“حول ثورات الربيع العربي”
.. هل ما حدث ويحدث الآن في وطننا العربي في دول ما يُعرف “بثورات الربيع العربي” هو محض الصدفة؟ أو هو بإرادة شعبية حرة مثلما يتراءى للكثير! هل يمكن أن يكون الوعي العربي الثوري قد تفّجر مرة واحدة وفي وقت واحد؟!.. لو كان هناك وعي شعبى حقيقي وارادة حرة.. هل الأوضاع في بلدان الربيع العربي تسوء الى هذا الحد الذى لا يمكن وصفه من السوء والتردي من قتل واقتتال واستباحة دماء الأبرياء وفساد؟.. لو أن ما حدث في هذه البلدان ناتج عن وعي حقيقي وعن ارادة حرة لكانت هذه الشعوب قد شرعت في البناء واعادة اعمار بلدانها المدمرة ولعمهّا الأمن والأمان..
لا أحد يستطيع أن يُنكران ثمة خللا في الجبهة الداخلية في بلدان الربيع العربي لاسيما أن الوضع داخل هذه البلدان كان هشا ومترديا! جعل اختراق الجبهة الداخلية سهلا لا يحتاج كثير عناء فأوجد ذلك تربة خصبة لزرع المؤامرات والفتن وتأجيج الشارع العربي وخلق فوضى وانفلات، لأنه متى ضعفت الدولة أوحكومتها فان ذلك سينتج عنه ظهور مشاكل لم تكن في الحسبان وبُروز نعرات مذهبية وعرقية ودينية وطائفية! والمحصلة غياب الأمن والأمان والسلم الاجتماعي وتعم الفوضى والانفلات والفراغ الأمني خصوصا في البلدان التي أُستُهدف جيشها وأمنها الوطنيين! وأصبحت بلا جيش وبلا أمن!.
ان انتشار الفساد والركود الاقتصادي وسوء الأحوال المعيشية والتضييق السياسي والأمني كانت من أسباب انتفاضات الشعوب في دول ما يسمى ” بالربيع العربي ” ولكن دول الاستعمار القديم استطاعت ان تستغل هذا الوضع الذى تعيشه هذه الشعوب وأن تحرّضها بواسطة أدواتها في المنطقة على الثورات وأن تحشر أنفها في شأن شعوبها الداخلي حتى بعد أن سقطت أنظمتها لتبقيها شعوبا ذليلة خانعة مستغلة ومستعبدة لا تملك من أمرها شيئا حتى بعد أن اعتقدت أنها قد تحررت!.
اذا اعتبرنا أن الثورات وفقا للفهم المعاصر الأكثر حداثة هو التغيير بالخروج من الوضع الراهن الى وضع أفضل لتحقيق طموحات التغيير نحو نظام سياسي نزيه وعادل، يوفر الحقوق الكاملة والحرية للجميع.. فان ما حدث في بلدان الربيع العربي ليست ثورات وفقا لهذا المفهوم! فقد استطاعت هذه الانتفاضات أن تُسقط أنظمة الحكم ولكنها فشلت في بناء الدولة وتحقيق طموحاتها التي انتفضت من أجلها وأصبح خروجها من الوضع الراهن الذى يفترض أنها تجاوزته متعسّرا وأصبحت تراوح في ذات المكان على الرغم مما قدمته من تضحيات جسام!.
.. لم تستطع هذه الانتفاضات الشعبية العارمة أن تُحصّن نفسها ضد الهيمنة والتبعية والتدخلات الخارجية والمؤامرات الداخلية التي تحيكها قوى الداخل المعطلة لقيام الدولة وبناء جيشها وامنها الوطنيين من حزبين وجهويين وسلطويين وانتهازيين وتكفيريين واقصائيين وعملاء لهم اجنداتهم الخارجية!.
ما لذى جعل دويلة مثل قطر تقود انتفاضات ما يُسمى بالربيع العربي؟ وتناصب العداء لأنظمة تلك الدول بهذا الشكل السافر؟! ثم تحشُر أنفها في شأن شعوبها الداخلي وتمارس الوصاية عليها حتى بعد أن سقطت تلك الأنظمة وبعد أن تداعت أوضاعها وساءت أحوالها!
ان الدور الذى مارسته “قطر” وقناتها – الجزيرة الفضائية – التي هي أداة تنفيذ سياسة قطر الخارجية خصوصا في – تونس ومصر – فقد كشفته صحيفة “الكرستيان ساينس مونيتور” الامريكية في تقريرها الاستقصائي الذى تركّز حول الدور الذى تمارسه دويلة قطر وقناتها – الجزيرة – واستخدامها لبعض رجالات الدين في تنفيذ السياسة الخارجية للدوحة وابعاد المد الثوري عن قطر.. تقول الصحيفة (.. بعد عام 1995 أسّس أمير قطر قناة – الجزيرة الفضائية الاخبارية – ومنح بعض رجالات الدين السلفيين المتشددين الملاذ في قطر اضافة الى الأموال الوفيرة عبر البطاقات البنكية، كان هدفه أن يُخاطب هؤلاء الدعاة ما يقرب من 1.5 مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، لديهم المنصة الاعلامية والأموال.. ) ولكن هناك ثمن.. وأكدت أن الثمن هو الصمت! وقالت: (.. انه يمكن لهؤلاء الحديث عن الاوضاع في الشرق الأوسط واثارة الغضب في – مصر وليبيا – ولكن لهم دور في أن تبقى تلك الثورات خارج حدود قطر، والاّ فان المنصة الاعلامية ستتوقف وسيتم قطع الامدادات المالية التي تساهم في رفاهية الحياة)!.
تميزت قطر بالترحيب بالانتفاضات العربية واعتبرت الربيع العربي الفرصة السانحة التي كانت تنتظرها لتبرز نفوذها: (فكان الرد الفوري لقطر على الانتفاضات العربية النشر الفعلي لترسانتها الاعلامية ونشاطها الدبلوماسي ودعمها المالي وحتى دعمها العسكري ان طلبته بعض الاطراف – كما في ليبيا وسوريا -)
ثم يأتي دور ” برنار هنري ليفي ” وهو فرنسي من أصل يهودي معروف بتطرفه وعدائه للإسلام والمسلمين حيث كان يقول: (ان النزعة الاسلامية لم تنتج من سلوكيات الغرب مع المسلمين بل من مشكلة متأصلة، وأن النزعة الاسلامية مُهدّدة للغرب تماما كما هددتها الفاشية)
.. وفي مقابلة مع صحيفة – جويش كرونيكل – اليهودية المعروفة في 14.10. 2006 قال ليفي حرفيا : ( الفيلسوف لفيناس يقول انك عندما ترى الوجه العاري لمحاورك، فانك لا تستطيع أن تقتله أو تقتلها، ولا تستطيع أن تغتصبه، ولا أن تنتهكه، ولذلك عندما يقول المسلمون ان الحجاب هو لحماية المرأة، فان الأمر على العكس تماما، الحجاب هو دعوة للاغتصاب..)!!.
اعترف “برنار ليفي”، مستشار الرئيس الفرنسي “نيكولا ساركوزي”، بتمويل بلاده للحرب على ليبيا بالسلاح وكمدربين عسكريين على استعمال السلاح معلنا في سياق متصل، (عدم قبول الغرب اعتماد الشريعة الاسلامية مصدرا للتشريع في ليبيا ما بعد القذافي)!.
.. في العام 2006 وقعّ “برنار هنري ليفي” بيانا مع أحد عشر مثقفاً أحدهم هو- سلمان رشدي – بعنوان معاً لمواجهة الشمولية الجديدة، رداً على الاحتجاجات الشعبية في العالم الاسلامي ضد الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة دنماركية التي تمس الرسول محمد عليه الصلاة والسلام!.
“برنار هنري ليفي” يقر بأن: اسرائيل بمخابراتها وجيشها تقف وراء ما يسمى بربيع الثورات العربية! وكان “نيتنياهو” يقول حول الربيع العربي: (هذا ربيعي أنا)! ويرونه أنه يُمهّد لإسرائيل جديدة!..
حسب ما نشرته – لوفيغارو- الفرنسية فقد أعلنها “برنارهنرى ليفي” صراحة في المؤتمر السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا، حيث قال فيه: (لقد شاركت في الثورة الليبية بدافع،، يهوديتي،، (!).. لقد قمت بذلك رافعا راية وفائي لاسمي وللصهيونية ولإسرائيل.. شاركت في هذه المغامرة السياسية وساهمت في تحديد جبهات قتال، كما ساعدت في وضع استراتيجيات وتكتيكات لوطني ولبلد آخر.. لم أكن لأمثل ذلك لو لم أكن يهوديا )!!.
جاء هذا الرجل ليقود هذه الثورات ويُحرّض عليها!!.. فقد شارك مع 25 يناير في ميدان التحريرفي مصر كان يقول: ( شاركت في توزيع الطعام على المحتجين من مالي الخاص، وشاركت المتظاهرين في اقتحام مقر – أمن الدولة -..) ويقول: (ان – أمن الدولة – هو من سَجن الجاسوس الاسرائيلي “عزّام عزّام”) ثم جاء الى بنغازي والقى كلمة فيها وسط حشود من الليبيين! ثم ذهب بعيدا ليكون في الخطوط الأمامية في قلب الصحراء الليبية! والسؤال: لماذا كل هذا العناء؟!. وهل كانت لتفشل هذه الانتفاضات لو لم يُشارك فيها ” برنار ليفي “؟!.
وحيثما مرّهذا الرجل (.. تفجرّت حروب أهلية، وتقسيم، وطائفية، ومجازر مرعبة، وخراب كبير، فهو رجل ميدان عرفته، جبال افغانستان، وسهول السودان، ومراعي دارفور، وجبال كردستان العراق، والمستوطنات الصهيونية.. وأخيرا شرق ليبيا)!! واصبح واضحا أن هدف “برنار ليفي” هو (.. التمهيد لإسرائيل جديدة وعرب جُدد وشرق أوسط جديد..) الذى كانت تسوق له ” كونداليزا رايس بمباركة امريكا وبريطانيا وفرنسا..!.
ان ما حدث ويحدث الآن في دول ما يُعرف بالربيع العربي الذى لم نرى فيه زهورا حتى الآن! ليس اسقاط لأنظمة الحكم وحسب ولكن هو اسقاط للدول بكل كياناتها السياسية ومقوماتها الاقتصادية وتدمير وتخريب لكل مؤسساتها وسبل الحياة فيها! أنظروا الى ما آلت اليه الأمور في سوريا، ألم تُدمّر مُدنها وقراها؟ ألم تتوغّل فيها الجماعات التكفيرية المتشددة بمختلف المسميات؟ ألم تُستباح سوريا كدولة أو كوطن؟ ألم يُدمّر جيشها وترسانتها العسكرية وتستنزف مقدرات شعبها؟.. لمصلحة من ياترى كل هذا؟ أليس لمصلحة اسرائيل؟! التي انتصرت في معركة لم تخضها!.. ثم دُمّر قبلها العراق ودُمرّت ترسانته العسكرية الضخمة التي كانت ترعب الكيان الاسرائيل العنصري وأُسقِط نظامه وعمّته الفوضى والانفلات وأصبحت دماء العراقيين تسيل في الشوارع والميادين حتى يومنا هذا!.. وانظروا لما حلّ باليمن الموّحد من قتل واقتتال ودعوات لإعادة تقسيمه بين شمال وجنوب! وكيف هو حال تونس والصراع فيها على أشدّه!.. وما هو الحال في ليبيا من قتل واقتتال وتفجير وتشرذم وانتهاك لحقوق الانسان، ووصل فيها الفساد الى الانسان نفسه!..أوطان عمّها الدمار والإرهاب والموت الفظيع!.. وأصبحت ما يُسمى بثورات الربيع العربي أكبر منتج للضحايا وللدماء!! هل هذا ما ثارت الشعوب العربية من أجله؟! أم هو مؤامرة تستهدف العرب أجمعين؟! .. أم أن الثورات لا تأتي بخيركما يقولون؟! أم أن الثورات تحتاج أن تتجدّد كما يتجدّد الوضوء؟.. ان مصر هي الدولة العربية الوحيدة من دول الربيع العربي التي استطاعت أن تصمد أمام هذا التيار الجارف الذى يستهدف كيان الأمة وتفتيت وحدتها! بفضل وعي قادتها السياسيين والأمنيين وأصالة جيشها البطل..اذاً هل ” الربيع العربي ” هو ربيع مزعوم؟! ومؤامرة؟! الهدف منها هو تدميرالأمة؟!..
كانت الشعوب التي انتفضت ضد أنظمة الحكم التي كانت تقمعها، تُريد أن تقيم أنظمة حكم ديمقراطية وتؤسّس دولا مدنية يُطبق فيها القانون وتتحقق فيها العدالة ويستتب فيها الأمن وينعم فيها المواطن العربي البائس بالحرية وبالرخاء والاستقرار! ولكن هل تحقق هذا في بلدان الربيع العربي “بدءاً بالعراق ثم اليمن ثم تونس ثم مصر ثم ليبيا ثم سوريا”؟ كل هذه الدول وعبر حكوماتها الانتقالية والمؤقتة وقياداتها التشريعية والشعبية والحزبية والثورية وشيوخها وحكمائها وفعاليات المجتمع المدني عجزت جميعها أن تحقق الأمن والأمان لمواطنيها أو أن تستعيد الهدوء الذى كانت تنعم به بلدانها! ان المشكلة ليست في الأنظمة التي سقطت والتي نُعلق عليها عجزنا وفشلنا كلما أخفقنا.. وانما المشكلة تكمن الآن في المواطن العربي نفسه الذى أضاع فرصة سقوط هذه الأنظمة ليشرع في بناء دولته وتحقيق حلمه بما يتسّببه من عرقلة وتعطيل بناء الدولة!.
لعلنا نذكر “سايكس بيكو” العام 1916 كان الغرض من هذه الاتفاقية بين كل من – بريطانيا وفرنسا- في ذلك الوقت.. اقتسام الهلال الخصيب بينهما لتحديد مناطق النفوذ غرب آسيا بعد تهاوى الامبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على هذه المنطقة اثناء الحرب العالمية الاولي.. قسّمت هذه الاتفاقية وما تبعها الشرق العربي الى دول وكيانات سياسية كرّست الحدود المرسومة بموجب هذه الاتفاقية الاستعمارية والاتفاقيات الناتجة عنها!.. ما حدث في الوطن العربي في العام 1916 من اقتسام الهلال الخصيب وتقسيم الوطن العربي الى دويلات هشة كان بفعل الاستعمار المتمثل في بريطانيا وفرنسا!..
أمّا ما حدث ويحدث الآن في بلدان الربيع العربي هو “سايكس بيكو”! ولكن بنمط جديد من الحروب التي أُستخدم فيها أبناء الوطن الواحد ضد بعضهم البعض من قتل واقتتال! وتشرّذم وتحزّب وتمرّد وبروز الجهوية ومظاهر التعصّب القبلي في أبشع صورهما.. وأصبح المواطن العربي في هذه البلدان يُقاتل نفسه (!) ويُدمّر مُقدراته بيده ويُنفذ مُخططات الغرب الاستعماري ويُحقق له أطماعه نيابة عنه!.. وبعد أن سقطت الدول مع الأنظمة أستبيحت الحدود برا وبحرا للتسلل والتهريب وانتهكت الأجواء وحرمة وسيادة هذه البلدان التي عجزت أن تؤمن حدودها وتفرض هيبتها!.. فضلا عن تسلّل جماعات تكفيرية مُتشدّدة تلتحف برداء الدين لها أجنداتها أوغلت هي الأخرى في دماء الشعوب وكأنها على اتفاق مع تلك الأنظمة المطاح بها ليتواصل مسلسل القتل وسفك الدماء!..
قرأت ذات مرة: (.. ان الجنة التي يتطلع الناس للوصول اليها تمتلك اغراءها، ولكن ما يكاد البشر يحاولون تشييد هذه الجنة فوق الأرض حتى تتحول الملائكة نفسها الى شياطين.. ويكتشف الناس في النهاية أنهم قد بلغوا الجحيم عن طريق الجنة..)!.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً