المناوشات المسلحة خلال اليومين الماضيين جنوب طرابلس وما قبلها من خطف وحروب محدودة كانت ولازالت متوقعة وستستمر للفترة القادمة بإستمرار الإنقسام السياسي وتغول بعض المجموعات وعدم وجود حكومة قوية، في كل سجال حربي تقف مؤسسات الدولة عاجزة عن إيقافه وتتحرك الجهود الشعبية لإطفاء النيران بين الفرقاء، هذا الوضع يؤكد أن القوات المتقاتلة ليس لها ولاء ولا إنضواء تحث سلطة الدولة ، وأن تباعيتها للداخلية أو لوزارة الدفاع لم تكن سوى إسمية، يتم من خلالها دفع الرواتب وتوفير الإحتياجات الضرورية للقيام بأعمال أخرى نرى أنها مهمة مثل ضبط المجرمين والخارجين عن القانون والفارين من العدالة، ولكن يستمر إحتكار السلاح ليس في يد الحكومة أي كانت في الغرب أو الشرق الليبي وتستمر المناوشات تبعا لتعارض المصالح الأنية للمجموعات المسلحة.
هذه المناوشات كما في سابقتها ليست حروب بالمعنى المتعارف عليه، فهي فرقعات مؤلمة ومزعجة ومثيرة للشارع العام وتعطي صورة سيئة للخارج وخاصة، وقد تكون السبيل الوحيد للخروج من مأزق عدم وجود جيش منظم وعدم إحتكار السلاح للدولة وذلك بإرغامها على إعادة هيكلتها. كما يعلم الجميع أنه هناك عدة مجموعات مسلحة كبيرة في طرابلس وضواحيها ، هذه المجموعات أعطيت لها البراح لسنوات أربع من أجل ترتيب وضعها الداخلي ولكن لم تستفيذ من ذلك. ولا شك أنها لها دور مهم في إستقرار الأمن بالمدينة ولجم الخارجين عن القانون إلا أنها لها مثالب كثيرة بسبب ولائها لقيادتها التي ما تنفك أن تثبث أنها خارجة عن تراتبية القوات الأمنية بالدولة وأن ليس هناك غرفة أمنية شاملة تنحي لها جميع الفصائل.
والغريب في الأمر أن بعض عمداء البلديات المجاورة لطرابلس مثل ما حدث من المجلس البلدي ترهونه أنهم يتدخلون لتأييد فصيل على آخر أو لدعم مقاتلين منتمين إليهم، وبدعوى واهية مثل المحافظة على سلامة أهلهم بالعاصمة، واين ترهونة من طرابلس.
ما قام به بوتفليقة في الجزائر عقب العشرية الدموية ربما آت لأجل قفل باب المجموعات المسلحة ومنوشاتها المزعجة مع فاق طفيف وهو أن المقاتلين في الجزائر لا يتقاضون رواتب من الدولة، قوات الأمن الجزائرية أخبرت جميع المقاتلين بالتخلي عن السلاح وتعويض من يقوم بذلك أو ينخرط كفرد في مؤسسات الدولة، تلى ذلك تاجيج الصراع بين المجموعات حتى أدى إلى تقليص عددها وفرار افرادها وهروب منظريها، فكان سهلا على السلطة إعادة هيبة الدولة على جميع ربوعها.
في ليبيا لا يوجد جيش بالمعنى الحقيقي سابقا ولا الآن، وهياكله المهترئة تهاوت مع ثورة 17 فبراير 2011م، ولم يبقى سوى منظومات خدمية لدفع الرواتب أو متابعة الموظفين بقطاع الجيش الذي تضخم إلى أكثر من مئة ألف جلهم قابع في البيوت ويتقاضي مرتبه غير منقوص فيه. إعادة ترتيب الجيش لن يكون إلا بتحفيز هذه المجموعات على الإندماج لمجموعة واحدة أو بالتخلص منها وتبقي مجموعة واحدة تستبدل قيادتها لتكون نواة للجيش، لقد نجحت المساعي في السنة الماضية حيث أخرجت وتفككت العديد من المجموعات في غوط الشعال والسراج والمعمورة والعزيزية والزهراء وقصر بن غشير، وما بقي سوى خمسة مجموعات متنفذه. بعثة الأمم المتحدة ضاقت هي الأخرى درعا من تدخل بعض المجموعات المسلحة في مؤسسات الدولة مما أدى إلى تعطيل مساعيها، والمجتمع الدولي لن يقف متفرجا إلى ما لا نهاية أما عرقلة مصالحه بسبب مجموعات غير منضبطة.
المجلس الرئاسي يجب أن يكون له دور بإيقاف رواتب المجموعات الصغيرة التي لا تريد أن تنضم إلى الحرس الرئاسي أو تندمج مع فصائل أخرى، المجلس الرئاسي له دور في تفعيل الأركانات، من لا يتبع قيادة الأركان هو خارج عن شرعية الدولة مع إلغاء كافة قرارات الرئاسي بخصوص تشكيل أو تكليف قوات مسلحة لحراسة منطقة معينة، فهذا من شأن أركانات وزارة الدفاع. قيادة الأركان تستطيع تجميع ونقل الاسلحة الثقيلة خارج طرابلس، بل تحويل جل المعسكرات خارج المدينة وبمسافة 70 كم وهو ما نص عليه الإتفاق السياسي. من يريد أن يكون فاعلا في فصائل وسرايا الجيش يكون على حدود الوطن في الويغ والعوينات وغات والقطرون وغدامس ومشهد صالح وفي الصحراء الشرقية عند ابار المؤسسة، مدافعا عن شرف الوطن مانعاً لإنتهاك أراضية من شردمة العصابات المسلحة التشادية والسودانية والمهربين المصريين وتجار المخدرات والوقود والذي سيسجله التاريخ بأحرف من نور، أما سجال السلاح في شوارع طرابلس مثل صلاح الدين وخلة الفرجان والدائري الثالت وطريق الشط، فهو خراريف هلوسة ترعب ولا نتيجة لها سوء الذكر السئ والسيط المهين.
نعم الدولة الليبية لا تحتاج إلى تخطيط وإصدار قرارات جريئة فقط بل إلى أناس وطنيين قائمين ليل نهار على تنفيذ تلك القرارات بفاعلية، وهذا ما لم يحدث في مع وجود الرئاسي ولا مع برلمان العار، والحل القائم والواضح الجلي هو الذهاب إلى إنتخابات رئاسية وبرلمانية تفرز وجوه جديدة تستطيع وضع الحلول موضع التنفيذ.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً