ولا نريد من احد ان يتدخل والان وبعد ان تمكن التنظيم من سرت وتقوى وبدا في تنفيد افكاره الهدامة بدانا نسمع بان الكل تخلى عن سرت وتركها تواجه مصيرها بمفردها